اقبال علي عبدالله -
ها هو قطار ثورتنا السبتمبرية الخالدة يصل الى محطته الخمسين حاملاً معه تاريخاً من التحديات والصعوبات والإخفاقات والصراعات ليصل اليوم الى محطته دون أن يعلم الكثير بل غالبية ابناء جيلنا ومن بعدهم هذا التاريخ، وأجزم أن الغالبية لا يعرفون شيئاً عن اليمن قبل الثورة والذي علموه أو سمعوا به أنها ثورة قضت على أعتى نظام إمامي كهنوتي في المنطقة.. وأنها ثورة لم تستورد من الخارج بل صنعها وفجرها اليمانيون بقوافل من الشهداء وأنهار من الدماء.. حقيقة أن هذه المقدمة التي دغدغت أفكاري وقلمي المتواضع وأنا أكتب موضوعاً عن العيد الذهبي لثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة.. ليست هي لب موضوعي والذي استسمح الزملاء والأساتذة الأعزاء المشرفين على الصحيفة اتساع صدورهم لما سأتناوله وباختصار شديد مع أنه موضوع صريح عودتنا الصحيفة دائماً على قول مثل هذه الصراحة التي تخدم الوطن لا تضره.
إن المحطة أو العيد الـ(50) للثورة تذهب بنا اليوم الى العديد من التساؤلات والتي أوكد من وجهة نظري أن الإجابة عليها أو بعضها في دواخلنا، نحن الجيل الذي نعيش اليوم بحمد الله وشكره ولم نكن موجودين قبل سنوات من الثورة ولم نشاهد أو نعش حجم المأساة التي عاشها أجدادنا وآباؤنا، لم نشاهد شعباً يعيش خارج التاريخ- بعد أن كانت بلادنا والتي عرفت بالسعيدة- سجلاً للتاريخ الحضاري والانساني.. تساؤلاتنا وبكل شفافية دون خوف تكمن في أننا اليوم وبعد خمسين عاماً من الثورة التي مازال الكثير والكثير من وقائعها وصناعها والتضحيات الكبيرة التي قدمت من أجل قيامها والانتصار لها مازال مخفياً لا نعرفه نحن جيل اليوم الذي تجاوزنا بدايات العقد الخامس من العمر.. أي عندما اندلعت الثورة السبتمبرية عام 1962م كنا لا نتجاوز السبع أو الثمانية أعوام.. كنا مشطرين شطر يحكمه الإمامة الكهنوتية المتخلفة وشطر محتل من قبل المستعمر البريطاني.
أين نقف اليوم ونحن في المحطة الخمسين؟ هل وصلنا الى ما كان يحلم به الأجداد والآباء عن الثورة؟ تعالوا نقف عند هذين السؤالين ونقول إن الثورة وتحديداً من انتخاب الزعيم علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية كأول رئيس ينتخب بصورة ديمقراطية عبر المجلس التأسيسي عام 1978م اي بعد 16 عاماً من الثورة كانت البلاد تعيش خلالها في المربع الاول الذي قامت الثورة من أجل تجاوزه.. كان الحكم لا يتعدى العاصمة صنعاء وبعض المدن والنواحي وكان الامن عنوانه الفوضى والاغتيالات سواءً في الشمال أو الجنوب وكان الاقتصاد ميؤوساً من عافيته مثل بقية الخدمات التعليمية والصحية، ناهيك عن الثقافية التي كانت تحكمها وتديرها ثقافة القبيلة.. صور مأساوية كانت اليمن تعيشها ما بعد الثورة وحتى انتخب الشعب علي عبدالله صالح رئيساً للبلاد بعد مقتل رئيسين في الشمال وواحد في الجنوب.. فبدأت الثورة من يوليو 1978م تدفع الأبواب وبدأ نور اليمن يسطع فوق الأرض وبدأ التاريخ يفتح صفحاته ليسجل أن اليمن هنا وبدأ العالم يقرأ اليمن ويتابع ما يتحقق فيه من إنجازات حققها الزعيم علي عبدالله صالح ولا يستطيع أحد مهما كان أن ينكرها لأنها إنجازات حضرت على الأرض وبعرق كل من أحب وعشق اليمن، ولعل منجز الوحدة المباركة في مايو 1990م سيظل من أهم المنجزات التي حققتها الثورة السبتمبرية والثورة الاكتوبرية التي جاءت وليدة الثورة السبتمبرية.
اليوم ونحن نقرأ ونشاهد أنفسنا ونحن نقف في المحطة الخمسين نذرف الدموع لأننا نعمل وبإرادة ومال خارجي على هدم ما حققته الثورة من إنجازات ومنها الوحدة التي تحاول طوابير الغوغائيين وعباد المال الحرام المدنس القادم اليهم من الخارج أن تتآمر على الوحدة لأن اليمن صار قوياً بها.. اليوم نحن نتقاتل ليس من أجل الوطن والدفاع عنه بل من أجل تنفيذ أجندة خارجية تهدف الى تمزيق اليمن.. تركنا ثقافة أجدادنا ونحاول العودة الى ثقافة القبيلة ورفض المدنية.. نحن اليوم وبكل أسف نعود الى الخلف دون أن ندرك أننا نزرع الاشواك أمام أجيالنا القادمة.. دون أن نعرف أننا نسود صفحات تاريخنا الذي لن يرحمنا.
انتبهوا واجعلوا من العيد الذهبي للثورة انطلاقة جديدة لثورة تعيد اليمن الى مجده وحضارته التي أبهرت العالم.. احذروا فالتاريخ لن يرحمنا.