علي عمر الصيعري -
سأبدأ من حيث انتهيت إليه في الحلقة السابقة والذي تمحور حول المعرقل الرئيسي لوضع الحلول المناسبة للقضية الجنوبية، وهو حزب الإصلاح.. مستنداً على مواقف للمؤتمر الشعبي لحل هذه القضية في أعقاب تبلور المطالب التي طرحها أخوتنا في جنوب الوطن، لأشير هنا إلى أن المؤتمر الشعبي العام أولى هذه القضية اهتمامات خاصة خلال محاولته إقناع قيادات «المشترك» بالتوقيع على قضايا وضوابط الحوار عام 2007م، وجاء على رأس أجندة هذه القضايا التي تقدم بها المؤتمر الشعبي «القضية الجنوبية»، وكان المعترض على هذا البند حزب الإصلاح نفسه، وكانت نتيجة ذلك فشل هذه الدعوة التي أطلقها الزعيم علي عبدالله صالح وقتما كان رئيساً للجمهورية.. وعلى الرغم من ذلك لم يقف المؤتمر الشعبي موقف المتفرج على تداعيات المطالب الجنوبية التي بدأت- كما أشرنا في الحلقة الماضية- بمطالب مشروعة ، فقد وجه الأخ الزعيم الحكومة بمذكرة رئاسية في 19أبريل 2008م شدد فيها على تشكيل لجنة حكومية تنسق مع السلطات المحلية في المحافظات الجنوبية لوضع الحلول المناسبة وتلبية تلك المطالب المشروعة، وشكلت بالفعل هذه اللجنة ورفعت تقريرها بعد نزولها الميداني برئاسة الأخوة الدكتور صالح باصرة والأستاذ عبدالقادر هلال..
وكان في الإمكان تنفيذ تلك الحلول في وقتها المناسب لولا بروز عدد من العوامل أخرت هذا التنفيذ وتمثل أهمها في الحرب التي كانت دائرة آنذاك في « صعدة « ، وتصعيد الحرب الإعلامية من قبل الإصلاح وشركائه على المؤتمر ، ورفض «المشترك» مشروع انتخاب المحافظين من المنتمين لمحافظاتهم في 17/5/2008م كخطوة أولى على طريق حل القضية الجنوبية . ومما زاد الطين بِلَّة عرقلة الفرقاء التئام شمل الحوار فيما بينهم لمعالجة هذه الاحتقانات التي دارت حول اتفاق 23 فبراير 2009م، وإفشاله لتركيزهم على الانتخابات النيابية وشروط ما سموه بـ«القائمة الانتخابية» للحصول على مقاعد مساوية للحزب الحاكم آنذاك ومخلة بأحكام قانون الانتخابات والاحتكام لصندوق الانتخابات، غير مهتمين بالقضايا الأخرى التي ضمنها المؤتمر الشعبي العام أجندته المقدمة لحوار ذلك الاتفاق وعلى رأسها- كما أشرنا- «القضية الجنوبية»..
ومن جهة أخرى لعبت بعض القوى السياسية في الجنوب دورها في حرف مسار المطالب الجماهيرية وتحويلها إلى مطالب سياسية من تقديم رؤية سياسية سليمة تحفظ لليمن وحدته وللجماهير في الجنوب حقوقهم ومطالبهم المشروعة.. ونلخص ذلك بإيجاز في الحقائق التالية:
برزت دوافع ومقومات «القضية الجنوبية» في 13 يناير 2006م بما عُرف بمشروع التصالح والتسامح في لقاء تم في «ردفان» على خلفيات مجزرة 13 يناير 1986م وما علق بها من الصراعات الدموية وفي مقدمتها أحداث 26 يونيو 1978م، مروراً بإعلان ما سمى بـ «الحراك السلمي» في 14 أكتوبر 2008م، وصولاً إلى ما تشهده الساحة من تداعيات هذا (الحراك) والتي اتسمت في بادئ الأمر بإثارة الشغب والاعتداء المسلح على الممتلكات العامة والخاصة إلى حد الجهر بفك الارتباط ، وسط انقسامات حادة بين صفوفه وصراعات جهوية ومناطقية بين قياداته ، لا تزال رحاها دائرة إلى يومنا هذا تغذيها قيادات الخارج التي تضررت من حرب صيف 94م والتي هي بنفسها تعيش منافسات حادة للاستحواذ على الحراك الجنوبي نفسه ، ولم تتفق بعد على رؤية موحدة..
وبعد أحداث فبراير الماضي وبروز ما سمي بالثورة الشبابية في صنعاء والذي أدى إلى تنازل الأخ الرئيس عن الحكم بتوقيعه على المبادرة الخليجية واكتفائه بزعامة المؤتمر الشعبي العام ، دعت هذه المبادرة الخليجية بآلياتها المزمنة كافة الأطراف الحزبية والقوى السياسية بما فيها الحراك الجنوبي والحوثيون من دون استثناء أحد ، إلى مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في نوفمبر المقبل.. وها هو المؤتمر الشعبي العام يضع في أولويات أجندته « القضية الجنوبية « التي سيقدمها لمؤتمر الحوار الوطني .
وآخر ما أكد لنا ذلك لقاء قيادة المؤتمر الشعبي العام بالأخ جمال بن عمرو المفوض الدولي للإشراف على تنفيذ بنود المبادرة الخليجية في مرحلتها الثانية ، وذلك خلال لقائه بها يوم الجمعة الماضية 19 أكتوبر الجاري ، فقد أكد بل وشدد الأخ الدكتور عبدالكريم الأرياني والأمناء العامون المساعدون وأعضاء اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام على أن القضية الجنوبية تحتل الصدارة في اهتمامات المؤتمر ورؤيته التي سيقدمها إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل،مشددة على أن طاولة مؤتمر الحوار هي المكان الأنسب لطرح كل الرؤى حول كيفية معالجة القضية الجنوبية عبر توافق وطني وفقاً لما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة وقرارات مجلس الأمن التي أكدت على حماية وحدة وأمن واستقرار اليمن، وشفعوا تشديدهم هذا بمطلبهم الناص على ضرورة ألا يستثني مؤتمر الحوار أي أحد، في إشارة من قيادة المؤتمر الشعبي العام إلى ممثلي الحراك الجنوبي وكذلك الحوثيين ، وعبرت قيادة المؤتمر الشعبي العام عن أملها في أن يكون الحوار فاتحة مستقبل أفضل لكل اليمنيين لنشهد فيه دولة مدنية حديثة قائمة على حكم القانون وعلى لامركزية تطلق الإبداعات المحلية لكل مناطق اليمن في ظل نظام يحمي المساواة ويضمن العدل والحرية لأبنائه وكل من يأتي إليه، وينظم مسألة السلاح بطريقة تجعل الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة والأمن، وتحريم ذلك على أي حزب أو جماعة وفقاً للدستور والقانون.