أحمد مهدي سالم -
< سماتٌ ومميزاتٌ صبغت حياتنا، وشكّلت ثقافتنا حالياً، وألقت علينا بمتوالياتٍ متداخلة.. متضادة .. هناك ارتجاجٌ للقيم، واهتزازٌ للثوابت.. أشبه بهزّ جبال راسخة شامخة، واقتلاع جذور معطيات وقناعاتٍ وآراءٍ أو ولاءات.. كانت في حكم المسلّم بها، وغير مختلفٍ حولها .. حتى الوقائع التاريخية، رصدتها في إطار معين؛ فإذا بها تكاد تنسف نسفاً، وتدأبُ محاولات إلغائها بكلِّ جهدٍ مثابرٍ من خلال صياغة وعي آخر، وترسيخ سلوكٍ مغاير، ثمة تشظيات في بنية الثقافة وأصل الهوية وقيم الانتماء والممارسات المجتمعية الفاعلة.
تجد شخصاً، جماعةً، مكوناتٍ، شرائح مثلاً كانت تكره المملكة العربية السعودية أكثر من كرهها اسرائيل.. فجأة يتغير الحال، وترتكس الارتكازات الفكرية له/ لهم فتصبح المملكة «الرجعية».. الأخت الكبرى، والصديق الصدوق، الداعم السخي، وإن لولاها.. لما وجد اليمن..
في الجهة المقابلة مكونات أخرى عرفتها تمقت ايران وأجنحتها الشيعية والسنية المتشيعة وتدخلاتها في غير بلد أكثر من مقت عبدالله بن أبي بن سلول كبير منافقي الإسلام لرسول الاسلام والهدى والبشرية محمد «صلى الله عليه وآله وسلم» وترى أنها تمثل مداً إسلامياً شيعياً رافضياً مخالفاً لأصول الشريعة الغراء، ومبادئ الاسلام المعتدل، وفي لمح البصر تصير كعبتهم التي يصبح الحج اليها.. الركن السادس للإسلام، وليس بالضرورة أن يكون هناك سفر، وكذا ليلاهم التي يتغنون هياماً بجمالها الساحر، وحسنها الآسر، وسخائها الباذخ.
إنهم يسرفون في تمجيد الدور الايراني الذي يصفه البعض بالعابث والإشادة بمحاسن له، أو اختلاق محاسن له، وإظهاره بمنظر برّاقٍ فاتن، والدفاع، عن اقترافاته أو تجاوزاته، دفاعاً مستميتاً، وقد يتخلله تهديد، يا سبحان الله، تغيير سريع، صدقت يا.. هي لسان الفصاحة وسلاح القتال..
ومن غرائب زماننا هذا.. أننا نلمس تناقضات جادةٍ.. مضحكة ومبكية.. محيرةٍ ومربكة في آن.. أشياءٌ، في فترة ما، نرفضها رفضاً قاطعاً ونقاتلها قتالاً حقيقياً بالإعلام والبنادق وبالنار والحديد والكفاح المديد».. ثم تأتي فترة أخرى بعد مضي عدة سنين.. فنكتشف خطأ وفظاعة ما قمنا به، ونعوص في قواميس الاعتذاريات بحثاً عن مفردات لطيفةٍ وأسانيد مهذبة تخفف من النقمة علينا، وتبرر لغوائنا العدائي السابق وعشقنا الجارف اللاحق.. طبعاً للمكونات والهيئات أو الأعراف والأشكال التي خضنا ضدّها حروب داحس والغبراء..
والأمثلة أكثر من كثيرةٍ سأوردُ إحداها بعد أن استهللت مقالتي بشاهدين.. انظروا «الجنوب العربي» أو «اتحاد الجنوبي العربي» الذي أوجده الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن في نهاية الخمسينيات كإطار سياسي لحكم ولايات أو مشيخات الجنوب قوبل برفضٍ شديد، وخاض ضده ثوار الجبهة القومية والفصائل اليسارية التقدمية حرباً ضروساً، وصراعاً فكرياً حتى تم إسقاط مشروع الجنوب العربي، وأهيل عليه التراب والوحل، والقاذورات ولأكثر من خمسة وعشرين عاماً، وجيلنا يتعلم في المدارس والكليات ومنابر الاعلام أن الجنوب العربي صنيعة استعمارية بغيضة كان الانجليز يريدون ويحلمون - من خلالها - احتواء نضالات شعبنا اليمني الهادفة الى تحقيق الحرية والانعتاق والاستقلال، وهذا ما حصل، واليوم اندهش الكثيرون عندما سمعوا ويسمعون الدعوة الى إحياء أو إعادة الجنوب العربي وإنكار الانتماء اليمني حد التطهر من الرجاسة والنجاسة.
أليس ذلك شيئاً غريباً وصادماً للذهن مع التأكيد على حقوق أبناء المحافظات الجنوبية في رفع المظالم عنها، ومنحهم استحقاقاتهم في إطار المواطنة العادلة المتساوية والهوية اليمنية الواحدة وفق شكل النظام الذي سيتمخض عنه مؤتمر الحوار الوطني.
القطاع
< عشنا ردحاً من الزمن نحقد على السلاطين والأمراء والمشايخ حسب ما أقنعونا - تعليمياً وتثقيفياً وأدلجةً - أنهم عملاء وخونة وضد مصلحة المجتمع وتطوير البلاد.. اليوم تبدل الحال.. صاروا ثواراً ووجهات اجتماعية مهمة وسياسيين ناصحين ووطنيين داعمين وصرنا أكثر تودداً إليهم.
< وبمناسبة 6 اكتوبر يوم العبور.. الرئيس البطل الشهيد محمد أنور السادات حقق أعظم انتصار، وحاربه كل العرب المزايدون، وقد صنع سلام الجدعان.. سلام الأقوياء. ودفع حياته ثمناً لمواقفه الجريئة التي سبقت زمنه، وهوجم كما لم يهاجم زعيم من قبل، وها هم المعارضون الأغبياء يتسولون السلام ويقبلون بالإذلال والعجرفة والسخرية من الكيان المغتصب، ويعترفون بظلمهم للسادات، أحد زعامات العرب التي لن تتكرر، وإنما نحن في تناقضات.
< صنف نعرفه كان أصحابه عندما يشاهدون شخصاً يصلي.. يرفعون عنه تقريراً بأنه «كان يمارس الرجعية في المسجد أيام التشطير.. الآن نراهم في أوائل صفوف المساجد.
عودة الى الحق ، وتفكير جميل
< الشرشف «الشيذر» كان في جنوبنا العزيز موضع هزء وسخرية، علامة تخلف ورجعية فنزع، وعقب الوحدة أعيد له الاعتبار كرمز أو كأحد رموز عزة وعفة وكبرياء المرأة، وكان الأدباء فرسان السفور ونازلين على الشرشف وصاحبته من الشمال.. الاشهر المبدع محمد الشرفي، ومن الجنوب الشاعر الشعبي كور سعيد مثال: أغنية من أبين السبعينات لفرقة وادي بنا يقول أبرز مقاطعها:
بنت اليمن ثائرة نحو التقدم سائره
واليوم شفها سافره قد أبعدت ذاك الحجاب
لقد تكرر نهاجم بقسوة ، نشوّه .. ثم نعيد الاعتبار، ونحاول التطهر، ولنا تناولة قادمة في هذه النقطة
آخر الكلام:
أأكفرك النعماء عندي وقد نمت
عليّ نمو الفجر والفجر ساطع
وأنت الذي أعززتني بعد ذلتي
فلا القول مخفوضٌ ولا الطرف خاشع؟
البحتري