الإثنين, 05-نوفمبر-2012
الميثاق نت -   محمد علي عناش -
كنا في حلقات سابقة قد تطرقنا الى بعض الظواهر والسلوكيات التي كثيراً ما تشيع في مؤتمرات الحوارات الوطنية واصبحت من الظواهر التفاوضية الثابتة والراسخة، من المهم ان نشير اليها على الأقل من باب الاستفادة والتوعية بها، حرصاً منا على توفير الاجواء المناسبة لنجاح مؤتمر الحوار الوطني القادم من خلال تجنب مثل هذه الظواهر والسلوكيات اللاتفاوضية، ومن أجل أن تعي بها لجان المؤتمر وخاصة «لجنة المعايير والانضباط» «دائرة الثقافات السبع» التي كنا قد تناولناها سابقاً، تعتبر من أبرز ملامح ثقافة التسلط والاستبداد التي كثيراً ما تظهر في الحوارات الوطنية، إلاّ أن هناك ملامح أخرى شائعة وفقاً لما توصل اليه الكثير من العلماء الباحثين وعلى رأسهم «جرايس» منها على سبيل المثال ما يلي:
1- التصنيف: وهو حكم متسرع ناتج عن حالة انفعالية تسيطر على طرف تجاه طرف آخر، والتصنيف قد يكون ممنهجاً ومخططاً له، الهدف منه هو الانقضاض على طرف معين، ويسمى «التصنيف المتعسف» وهذا النوع يدخل ضمن نطاق دائرة الثقافات السبع التي تهيمن غالباً في الحوارات، والقائمة على التآمر والتسلط والاقصاء والبحث عن كبش فداء وفرض الأمر الواقع، وقد يكون التصنيف عن وهم وحسن نية، نتيجة لكثرة الشكوك ونقص المعلومات وافتقار للرؤية وعدم ادراك التعقيدات المصاحبة للمواقف أو التي تحيط بمختلف القضايا التي سيتم مناقشتها على طاولة الحوار.. التصنيفان «المتعسف» و«المتسرع» في الحوارات والتفاوضات يقودان في أغلب الحالات الى ما يسميه علماء التفاوض بـ«مراوح الرمال».
2- «مراوح الرمال»: المقصود هنا أن الحوارات تتطور حدتها وتتشعب كثيراً، فتسود فيها لغة التحريض والدوران في حلقة مفرغة، بسبب من الجدل العقيم، حيث يتبادل الأطراف تقديم الحجج والبراهين المتصادمة مع توجهات ومعتقدات كل طرف، وفيها يحاول كل طرف ألا يترك هناك أي مجال لفتح قنوات للحوار الموضوعي من أجل تدارك الأخطاء والاتفاق والقبول بالآخر، وتعبير المراوح هنا، كناية عن الموضوعات التي تتناثر هنا وهناك دون جدوى وبلا فائدة.
3- الغموض: تتجلى جدية جميع الأطراف في انجاح الحوار الوطني في مدى تفاعلهم ووضوحهم في جميع القضايا وفي وضوح مواقفهم، وبالعكس من ذلك، يكون الغموض تعبيراً عن انعدام الجدية في انجاح الحوار، والغموض من الظواهر السلبية الشائعة في التفاوضات والحوارات، ويوظف كثيراً لممارسة التهديد والاستهداف والمساومة، وتنفيذاً لأهداف وأجندات خاصة يسعى البعض الى تحقيقها.
الغموض يأخذ أشكالاً متعددة، كالغموض في المواقف، في الأوقات الحرجة التي تتطلب الوضوح والشفافية والغموض في الخطاب والنقاش وخاصة من قبل النخبة، والذي قد يكون خطاباً متعالياً وغير مفهوم، لذا فمفعوله ينتهي بانتهاء مؤتمر الحوار، بالاضافة الى الغموض في مخرجات الحوار من بنود وقرارات، والتي قد تُحمل بأكثر من وجه، وتفسر بأكثر من تفسير.
4- عقلية التوصيات: توصل الكثير من الباحثين في علم التفاوض من خلال تحليلاتهم وقراءاتهم للكثير من ملفات مؤتمرات الحوارات الوطنية وخاصة في المنطقة العربية، الى ظاهرة شائعة بشكل كبير، وهي سيطرة عقلية التوصيات في هذه المؤتمرات، حيث إنه من الملاحظ في هذه التوصيات أنها لا تبنى على تحليل دقيق وعلمي للواقع، كما يغلب عليها الطابع العمومي التي لا تقدم رؤية متكاملة الجوانب، مما يؤثر سلباً على طريقة تناول القضايا والمشاكل بشكل عميق وراقٍ لاستخلاص الحلول والمعالجات والقرارات السليمة، واحداث التحولات الشاملة في المجتمع.
من هنا يرى الباحثون أن مؤتمرات الحوار التي تشيع فيها عقلية التوصيات، مؤتمرات فاشلة ترسخ نمطاً سلبياً من الحوارات عديمة الجدوى والفائدة، كون هذه التوصيات التي يغلب عليها الطابع العمومي، تظل حبيسة «إن وأخواتها» بينما من المفترض والواجب في مثل هذه الحوارات هو الانتقال الى «كيف وأخواتها» وهذا الأمر لا يمكن أن يحدث إلاّ من خلال استنتاجات ودراسة دقيقة للواقع وتقديم رؤى وتصورات متكاملة الجوانب وبشكل دقيق ومفصل لا بشكل عام.
فمثلاً عندما نقول إن المؤتمر يوصي الحكومة أن تتحمل مسئوليتها الوطنية في القضاء على الفساد والمحسوبية، وأن المؤتمر يؤكد على احترام الحقوق والحريات وترسيخ النهج الديمقراطي، وأن المؤتمر يوصي بأن تكثف الجهود لبناء الدولة المدنية الحديثة والقضاء على الأمية وتحقيق التنمية الشاملة.. الخ.
هذا شكل من أشكال سيطرة عقلية التوصيات عديمة الفائدة، كون هذه النقاط التي تمخض عنها المؤتمر نقاطاً عامة وخطاباً انشائياً لم يأتِ بشيء جديد، فكثيراً ما نسمعه ونقرأه بشكل يومي في الصحف والاذاعات والقنوات، لأن المطلوب من مثل هذه المؤتمرات هو قرارات حكيمة ومتوازنة وخطوات اجرائية تنفيذية دقيقة، بعد تحليل عميق وعلمي للواقع واشكالياته.
قد يرى البعض فيما نطرحه استباقاً للأحداث وأنه بعيداً عن موضوعات مؤتمر الحوار، أو أنه مجرد استعراض لغوي عندما نورد مثل هذه الملامح والظواهر، لذا فما نود أن نوضحه أننا الى الآن نتكلم عن معايير وضوابط وملامح حوارية وتفاوضية، لم تُبنَ وتستخلص من الأوهام والخيالات، وانما من خلال قرارات واستنتاجات واقعية من ملفات حوارية كثيرة، قام بها علماء وباحثون كبار، ومن المهم أن نشير اليها وأن ننبه لها، حتى تسير أعمال المؤتمر في ظل أجواء مناسبة ويحقق غاياته وأهدافه المرجوة.
لذا فإنه يصبح من الحكمة ودواعي الضرورة الوطنية في مؤتمر الحوار الوطني القادم، التنبه لمثل هذه الظواهر والابتعاد عن الشخصنة للقضايا وحصرها في زوايا ضيقة، وكذا التصنيف والدوران في حلقة مفرغة وتجنب الايغال في محاكمة اللحظة بأثر رجعي متطرف وثأري أو السماح لبعض الاطراف أن تنحرف بالحوار الى قضايا هامشية وصراعية.

تشكيل حكومة كفاءة ونزاهة
من المعول عليه أن أعمال مؤتمر الحوار الوطني ستثمر عن قرارات وبرامج اصلاحات هيكلية مهمة وجذرية في جميع الجوانب والاتجاهات التنموية، هذه القرارات التي سوف تصبح ملزمة للجميع وواجبة التنفيذ من قبل الحكومة وجميع الكيانات السياسية والشعبية والمدنية وهو ما يستوجب من الحكومة ضرورة الوعي بها وبأبعادها الوطنية، والتقيد بإجراءاتها وآلياتها التنفيذية، كما تتطلب من الحكومة تفاعلاً وأداء يرتقي الى مستوى وحجم هذه القرارات والبرامج ومضامينها المرحلية المستقبلية، الأمر قد يستدعي تشكيل حكومة كفاءة ونزاهة، في حال الاخلال بهذه القرارات والتوجهات أو عرقلة تنفيذها، ومن وجهة نظري أن الحكومة الحالية بوضعها ومستوى أدائها الراهن، لا أعتقد أنها ستكون عند مستوى الحدث وعند مستوى تحمل المسئولية الوطنية التي ستفرضها قرارات وبرامج مؤتمر الحوار الوطني، نظراً لسلبياتها الكثيرة، وحجم التجاوزات والمخالفات التي ترتكبها، بالاضافة الى عدم حياديتها، وتوجهاتها الحزبية والاقصائية وتبعيتها لمراكز القوى والنفوذ، لذا فتشكيل حكومة كفاءة ونزاهة سيصبح أمراً حتمياً وضرورياً من أجل أن تصب قرارات مؤتمر الحوار الوطني في محتوى مؤسسي فاعل ومتناغم وقادر على التنفيذ وابتكار الآليات والادوات المناسبة، بعيداً عن التوجهات الحزبية والفئوية والمناطقية.

لا للتجنيد الحزبي
من أجل وطن آمن ومستقر، ومن أجل حوار وطني جاد ومسئول، ومن أجل مؤسسة عسكرية وأمنية تتبع الوطن والشعب وتحمي المنجزات الوطنية.. لا مؤسسة تابعة للأحزاب ومراكز القوى، ندعو كل القوى الوطنية وكل الاقلام الشريفة والحرة، الى تكثيف نشاطها السياسي والاعلامي وبمختلف الطرق السلمية التي يكفلها الدستور والقانون، الى تبني حملة وطنية مناهضة تحت شعار «لا للتجنيد الحزبي والعبث بالمؤسسة العسكرية والأمنية» لإلغاء كل الحالات التي تم تجنيدها خلال الأزمة على أساس حزبي وبالتحديد لصالح حزب الاصلاح، والإيقاف الفوري لهذا التوجه، وتحميل رئيس الحكومة محمد سالم باسندوة ووزير الداخلية ووزير الدفاع واللجنة العسكرية، المسئولية الكاملة، عما قد يترتب على هذا الأمر من نتائج كارثية ومن زعزعة للأمن والاستقرار ومن انتهاك للحقوق والحريات، كون هؤلاء هم الآمرون والمنفذون والمقربون لهذا الأمر الذي يحدث ويتم خارج اطار النظام والقانون والدستور وبعيداً عن السياسة الوطنية «الأمنية والدفاعية» وتجاوزاً لحالة الوفاق الوطني وبنود المبادرة الخليجية.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 06:15 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-28985.htm