الثلاثاء, 04-سبتمبر-2012
الميثاق نت -  د. طارق أحمد المنصوب -

بعد الانتهاء من ملف الصراع مع الجبهة الوطنية الديمقراطية، وإغلاقه بصورة نهائية وإعلان العفو العام عن جميع المشاركين في الأعمال الحربية ضد السلطة، تم الإعلان عن انعقاد المؤتمر الشعبي العام في أغسطس 1982م، ويشير بعض الباحثين إلى أن: صيغة المؤتمر الشعبي العام كانت مرحلية فقط في سياق الصراع القائم - آنذاك - بين السلطة والجبهة الوطنية الديمقراطية، وأن الاحتفاظ بهذه الصيغة، بعد انتهاء الصراع مع الجبهة، كان لضرورات الحوار الوحدوي، حيث يشير (نصر طه مصطفى) إلى أنه:» .. في البداية لم يكن هناك توجه لجعل صيغة المؤتمر الشعبي العام مستمرة، لكن ضرورات الحوار الوحدوي مع النظام في الجنوب اقتضت إقامة تنظيم سياسي مقابل الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم في عدن .. ومن هنا تم الاتفاق على أن يتم الإعلان عن المؤتمر الشعبي العام تنظيما وحيدا يهدف إلى رعاية العمل السياسي في الجمهورية العربية اليمنية حينها، ويشرف على تجسيد مبادئ الميثاق الوطني، خصوصا وأنه يضم ممثلين لمختلف التيارات السياسية في البلاد«.
وذاك الرأي يتفق مع آراء عديد من الباحثين سواء من اليمنيين، أو غير اليمنيين، فقد كانت القيادة السياسية تدرك أهمية وجود تنظيم سياسي، يكون إطاراً مؤسسياً للعمل السياسي، ويجمع مختلف القوى السياسية الموجودة على الساحة والتي كانت تمارس نشاطاتها الحزبية بصورة سرية، كالناصريين والبعثيين وذوي التوجهات القومية والماركسية كحزب العمل وحزب الوحدة الشعبية والحزب الديمقراطي الثوري. وبحكم طبيعة تكوينها، وبسبب طبيعة المرحلة التي كان يمر بها المجتمع اليمني آنذاك، ونتيجة لتحريم الحزبية في نصوص الدستور، لم يكن أمامها (أي السلطة) سوى اعتماد صيغة المؤتمر الشعبي، كإطار واسع يجمع شتات مختلف القوى السياسية.
ويؤكد الدكتور (علي العثربي) أنه حتى عندما تمت صياغة الميثاق الوطني، الدليل النظري للمؤتمر الشعبي العام، فقد وضعت الأهداف التي تعكس تلك الرغبة وأهمها:
1- لم شتات القوى الوطنية «المخلصة» الملتزمة بالثورة هدفا وسبيلا لتحقيق طموحات الشعب في بناء حاضرٍ مشرقٍ وغدٍ أكثر إشراقاً.
2- الالتقاء حول أفكار محددة تكون نقطة انطلاق للإرادة اليمنية الحرة المستقلة في سعيها الجاد نحو بناء اليمن الجديد.
3- شحذ الطاقات وحفز الهمم في إطار المصلحة الوطنية العليا وتأكيد الذات اليمنية وتعزيز الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية.
4- وضع الأسس التنفيذية لتحويل أهداف الثورة إلى المرحلة التطبيقية العملية استفادة من تجارب وخبرات السنوات السابقة من عمر الثورة.
5- الالتفاف حول المبادئ والأهداف لبناء المجتمع اليمني الجديد الذي ننشده بحيث تتاح الفرصة أمام جماهير الشعب لإبداء آرائها بكل صراحة وحرية كاملة. من خلال الحوار الفكري الحر الذي تديره لجنة الحوار الوطني ومشاركة الشعب في صياغة الميثاق الوطني ثم من خلال المؤتمر الشعبي وفروعه في كل محافظات الجمهورية.
وذهبت (إلهام محمد مانع)، في نفس الاتجاه، أي اعتبار أن تأسيس المؤتمر الشعبي العام جاء محاولة من السلطة لملء الفراغ السياسي،…، وما يميز صيغة المؤتمر الشعبي، في اعتقادها، عن الصيغ السابقة التي اعتمدتها مختلف السلطات التي تولت الحكم خلال المراحل الماضية من تاريخ اليمن المعاصر، هو الآتي:
1- أن الميثاق الوطني والذي يشكل الأساس الفكري للمؤتمر تمت صياغته ووضعه من قبل القوى السياسية القائمة في المجتمع بما فيها القوى المعارضة للسلطة (منها الجبهة الوطنية الديمقراطية).
2- أن المؤتمر ضم بين صفوفه التيارات السياسية والقوى الوطنية المتواجدة على الساحة باختلافها، وإن كان تمثيل العضو قام على اختياره بصفته الشخصية لا الحزبية. فقد كان مفهوما أن هذا الاختيار جاء لإرضاء التيار الذي يرتبط به.
وفي الفترة من 24 - 29 أغسطس 1982م، انعقد المؤتمر الشعبي العام، الذي اتخذ جملة من القرارات والتوصيات من أهمها:
- إقرار الميثاق الوطني في صيغته النهائية بعد مناقشته وإدخال بعض التعديلات عليه.
- إقرار استمرارية المؤتمر الشعبي العام كأداة سياسية ترعى العمل السياسي وتشرف على تجسيد الميثاق الوطني في الواقع العملي.
- انتخاب الرئيس علي عبد الله صالح أمينا عاما للمؤتمر الشعبي العام ورئيسا للجنة الدائمة.
- انتخاب خمسين عضوا من بين أعضائه لعضوية اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، المكونة من خمسة وسبعين عضوا .. فيما تم تعيين خمسة وعشرون من قبل القيادة السياسية.
لقد أدى وجود المؤتمر الشعبي العام - برغم الانتقادات الكثيرة التي يمكن توجيهها لصيغ العمل السياسي المستندة إلى فكرة تعبئة القوى السياسية والتوجهات الفكرية المتباينة في إطار تنظيم سياسي واحد، وهي الفكرة التي ظلت سائدة طيلة الفترة الماضية من تاريخ التطور السياسي في المجتمع اليمني - إلى تهدئة العلاقات بين الاتجاهات والقوى السياسية، كما أنهى تأسيس المؤتمر - كتنظيم سياسي ينظم حركة القوى السياسية و يؤطر مشاركتها في الحكم - الانتقادات التي كانت توجه للسلطة في شمال الوطن سابقاً حول غياب أداة للمشاركة السياسية، وعدم الاستفادة من الموارد البشرية والأطر المختلفة التوجهات الفكرية والأيديولوجية، وغياب الأداة الشعبية التي تتيح إمكانية الحوار مع مثيلاتها في جنوبه.
وبغض النظر عن الانتقادات التي وجهت إلى صيغة المؤتمر الشعبي العام، فإنه يمكن الإشارة، مع ذلك، إلى أن تلك التجربة قد مثلت تطوراً إيجابياً في مسيرة التحديث السياسي في المجتمع اليمني، فقد ساهمت إلى حدٍ ما في استيعاب الصراعات السياسية في إطار مؤسسي معترف به، واستطاعت احتواء القوى القبلية، وأوجدت صيغة بديلة للصراع المباشر بين السلطة وتلك القوى السياسية، وحولتها إلى صراع تنظيمي وحزبي.
وأهم من ذلك فقد أسهم المؤتمر الشعبي العام كصيغة سياسية توافقية في ترسيخ فكرة الحوار السلمي في الحياة السياسية، ومن ثم مكن من استنفاذ طاقة تلك القوى الاجتماعية والسياسية وتحويلها بعيداً عن المواجهة المباشرة مع الدولة ذاتها، إلى جانب أنه وفر آلية للمشاركة السياسية الشعبية، خاصة بعد انتخاب 70% من بين الأعضاء الذين مثلوا مختلف القطاعات والفئات الشعبية.. كل هذه الاعتبارات تجعل بقاء المؤتمر الشعبي العام خياراً مؤكداً للمرحلة القادمة، التي تتطلب توجيه جميع الطاقات الوطنية صوب إعادة البناء الوطني، ولملمة الصفوف، وتوجيه الثروات والموارد البشرية الوطنية باتجاه تحقيق التنمية والرفاه الوطني.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:54 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-28162.htm