أحمدالأهدل -
عاد الرئيس السلال من مقر إقامته الجبرية في مصر، ومازال يحدوه الأمل في بناء جيش وطني قوي، وتبعاً لذلك ذهب إلى لملمة أصول الجيش الممزقة،وأعاد تشكيلها من جديد، وبدأ يغرس في الجيش الروح المعنوية العالية، وروح الحماس التي لم تكن مرتفعة، وتقوية ولائه المهزوز الذي أصبح غير مضمون، جراء ماحدث له من هزات مادية ومعنوية، وأرسل وفداً كبيراً إلى موسكو لغرض الحصول على مساعدات عسكرية واقتصادية مباشرة ،وقد وصلت في تلك الفترة بعثة عسكرية سوفييتية إلى اليمن لتقديرالمتطلبات ورسم الخطط العسكرية لتطويرالجيش الجمهوري، إلا أنّ خصومه عاجلوه بالانقلاب في خمسة نوفمبر 1967م الذي غادر فيه الرئيس السلال بلاده ومنصبه دون رجعة، ليصبح كل ذلك ثمن حبه لجيشه الجمهوري، وشعبه ووطنه، واخلاصه لثورة بلاده في تحقيق أهدافها السامية.
لقد كان من أسوأ مساوئ اللجنة العسكرية، سيئة الصيت، في مرحلة السبعينيات أمران لاثالث لهما الأول: عندما قامت اللجنة بإستقطاب أفراد المقاومة الشعبية ممن لهم ولاء مطلق للحركة الإسلامية، وضمهم على وحدة المدرعات ووحدة الشرطة العسكرية، فقد أحدث هذا الأمر اختراقاً صارخاً للجيش اليمني، حيث تمثّل ذلك في تمرّد كتيبتين من المدرعات في أحداث يومي 23/24/أغسطس الدامية، ومازال التمرد فيها جارياً إلى الآن.. أما الشرطة العسكرية، فقد ظلت ناراً على رماد، حتى شاركت في انقلاب 15/أكتوبرالأسود، على الرئيس/ صالح، بقيادة العقيد/محسن فلاح، وقد تكلمنا على هذا الموضوع بكثير من التوضيح، بعنوان الرئيس/صالح حامل لواء المشروع النهضوي التقدمي في مقالات متعددة، على مدار عام 2010م.
أما الأمر الثاني:عندما قامت اللجنة بتعيين المتطرف/ عبدالمجيد الزنداني، رئيساً لمركزالإرشاد الديني العسكري، حيث قام بضرب التعبئة العسكرية، وجمع فيها جميع الأمم والأمة، من العنصرية والطائفية، والمناطقية، والمذهبية، وما إلى ذلك من الأمراض الاجتماعية، لايصح لكل ذي عقل التفكير في إدراجها في تعبئة الجيوش، حيث تسببت في زرع الأحقاد والضغائن في أوساط الجيش اليمني، الذي مازال يعاني من أضرارها إلى اليوم، كما ساهمت تلك التعبئة الحاقدة، على فصل الأركان الرئيسية للجيش، أي فصل القوات المسلحة عن الأمن، بل شطب الأمن من الخارطة اليمنية، حتى عام 1980م عندما أعاده الرئيس صالح.
نعم: لقداستطاع أعداء الجيش، بتلك التعبئة النارية الحاقدة،من تمزيق وحدات الجيش من الداخل، وإضعاف ولائه، وتحطيم معنوياته، وقتل طاقاته وحماسه، وتشجيع أفراده على الفرار الممنهج، وكان الأخوان المسلمون في تلك الفترة يقومون باستقطاب أفراد الفرار من الجيش، ثم يقومون بتعبئتهم وتنظيمهم في صفوف جبهات معادية للجيش، في المناطق الوسطى وجبل راس وريمة وعتمة، وغيرها من المناطق اليمنية، دمرت تلك الجبهات القوات المسلحة والأمن، وأزهقت ميزانية الدولة،في معالجة ومكافحة الإرهاب والتخريب،الذي انعكس بكل سلبياته وأضراره الفادحة على الجيش،وجعلته يعاني من حالات الجمود والركود، بل وحرمته من التدريب والتأهيل، على مدار السنوات العشر الممتدة من عام 1980م.حتى عام 1990م. والقيادة السياسية تمارس حالة من الترقيع الممل، في الولاء والبناء الأولي للجيش، والشيء الذي لم ينتبه له أحد من أبناء الشعب اليمني، هو أنّ تلك الجبهات - الوطنية والقومية - التي كان يصيح منها الأخوان المسلمون،في تلك الفترة، أصبح عناصرها بعدالحوار في تيار الأخوان، فالعناصرالتي حاورها المتمرد/محسن أصبحت اليوم في الفرقة، والعناصرالتي حاورها محمد اسماعيل الحاج، أصبحت في الفرقة، والعناصرالتي حاورها اليدومي، أصبحت في الأمن السياسي،والمؤكد الذي نجزم به هنا هو أنّ عناصر القاعدة بعد الحوار ستصبح في صفوف حزب الاصلاح، وقادم الأيام سيخبرنا بذلك..
الجيش في ظل الوحدة اليمنية:
لقداستطاع الرئيس/علي عبدالله صالح، بتحقيق الوحدة، أن يقفز بالجيش بعد عشر سنوات من الركود والجمود، إلى أعلى درجات التعبئة الاستراتيجية العسكرية العالية، في لحظة واحدة، يعجز الكثير من قادة الجيوش،في الدول النامية،تحقيق ذلك وبتلك الصورة والسرعة، وبالمقابل فإذا كانت البيئة والجغرافيا، تقاتل مع أصحابها فإنّ الجيش اليمني، في ظل الوحدة، أصبح - ليس من أقوى الجيوش فحسب - وإنما من أهم وأخطر الجيوش في العالم، كونه يتموضع خلف بحرين هامين (العربي والأحمر)، وتتجه أو تشرف دفاعاته البرية والبحرية والجوية على أهم مضيق في روابط البحار،وأسباب التجارة العالمية،ويمتلك الكثير من الجزر التي تساعده على الكروالفر،في خوض أي معركة بحرية وأريحية مطلقة، وتكتيكات عسكرية مفتوحة،ويرتزح من الخلف إلى أهم وأخطر مخزون نفطي، في دول الجزيرة والخليج، التي تشكل بحكم الضرورة العسكرية، بالنسبة للجيش اليمني، دفاعات خلفية، للحفاظ على مصالحها الإقليمية والتجارية ولوعرف الشعب اليمني قيمة وعظمة جيش الوحدة اليمنية فلربما وضعوا الرئيس/ صالح في قصرمن زجاج، أونحتوا له تمثالاً يشد الناس إليه رحالهم من كل فج عميق، ولوعرف أبناء الشعب اليمني، قيمة ومكانة جيش الوحدة على المستوى الإقليمي والدولي، لفدوه بأنفسهم وأرواحهم، وحموه بسنانهم وأسنانهم،ولكن بسبب فصل الجيش عن الاعلام، استطاع العدو الداخلي أن ينفذ إلى مبتغاه، ويسعى في تدمير جيش الوحدة بالطرق التي كان يراها مناسبة له في التدمير والتمزيق، نسوق إليك في هذه العجالة أهمها:
1ـ الإيحاء إلى الحزب الاشتراكي وتشكيكه في شريكه السياسي حزب المؤتمر،وبطرق سياسية ساهمت كثيراً في تشكيك الحزب الاشتراكي، ودفعته إلى الرفض القاطع من دمج الجيش،وقطع الطريق على الشريكين، من تشكيل حزب الائتلاف الحاكم، الذي كان قيد التشكيل بين المؤتمروالاشتراكي.
2ـ مظاهرات الفوضى والشغب الدامية في ديسمبر92م.
3ـ مظاهرات الفوضى والشعب،الابتزازية والافتزازية، للحزب الاشتراكي في مسيرات (نعم للدستور).
4ـ استقدام عناصر الجهاد، من افغانستان لتنفيذ الاغتيالات والتفجيرات المفتعلة، بحجة جهاد الاشتراكية في عدن.. كل هذه الأسباب ساعدت كثيراً ،على نزع الثقة في شريكي الوحدة اليمنية،بل وجعلت المؤتمر في موقف حرج، تفقد بسببه الثقة.
أما من الناحية الميدانية، فقد سهل كثيراً لأعداء الجيش والوطن، على اختراق جيش الوحدة الذي كان لم يدمج بعد.وبالتالي حدثت فجوة واسعة على المستوى الميداني والسياسي في أروقة القيادة السياسية اليمنية،بما شجع عناصر الطابور الخامس، بالإقدام على تشجيع علي سالم البيض، على إعلان الحرب أولاً وإعلان الانفصال ثانياً ليتم إعلان دولة مستقلة، تضم المحافظات الجنوبية الست، بالإضافة إلى أربع محافظات شمالية، وهي تعز- وإب - والبيضاء - ومأرب،والتي كان يعمل الحزب الاشتراكي على ترتيب وضعه عسكرياً فيها بحكم عامل التقارب الجغرافي.أما من الناحية العسكرية، فإنّ أول من فجرالحرب هو التمردالعسكري الحاصل في الفرقة الأولى مدرع، بمحافظة عمران،حيث قام أفراد اللواء الأول مدرع بقيادة العقيد/حميدالقشيبي، بعدالانتهاء من قراءة وثيقة العهد والإتفاق، وبطريقة مدروسة مسبقاً بضرب النار على اللواء الثالث مدرع، المتواجد في نفس معسكر الثورة بعمران، وما إن قامت القيادة السياسية بإيقاف الحرب في صباح يوم الخميس،28/4/1994م.. حتى قام اللواء الثاني مدرع فرقة بقيادة صالح الضنين، بإشعال الحرب في أبين، وهذه دلالة واضحة من أنّ عنصر الشر كان يملك قدرة فائقة، في الدعاية والنشاط الاعلامي، والمقدرة العجيبة، في قلب الحقائق، والتشهير بالآخرين، وإشعال الحرائق في كل بقعة،وبأقسى سرعة، ليتمكن من القضاء على المؤتمر،والاشتراكي، أو بالأصح للقضاء على الشعب والجيش والوطن، في معركة خاسرة، بعد أن رمى بذلك كله، في شباك المؤتمر، من خلال اعلامه ومليشياته المؤهلة، والمنتشرة في كل محافظات ومناطق الجمهورية، ولكن ببسالة نادرة وصمود وعزيمة الرجال،استطاع الجيش حسم المعركة والحفاظ على الوحدة اليمنية،في أقل من سبعين يوماً ،وأصدرالرئيس صالح قرارالعفو عن جميع الأسرى المدنيين والعسكريين، بعدأن أفتى الأخوان المسلمون، بجواز إعدام الأسرى، بتهمة الخيانة الوطنية، ومما ساوى حوادث الصدف، أنّ الذي أفتى بالأمس باستباحة أموال وأعراض الجنوب، وأجاز قتل أسراهم، هو نفسه اليوم يقف معهم في خندق واحد ليطالب بتدميرالجيش تحت مسمى الهيكلة الموهوم.
فياموت زر إنّ الحياة ذميمة،
ويانفـــسي جودي ولاتبخلي.
فماكنت أحسب أن يمتد بي عمري
يوماً إلى دولة الأوباش والسفل.