الميثاق نت - <br />

الخميس, 30-أغسطس-2012
مهندس/ حسين علي بن سعد -
دأبت القوى الاستعمارية خلال القرون الماضية على بسط هيمنتها على الشعوب العربية والاسلامية تحركها كوامن الحقد والضغائن من جانب والرغبة في الاستيلاء على الثروات الطبيعية في هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة من جانب آخر. وكانت أخر المكائد التي ابتدعتها تأسيس برنامج تخريبي يسمى «الربيع العربي» مستغلة بذلك التناقضات والخلافات العرقية والمذهبية والدينية وغياب مبدأ الشورى والتداول السلمي للسلطة وظلم بعض الحكام وارتهانهم إلى المصالح الغربية والصهيونية مقابل التنازل عن الحقوق القومية والدينية والثقافية لهذه الأمة.
ولإن كانت هذه القوى الاستعمارية قد فشلت في إذلال شعوب الأمة عبر التدخلات العسكرية المباشرة والغزو المعلن، فلقد تبنت برنامجاً خبيثا أطلقت عليه مفهوم «الفوضى الخلاقة» أو «الثورات الداخلية الناعمة» كما ورد على لسان رؤساء دول غربية وزعماء نوادي ماسونية وجماعات صهيونية متطرفة والتي ورد في تصريحاتها وكتاباتها وتقاريرها السرية من « أن هذه الأمة لن تخضع إلا اذا احدثنا في كرامتها الداخلية جرحاً عميقاً لا تتعافى منه بسهولة.
وقد تمكنت هذه القوى الشريرة للأسف من تحقيق أهدافها مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها شعوب المنطقة وفرض السياسات الاقتصادية للبنك الدولي والقروض ذات الشروط المجحفة والمشاريع الوهمية حتى خلقت لدى هذه الشعوب الشعور بالإحباط وانعدام الثقة بين الحكام والمحكومين ورغبة القوى المراهقة داخل المجتمعات العربية والاسلامية في الانتقام من الأوضاع القائمة عبر تدمير الثروات والموارد والكيانات المؤسسية القائمة والبنى التنموية والاقتصادية المنشأة تحركها أجندات وقوى إعلامية خفية حتى أن هذه الشعوب في خضم حماسها وانفعالاتها تستنجد بالقوى الاستعمارية الحاقدة وتناشدها بتدمير ما هو قائم انتقاماً من اوطانها ومعتقداتها وموروثاتها الثقافية والاجتماعية.
وبهذا تعود إلى الاذهان مأساة التاريخ التدميري الدامي عندما تكالبت القوى الاستعمارية على الخلافة الاسلامية في عهد الدولة العثمانية وكرست كل امكانياتها الإعلامية والتآمرية عبر الحركات الصهيونية والصليبية والماسونية لخلق حالة من الثورة الوهمية ضد هذه الخلافة وتحول مفهوم الفتح الاسلامي العثماني إلى (الاستعمار العثماني) للدول العربية وبهذا فقد شهدت تلك المرحلة ربيعاً عربياً مشابهاً لما تشهده الأمة في المرحلة الحالية قاده جواسيس غربيون تحت مسميات ناعمة مثل لورانس العرب وغيرهم من الرحالة والمستشرقون الذين وصلوا إلى مفاصل القرار السياسي والعسكري للحكام المتنازعون من امراء وسلاطين واصبحت هذه الكيانات القبلية والسياسية ألعوبة سهلة في يد هذه الدول الاستعمارية.
وبينما كانت آلة الحرب العسكرية الغربية تسحق مفاصل الخلافة العثمانية على امتداد الكيان الإسلامي الشاسع، كان «الثوار العرب» من أتباع وأنصار التغيير الذي جاء به لورانس المشئوم ينسفون كل ما هو قائم من بنية تحتية واقتصادية على قاعدة الانفعال والرغبة في تغيير الواقع بعيداً عن الاحساس بالوطن والانتماء إلى مجموع الأمة، وشهدنا حينئذ كيف كانت المجموعات الثورية العربية تضع العبوات والمتفجرات الناسفة تحت المنشآت الاقتصادية والتاريخية والسكك الحديدية وطرق المواصلات والاتصالات ومنها المشروع العثماني الاستراتيجي لربط الدول العربية بشبكة من السكة الحديدية ومحطات القطارات التي امتدت من تركيا مركز الخلافة الإسلامية آنذاك إلى ميناء الحديدة عابرة أقاليم وولايات عربية في الشام والحجاز ونجد واليمن. وأثمر ذلك الربيع «اللورانسي» البغيض عن اتفاقية سايس - بيكو المشئومة والتي تجرعت الشعوب العربية بسببها فتن التقسيم والخلافات الحدودية والتناقضات العرقية والقبلية وأصبحت الشعوب العربية منغلقة على نفسها تقودها حكومات عميلة ويرعى مصالحها خبراء استعماريون ومرتزقة مأجورون من الغرب والحركات الصهيونية المعادية للعرب.
وفقدنا تبعا لتلك الكبوة أجزاء من أوطاننا الغالية منها فلسطين ولواء الإسكندرونة وتفككت الشام إلى سوريا ولبنان واليمن إلى شمال وجنوب ومنطقة الجزيرة العربية إلى سلطنات ومشيخات متناثرة انشغلت بها هذه الدول بينما تفرغت الدول الاستعمارية إلى نهب الثروات الطبيعية والبشرية وانزلقت الأمة في منحدر الجهل والتخلف والاتكالية على كل ما هو غربي حتى توقف العقل العربي تماما عن التفكير واستغنينا عن صناعة أشياء حيوية كنا نصنعها بأنفسنا واصبحنا عالة على بقية الأمم والشعوب.
وبحكم فطرة هذه الأمة وقدرتها على الصمود والبقاء فقد حقق لها الله نماذج ثورية ملهمة قادت ثورة استعادة الهوية واعادة البناء حتى تمكنت الشعوب العربية من الوقوف على أقدامها من جديد والتحرر من تلك الهيمنة الاستعمارية ومواجهة الهجمة الامبريالية والصهيونية العفنة على مقدرات الأمة.
وبقدر هذا الزخم الثوري الجديد إلا ان الجرح الذي تركه الربيع الاستعماري السابق لايزال يتكرر بسيناريوهاته وخططه الحاقدة على فترات من الزمن نشهدها حالياً في موجه التدمير الذاتي لمقدرات الامة التي تنفذه للأسف ابناء وكوادر هذه الأمة. وما حصل في اليمن وليبيا وسوريا يؤكد ان الربيع العربي الهادف إلى تحقيق العدل والمساوة لأفراد هذه الأوطان قد تحول بدفع سري مجهول إلى تدمير ممنهج لكل ما حققته شعوب هذه المنطقة على مدى قرنان من الزمن وأن هذا الانتقام الاستعماري البغيض يدفع بعودة الأوطان العربية إلى سنوات الوصاية والتخلف والجهل وتدمير كل ما تحقق تحت ذريعة الديمقراطية وحقوق الأنسان وتمكين المرأة، ولعلكم أدركتم وتدركون كيف أن هذه الدول لا تسمح بمثل هذه الأعمال في بلدانها ولكنها تبيحها وتدعمها في بلدان الغير إذ قامت الولايات المتحدة بفض اعتصامات وول استريت بالقوة وقتلت اربعة من المعتصمين دون رحمة لأنها تعتبر أن توقف التنمية ليوم واحد في وطنها يؤخرها خمسون عاماً إلى الوراء. فكيف بنا وحالنا أسوأ منهم بكثير واقتصادنا لا يحتمل ساعة من التوقف فكيف بينا وثوارنا يقطعون الطرقات ويدمرون ابراج الكهرباء ويفجرون انابيب النفط والغاز وينهبون المارة والمسافرون في الطرقات ويغتالون خصومهم السياسيين والعسكريين ويهدمون الروابط الاجتماعية والقبلية بين مناصر ومعارض ويستولون على المناصب والمواقع بدون كفاءة وممارسة الظلم الاجتماعي والسياسي على خصومهم واقصاء الأخرين في الرأي وعدم تقبل الرأي والرأي الأخر.
وأصبحت الدول العربية الغنية تنفق اموالها لتمويل الربيع العربي في الدول العربية الفقيرة دونما إدراك لما تسببه من آلام وجروح في جسد هذه الشعوب. وغير مدركة أن هناك خرائط قديمة تطوى وخرائط جديدة تعد على شاكلة سابقاتها من الخرائط التقسيمية ومخططات التجزئة وقد بدأت بوادرها الفعلية في السودان وبوادرها التآمرية في اليمن فهل تتبعها سوريا ولبنان والسعودية وما علينا إلاّ اليقظة فإن غدا لناظره قريب.
وبهذا فإننا نصل إلى حقيقة نتمنى أن تعيها كل الفصائل المشاركة في هذا الربيع موالاة ومعارضة بأن يتبنوا مبدأ الحوار والمكاشفة وتوعية الأجيال الثائرة المنتقمة بما شهده التاريخ العربي والاسلامي من حركات مماثلة تبنتها القوى الاستعمارية الحاقدة ونفذتها الشعوب المغلوبة على امرها دون ادراك بنتيجة ما تقوم به.
كما نأمل أن تكون ثوراتنا وانتفاضاتنا نحو التغيير واعية لمخاطر الارتهان إلى الأجنبي والاعتماد على الناشطين المجهولين الذين زرعتهم القوى الاستعمارية والتآمرية حتى لا ندفع ثمنا باهظا عند كل تغيير ننشده. وإلا يكون التغيير الذي يتحقق مقابل خسارة كل شيء والبدء من الصفر.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 04:25 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-28069.htm