د.عبدالعزيز المقالح -
استطاعت الصهيونية العالمية، بما امتلكته من آلة اعلامية عالمية -وعلى مدى نصف قرن- أن تصور للعالم أن الكيان الصهيوني يمثل واحة الديمقراطية الوحيدة في صحراء العرب المكتظة بالأنظمة الدكتاتورية المتخلّفة والممثلة لأسوأ ما شهدته القرون الوسطى في أوروبا وفي غيرها من أماكن العالم القديم.
وبما أن الاعلام العربي المشغول بالداخل لم ينشط في يوم من الأيام في مواجهة هذه الأكذوبة الديمقراطية فقد سادت واتسع نطاقها عالمياً ووجدت لها أنصاراً ومتشيعين في أوروبا عامة وفي الولايات المتحدة خاصة، وصارت هذه الأكذوبة الديمقراطية المحاطة بالوحوش من المتخلّفين المحكومين بالحديد والنار حقيقة ثابتة لدى ملايين الناس في الغرب وكانت -الى وقت قريب- وكأنها واحدة من حقائق الوجود التي يصعب مواجهتها بالحقائق المضادة والصادقة التي تكشف حقيقة هذا الكيان بوصفه تجمعاً عرقياً عنصرياً تحكمه الآلة العسكرية المستبدة وتتولى قيادته الفعلية منذ بدء وجوده حتى هذه اللحظة.
ولأن حبل الكذب قصير والعالم في العقود الأخيرة على وجه التحديد أصبح يقترب من أن يكون قرية كبيرة فقد اتضح الوجه الحقيقي للصهيونية التي تحكم شطراً من فلسطين تحت مسمى الديمقراطية المزيفة وتحتل الشطر الآخر من فلسطين وتسعى الى ابادة سكانه بشتى الوسائل، على مرأى ومسمع من عالم اليوم ومنظماته المختلفة، وبذلك اكتشف عدد لا بأس به من مفكري أوروبا ومثقفي الولايات المتحدة من خلال المتابعة المستمرة حقيقة الأكذوبة الديمقراطية وبدأوا في كتاباتهم الانسانية يكشفون عن الوجه الحقيقي لنظام يتعامل مع المخالفين له في الرأي بأسوأ مما تفعله الأنظمة الديكتاتورية في أي مكان، وبدأت الأكذوبة التي سكنت عقل الرأي العام العالمي لفترة طويلة تهتز واقتربت من التلاشي.
ولا يستبعد المراقبون ما حدث للمفكر العربي الفلسطيني »عزمي بشارة« في الآونة الأخيرة من تهديد واتهامات باطلة لاسكات صوته المعارض سيفضح المزيد عن أكذوبة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط فقد ضاقت هذه الديمقراطية بالرأي ولم يتسع صدرها لرأي مفكر مدني يناضل بالكلمة ويضع النقاط على الحروف تجاه الخطايا التي يرتكبها النظام أو بالأصح اللانظام المتحكم في مصائر الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة في ٨٤٩١م، وفي الأرض التي تم احتلالها في ٧٦٩١م.. وكان هذا الكيان العسكري اللاديمقراطي قد ضاق ذرعاً بأصوات عدد من الشعراء الذين لا أسلحة سوى قصائدهم، فأبرق وأرعد وأثبت أمام الكلمة أن ديمقراطيته شكلية ومزيفة، ولم يثبت أمام أبسط امتحان لها أن العسكرتارية هي التي تحكم »تل أبيب«، وهي التي تختار القيادات المدنية التي هي عسكرية في الأساس بما فيها العناصر النسوية، فالمجتمع في الكيان الاسرائيلي -كما تقول الدراسات الصادرة عنه ومنه- مجتمع عسكري لا مكان فيه للمدنية والمدنيين، مجتمع لا يقبل الرأي الذي يمس حقائق تكوينه.. وسيكون في مقدور المفكر العربي عزمي بشارة أن يسلط مزيداً من الأضواء على واقع هذا الكيان الذي نجحت الآلة الاعلامية، لفترة طويلة، في تصويره على غير حقيقته ثم لم تعد قادرة على مواصلة تصدير الصورة نفسها الى مالا نهاية.