أحمد مهدي سالم -
< الوحدة أسُّ ثابت وطني أصيل، ومنجز شعبي راسخ، وحلم اجتماعي جميل.. تحقق في غفلةٍ من هجمات الحقد المنظم، وكانت بداية مذاقه كماءٍ سلسبيل قبل ان يترك فعلُ المتغيرات والتغييرات بصمته في خدش الصورة، واهتزاز الراية المنصورة، وتصاعد نقمة الذات المقهورة، وخراب الدور المعمورة، فأصبحت الوحدة في نظر البعض، على مرمى حجر من تحولها إلى ورقة تتقاذفها الرياح..
خرجت الشياطين من قماقمها، وطلعت من القاع المظالم المحقة والمفتعلة إلى سطح النقاش والرأي العام، وانكسر حاجز الصوت، وتصدع جدار الصمت، واستهدف رأس النظام بعد ازمات طاحنة، دفع أثمانها الباهظة المواطن المسكين.. وقبله مئات وآلاف العسكريين والمدنيين الذين أُزهقت أرواحهم كقرابين لضرائب التغيير الذي أتت بوادره مدمرة على معظم خيرات وثروات ومصالح البلد، وكانت السيادة المنتهكة المستباحة أبرز متغير.. وأظهر تحولٍ.
صار قرار اليمن في أيدي غيره، عاد لبنان أحسن منه، هذا الغير متنوع متعدد يتجاوز السفراء العشرة المعتمدين كرؤساء فعليين، لكن غير معلنين للبلاد تحت يافطة المساعدة، أو فض نزاعات الفرقاء، أو مراقبة تنفيذ المبادرة، أو متابعة نزاهة تسلُّم القروض والمساعدات وغيرها من واجهات ديكورية شكلية في الظاهر خبيثة في الباطن.
الجوع افترسنا، واشباح الموت تغتالنا كل يوم.. كلما هدأ جرح.. نكأ جراح آخر في موضع ليس بعيداً.. ما بين هجوم على نقطةٍ أو تفجير في اجتماع أو مجلس عزاء، أو تدمير أنبوب غاز، وقطع إمداد نفط.. إلى قطع طرق، ونهب مسافرين وقاطرات، واختطاف أشخاص، واغلاق شوارع، وضرب أبراج كهرباء، وانهاك خزانة الدولة، وجدلٌ سياسي خبيث يذكي أوار الأحقاد، ويعطي مشروعية للتصفيات الشخصية والعشائرية والقبلية والوظيفية.
كم أحب الحرية وأعشقها حد التقديس!! ولعنة الله عليها إذا جاءت لنا بكل الشرور، أو تسبب جزء منها بدمار هائل انخلعت له القلوب قبل المباني والمنشآت.. حرية إلى ما لا نهاية.. حرية بدون سقف أو سقوف.. شيء لا يقبله عقل سوي..
قهر الله الشعار المسمم الفاتك ومن صنعه وروّج له بمعسول الكلام الذي في داخله السمُّ الزؤام.. مع هطول أمطار المال الحرام، واتساع مساحة البغض والإجرام.
الفرقة قائمة، والتوتر سائد، وكل فريقٍ يتربص، وأمله أن يتخلص من خصمه المتملص من كل التزام متكلِّس.
انهارت أسرٌ وفقدت مصادر رزقها، وتحولت إلى التسول والشحاتة.. وكانت قبلاً تجود بكل سخاء.
تطريبٌ مبالغٌ فيه شعارات الحرية، العدالة، المساواة، ومسيرات يومية، ومحرضة على الاقتصاص أو القتل، وإزهاق الأرواح شبه اليومي، والإقصاء للآخر، ودفن كل محاسنه، وما يمارس واقعاً في الأغلب الأعم، فيه شيء من النزعة الاستبدادية الممهدة للدكتاتورية القادمة إذا استمرت الأحوال على نسج المنوال نفسه.
لا خلاف أن التغيير ضرورة حتمية وتتطلبه شروط اللحظات التاريخية حينما تنضج أجنته في تجاويف المشاهد السياسية المحتقنة، مع الأمل الكبير بانزياح سحُب الاستبداد السوداء، وهطول أمطار الخير النافع، والقليل من الخراب، وإن أمكن تضييق مساحة التعطيل، لكن ما نراه أمامنا على امتداد الأفق العربي ونعيشه ونعايشه أن الضرر كبير، والمصيبة كارثية، والفائدة قليلة، بل أقلُ من القليل، وأدنى من طموحات الفعل النبيل، حتى أن كثيراً من المعارضين، أفراداً أو أحزاباً وتكتلات وقبائل تمنوا لو أن الأوضاع عادت كما كان الحال قبل الاعصار الربيعي الغربي المدمر لتجريب اشكال أخرى من التغيير للنظام، وغدت الطروحات المتعقلة المغلبة المصلحة الوطنية، قليلة جداً وتكاد تضيع إن لم تكن قد ضاعت وتلاشت وسط الزحام الفكري المتضاد، والمقولات الصاخبة المميتة والشعارات الإقصائىة المخربة، والنزعات التفكيكية المهيمنة، والانفاس الطائفية الطاحنة، والخطابات الدموية الساخنة، والثأرات السياسية الفاجرة.
دعوة صادقة للمجتمع، وبالذات الأوساط الفاعلة فيه أو الطليعة المستنيرة لأن تتعظ من شطط النهم الانتقامي، ومغالاة الخطاب المتشدد المتشنج، وتتفاعل مع القلة الوطنية الواعية الواقعية، وتحسن التقاط افكارها الايجابية الساعية لتجبير الفجوات، ومحاصرة الثأرات، وردم الهوات، وترك المشاحنات، وإيجاد التقاربات، والتهيئة للحوارات دون سقوف أو اشتراطات، نتوقع عندها ان تنتصر أصوات الخير، وتعلو قيم المحبة والتسامح والألفة، والانتقال بالمجتمع إلى آفاق واعدة بالعطاء الخلاق والعدل الرشيد، والمواطنة المتساوية، والحرية المسؤولة لا الفوضى الغبية.
لقطات:
- اغتالتنا الشعارات الملغمة في الصميم بعبوات فكرية ناسفة، فتفجرنا من الداخل أولاً ثم صعدت حممنا البركانية ثانياً، إلى أعلى في الخارج.
- هل معارضتنا عاهرةٌ تجاهرُ بالشرف؟! أم عفيفة وصمت بالبغاء؟! أم نصف عاهرة، ونصف شريفة؟!
- كلما اسمع تكرار التركيب الوصفي (الطرف الثالث) أتذكر أن ما من اثنين إلاّ وثالثهما الشيطان كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
- بالنظر إلى وضعنا المأساوي في جعار وأبين عموماً.. لسان الحال يقول: مثلما للرئيس السابق حصانة.. نريد حصانةً من تسديد الكهرباء عن الفترة السابقة.
- كنا نعتقد أن زمن الانتدابات الاستعمارية ولى.. ونخشى ان يسقط اليمن تحت انتداب خليجي/ غربي.
- أفضل وصف تحليلي سمعته: القاعدة دولة داخل الدولة، وأضيف: دولة عظيمة وما حد يعصي الدولة على قول يحيى عمر.
- شيء غريب أن بعض المتباكين على وضع اليمن المتردي، والمولولين عليه بدموع كاذبة.. هم أبرز أسباب تعاسته وشقائه.. صحوة ضمائر أم حيل جديدة؟!
- يكون تطوير فقه السياسة الشرعية بإبراز عناصر القوة في المجتمع ليرتقي إلى مسارات أكثر رحابةً، لا العودة بالمسيرة الإسلامية إلى بيئة الناقة والخيمة.
آخر الكلام:
أوما رأيت المجد ألقى رحْلَهُ
في آل طلحة ثم لمْ يتحولِ
البحتري