الإثنين, 05-نوفمبر-2012
الميثاق نت -    د. عادل الشجاع -
< العنوان يوحي بأن المواطنة تعني الوحدة، والتشظيات تعني التعددية، والحقيقة ان المواطنة هنا تعني اساس الحق السياسي في الوطن لكل مواطنيه في الحكم والثروة، والتشظيات تعني الفرقة والتشتت والتنافر والتطاحن والاقتتال، وهي معارضة للتوحيد وللنظام وللحق، وخلال السنوات الماضية لم تكتمل شروط انبثاق المواطنة الكاملة في بلادنا، ويعود السبب في ذلك الى التحالف الذي كان قائماً بين القبيلة والدولة، هذا التحالف أدى الى اخضاع المواطن لقمع مركب أحدهما سياسي مارسته السلطة والآخر اجتماعي مارسه مشائخ القبائل.
يعتقد ماكس فيبر ان ولادة الدولة تشكل نهاية الوراثة، أي ان ولادة الدولة نهاية للتنظيمات القبلية.
ولكي تكون العلاقة طبيعية بين الدولة والمجتمع لابد من الارتكاز على نقاط مفصلية ثلاث :
النقطة الأولى : الحرية:
فالحرية تشكل استغلال المجتمع وتجعله قادراً على تشكيل المجال العام ومطلب المواطنة الكاملة.
والحرية تحتاج الى اطار دستوري، يقرها نصاً ويصون احترامها تطبيقاً.
فنحن نعلم ان الدساتير التي وُضعت في السنوات الماضية لم تحظ بقدر معقول من المشاركة، كما ان ارادة المجتمع لم تكن حرة في المناقشة والتداول، ونحن نعلم ان الدولة المدنية تقوم على اللامركزية والفصل بين السلطات حتى لاتتعرض الحريات المتضمنة في الدستور للاغتصاب اذا ما تغولت السلطة التنفيذية.
النقطة الثانية: العدالة الاجتماعية :
بما ان الحرية لاتعني فقط قدرة الناس على ممارسة اختياراتهم في مجالات الشأن السياسي فإنها تمتد بالضرورة الى مدى احقيتهم في اكتساب امكانات العيش الكريم في التعليم والشغل والصحة والسكن، فالدولة المدنية هي التي تخلق علاقة متوازنة بين السياسي والاجتماعي وتجعل المواطنة الكاملة مبدأً في الثقافة السياسية للمجتمع.
النقطة الثالثة : الاستقلال الوطني :
حينما تتوافر الحرية والعدالة يستطيع الشعب ان يصد الاختراق الخارجي ويحمي التراب الوطني، وحينما غابت الدولة وغابت معها الديمقراطية شعرت بعض القوى السياسية والاجتماعية بالقوة فمدت يدها للخارج مما ساعد على استيلاد مسوغات الاجهاز على المجتمع وشل قدرات مكوناته في الدفاع عن قيم الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية.
ولايمكن الحديث عن المواطنة المتساوية مالم تُعَدْ الممتلكات والحقوق لأصحابها والتوزيع العادل للثروات الوطنية بين مكونات الشعب اليمني، يجب ان يشعر المواطن بأنه وماله ودمه وعرضه محترم وفقاً للقانون، والمواطنة المتساوية تعني المضي في طريق بناء دولة المواطنة وليس دولة المحاصصة والتمييز القبلي او المناطقي، دولة المواطنة تعني توزيع الثروات الوطنية بعدالة بين اليمنيين جميعاً فالجميع شركاء في كل شبر من أرض اليمن، وهذا لن يتحقق إلا في ظل الدولة المدنية وليس الدينية، فمهما زعمت الجماعات او الاحزاب الاسلامية انها تريد دولة مدنية إلا انها تظل متدخلة في شئون الدولة بل وتظل مهيمنة عليها.. وقد ذهب راشد الغنوشي- رئيس حزب النهضة الاسلامي بتونس- الى أنه عبر تاريخ الاسلام تبلورت مؤسستان واحدة سياسية هي الدولة، وأخرى دينية يقوم عليها العلماء وتهتم بأمر تغيير النصوص والإفتاء والتعليم والوقف وما الى ذلك، والاستاذ راشد الغنوشي يقصد قيام مؤسسة دينية في الدولة الديمقراطية الى جانب الدولة تكون مصدراً للسلطة فيما يتعلق بأمر تفسير النصوص والافتاء والتعليم والوقف وما الى ذلك تاركةً ما لاتراه من اختصاصها الى المؤسسة السياسية التي هي الدولة باعتبارها في نظام الحكم الديمقراطي مؤسسة منبثقة عن الارادة الشعبية وتقف على مسافة واحدة من كل مواطنيها، وهذا الوضع هو أقرب الى الحكومة الدينية وتكريس وصاية علماء الدين على الشعب، وهذا بطبيعة الحال يتعارض مع المبدأ الجوهري الذي يميز نظم الحكم الديمقراطية، وهو مبدأ كون الشعب مصدر السلطات، الحركات الاسلامية تقوم على الطاعة للأمراء، وترفض تعدد الآراء فيها وتعدد الاتجاهات، فالالتزام مقدم على الرأي، كما أنها ترفض الحوار مع التيارات الاخرى، تنتهي التعددية عند هذه الحركات الى احادية الطرف على كل المستويات والرأي الواحد في كل القضايا.
ولذلك فإن الدولة المدنية تختلف عن الدولة الدينية كون الاولى تعتبر الحقيقة نسبية انسانية تتغير بتغير وجهات النظر، وتتعدد بتعدد المصالح، أما الدولة الدينية فتقوم على الرأي الواحد والمذهب الواحد، وتعتبر التعددية عند الدولة الدينية اجتهادات داخل المعيار الواحد فهماً وتطبيقاً، فهي تعددية تبدأ بالتسليم بالمعيار الواحد مثل العدل، والعمل الصالح، والعدالة الاجتماعية، والحرية والشورى.
ان الذي يخشى من التعددية هو من يريد التسلط على رقاب الناس، فيحتكر الرأي ويقيد السلوك، ويتمسح بالشريعة ويتذرع بالحفاظ على الوحدة، تلك الوحدة الفارغة بلا مضمون.
والجماعات الاسلامية ترفض الدولة المدنية لعدة أسباب منها:
1- انهم يزعمون ان الدولة المدنية تدعو للمساواة بين المسلمين وغيرهم في بلدان الاسلام.
2- ان الوحدة من وجهة نظرهم تقوم على الولاء القومي والوطني وليس على الاسلام.
3- ان الدولة المدنية تدعو الى ولاية الكافر على المسلم، الولاية العظمى أي الرئاسة، وولاية القضاء والجيش بحجة المساواة في الوطن.
4- انكار نصوص الشريعة الاسلامية التي فرقت بين الرجل والمرأة في كثير من الاحكام بالدعوة للمساواة بينهما من غير فرق.
5- منع اجراء احكام الردة على من يستحقها شرعاً، فمن مساوئ المواطنة اباحة الردة.
الدولة الدينية تقوم على مفهوم الحكم بالحق الإلهي المطلق، ويزعم الحكام انهم يحكمون نيابة عن الله، وانهم مفوضون منه.
وقد ذهب الزنداني الى ان الشعب يختار حكامه ولكن ليس حكم الشعب للشعب وانما حكم الشعب بحكم الله، وهذا يعني غير معترف بالدولة المدنية، وقال: نريد دولة اسلامية شوروية وليس مدنية ويجب ان نطلق دولة اسلامية فلسنا كفاراً.
وفي صحيفة «الاولى» رد الزنداني على محمد عبدالملك المتوكل وقال : مفهوم الدولة المدنية غربي وافد على البلدان العربية والاسلامية لعلمنة مجتمعاتها وازاحة النموذج الاسلامي في السياسة والحكم، واضاف : ان للدولة المدنية ثلاثة أركان من بينها ركنان لايختلف مسلمان انهما يتناقضان مع نصوص الشريعة الاسلامية.
الأول : ان الدولة المدنية تعطي للشعب الحق في التشريع من خلال ممثليه في المجلس النيابي من تشريعات على أسس مدنية ورفض الخضوع لأي سلطة من خارج المجلس النيابي حتى لو كانت صادرة عن الله سبحانه وتعالى.
الثاني : ان الدولة المدنية تتناقض مع نصوص الشريعة الاسلامية لأن فيها مساواة مطلقة بين مواطني الدولة.
وهو يرفض مبدأ المساواة بين المواطنين ويرفض ان تكون السلطة التشريعية مستقلة لاتخضع لأي سلطة خارجية، ويرفض الدولة المدنية لأنها وافد اوروبي، وهذا يعني ان الزنداني يعطي نفسه مشروعية الحديث باسم الله مع العلم ان شئون السياسة والحكم هما شأن دنيوي وليس دينياً، انه شأن يقره الناس وفقاً لمصالحهم، وهو يرفض الدولة المدنية لأنها تقر المساواة بين الناس، وعنده ان الاسلام يحرم المساواة بين مواطني الدولة، لا مساواة في الحقوق بل تمييز على اساس الدين والجنس.
أما ما يتعلق بالقبيلة والمدنية
لكي تترسخ الدولة المدنية وتتجذر في المجتمع فهي بحاجة الى ان تؤسس وجودها على البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهذه البنى تأثرت في بلادنا بالوجود القبلي الواسع والممتد فيها، فالقبيلة موجودة على المستوى السياسي فهي تحكم بالمشهد السياسي وهي تتحكم بالمشهد الاقتصادي، فهي تملك الشركات والبنوك والاستثمارات المختلفة، فالولاء القبلي المحقق لقوة شيوخ القبيلة ونخبتها، استخدم في الممارسة السياسية لدعم جناح سياسي ضد آخر.
اليمن بلد قبلي بامتياز، وفي الوقت نفسه شهد المحاولة المبكرة في المنطقة لاحتضان التجربة الديمقراطية والتعددية السياسية.
وقد وقفت القبيلة ممثلة بشيوخها ضد القيم الحديثة بل وكان لهم شأن في افساد الممارسة الديمقراطية في بلادنا، لم تستطع الدولة بسط نفوذها على كامل التراب الوطني بسبب هيمنة القبيلة والقيام بدور الدولة نفسها.
وسبب ذلك يعود الى ان الدولة ظهرت بعد ثورة سبتمبر مصحوبة بتصور سياسي مؤسسي، ومترافقة مع ضعف الوعي السياسي لدى القوى السياسية والاجتماعية، وكانت ناتجاً لعصور مظلمة يصل امتدادها الى ألف سنة تقريباً، والدولة اليمنية هي دولة تستفرد فيها النخبة الحاكمة بالسلطة والبلاد والعباد وتغليب مصالح فئات معينة على المصلحة العمومية والمشتركة للناس جميعاً، اضافة الى القصور في التنمية الوطنية والقصور الاداري في التعامل مع الموارد والطاقات، فالدولة لم تتبنَ آليات الادارة الحديثة ولاحساً اصلاحياً وطنياً ولم تفتح المجال لمؤسسات المجتمع المدني كي تعمل بحرية، وبدلاً من ذلك فتحت الباب أمام العصبية التقليدية لأن تتمركز في جسد الدولة وان تمارس اعادة انتاج مستمر لثقافتها وتكتلاتها القديمة.
القبيلة في اليمن هي مكون جذري عميق في الثقافة الاجتماعية، وهي تستبطن الهوية وتتجه نحوها الولاءات.. ويرى خلدون النقيب ان ما يجعل القبيلة مقبولة ومرغوباً فيها، انها بسيطة بدائية وعميقة متغرسة في أعمق أعماق الوجدان الانساني، انغراساً لايمكن معه اختزالها او تفكيكها الى عملاقات أبسط، ولذلك يصفها غيرتز بالولاءات او الانتماءات الوشائجية فعندما يتعرض المجتمع لأزمة طاحنة او خطر داهم يعود الى هذه الانتماءات والولاءات الوشائجية التي يجد فيها الفرد الامان والطمأنينة او نستعملها كأدوات لتحقيق المصالح وكسب المنافع.
تعتبر العصبية فكرة مركزية في القبيلة، وهي ناتجة عن الالتحام بين الافراد عبر النسب والقرابة وتتجسد هذه الفكرة في قيم المناصرة والمغالبة والتضامن.
والقبيلة تشكل خطراً حقيقياً على الدولة المدنية لأنها تتقاطع مع العالم السياسي الحديث، لأنها تتداخل مع هذا العالم بشكل عصيب وتحشيدي وغير منضبط فكرياً ما يولد نتائج فادحة على المستوى السياسي والاجتماعي.
وقد كان للعقل الجمعي شأن في عدم إنضاج عملية التحديث السياسي في البحث الحديث فهو بلد مؤلف من قبائل، كل قبيلة لها ذاكرة اجتماعية مختلفة عن الأخرى، لذلك لم تحصل عملية بناء الهوية الوطنية في اليمن الحديث على دعم شعبي ذي زخمُ يمكنها من التأثير وتجاوز هذه الهويات التقليدية، فتوزعت اليمن ومواطنوها بين قوى متنوعة تتحزم كل واحدة منها برباط قبيلتها السياسية، هذا الترابط بين الجماعات التقليدية ولد ممانعة لمفهوم الدولة الحديثة.. إن القبيلة أحد المعوقات أمام بناء الدولة المدنية، فالقبيلة مازالت تقوم على الحِمَى والحدود المرسومة بين القبائل، واليمن كان لديه فرصة لبناء الدولة في عام 1990م لكن تحكم القبيلة ورجال الدين الذين تعاظم تحكمهم بمرور الوقت أدى الى ضعف هذه الدولة.
إن تاريخ اليمن لم يكن إلا تاريخاً للقبائل ومشائخها وهذا ما يؤكده تاريخ اليمن الحديث والادوار السياسية التي لعبتها القبائل، وأثرت في العملية السياسية ونضجها.
ومن الواضح ان المثقفين والاحزاب اليسارية والقومية قد تحالفت مع مشائخ القبائل ورجال الدين خلال الأزمة السياسية ولم ينفكا بعد من هذا التحالف.. والسؤال الذي يطرح نفسه : في ظل هذه التحالفات، هل نحن أمام الدولة المدنية، أم أمام دولة القبيلة؟!
# ورقة عمل قدمت إلى ندوة منظمات المجتمع المدني عقد مؤتمراً


تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 05:55 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-28978.htm