فيصل الصوفي -
ازعم أن الذين اغتالوا الرئيس إبراهيم محمد الحمدي وشقيقه عبد الله قائد قوات العمالقة في صنعاء يوم 11 أكتوبر 1977 كانوا يقفون وراء الشائعة التي روجت ذلك اليوم لتلطيخ سمعتهما، ووراء الشائعات الكثيرة التي تتالت بعدها ولم تمت حتى اليوم. والعجيب أن محبي الرئيس الحمدي والذين روعتهم عملية الاغتيال الشنيعة والذين يشعرون أنهم خسروا باغتياله نظاما ذو نزعة تحديثية عطلوا عقولهم وراحوا يتعاطون مع تلك الشائعات ويضيفون إليها شائعات جديدة ينفسون بها عن عواطفهم الكئيبة.
لقد كان المصاب جللا والطريقة التي نفذ بها خسيسة، ومن الطبيعي أن يتخفى المجرمون ويخفون كل المعلومات المتصلة بعملية الاغتيال لإضفاء غموض مطلق عليها، وبالتالي فأن الشائعات التي تم تسويقها تستهدف منع توجيه الأنظار نحو المنفذين الحقيقيين، كما تستهدف إثارة الشكوك أو رمي المسؤولية جهة شخص أو أشخاص آخرين أبرياء يراد إثارة النقمة عليهم، رغم أنهم كانوا بعيدين عن الحدث، وبعضهم كان من مشايعي الرئيس الحمدي.
إن التعامل مع قضية خطيرة كهذه بثقافة الشائعات وتوزيع التهم هنا وهناك يصب في صالح منفذي الجريمة والذين خططوا لها واستفادوا منها، ويضر بالقضية، هذا إذا كان الذين يطالبون بمحاكمة المجرمين جادين ومخلصين لهذه القضية. .لم يكن إبراهيم الحمدي مستهدفا لشخصه فحسب، بل لأنه حاول إضعاف القوى التقليدية لصالح دولة القانون، فقد واكبت عملية الاغتيال تصفية أركان نظامه، وعودة نفوذ تلك القوى التي لجأ بعض رموزها إلى خارج العاصمة والعسكرة هناك في انتظار اللحظة الحاسمة، ولا ينبغي أيضا أن يغيب عن البال الربط بين عملية الاغتيال وبين ما كان الحمدي يسعى إليه من خلال لقاءاته مع المسؤولين في جنوب البلاد، وقد اغتيل قبل يوم أو يومين من سفره إلى عدن للمشاركة في الاحتفال السنوي بذكرى ثورة 14 أكتوبر وإجراء مباحثات مع الرئيس سالم ربيع علي حول توحيد اليمن. فقد رأت القوى التقليدية المرتبطة بالعدو التاريخي للتقدم في اليمن والوحدة اليمنية هذه التوجهات كلها مضرة بمصالحها، فسارعت إلى وضع حد لها من خلال اغتيال الرئيس الحمدي والإجهاز على نظامه.
لماذا يغفل الذين يدعون أنهم حملة قضية الحمدي حقائق معروفة مثل أن الحمدي قتل في بيت مساعده أحمد الغشمي الذي نصب رئيسا للجمهورية بعد قتل الحمدي، وأن صالح الهديان كان مصدر القوة التي تقف وراء الغشمي والعملاء الآخرين المشايخ والتجار بمن فيهم الذين تضرروا من حل المجلس الوطني وتطبيقات الحمدي لبناء دولة القانون، وتوقه للوحدة اليمنية.