احمد مهدي سالم -
< كلما يستحضر ذهني مفردة نظرة، وأكتبها على الورق.. على الفور أتذكر محمد سعد عبدالله ورائعته:
نظرة من عيونك السود يا مكحّل في حيره رمتني وابوي أيش با أفعل
لكن مقام نظرة في هذه التناولة ليس عاطفياً وإنّما المقصود بها المفتتحُ.. إن نظرةً بسيطة الى تجليات المشهد السياسي العربي الراهن بعد عواصفه.. تبين لك أن هناك تقارباً كبيراً، وتشابهاً واضحاً بين اليمن ولبنان في كثير أو معظم المظاهر.. قد يستغرب البعض، وأقول له: هوّن عليك.. لا تستعجل..
تابع السطور القادمة.. ثم احكم..أحدد أشكال أو مظاهر التشابه بنقاط أفضل بعيداً عن السرد الانشائي الممل أحياناً:
1- اليمن ولبنان.. بلدان منتهكان في سيادتهما، وكلٍّ منهما قراره.. في أيدي غيره.
2- مجتمع كليهما.. مقسّمٌ الى طوائف ومذاهب - في لبنان أكثر- وصراعات قبلية، ومناطقية وجهوية وحزبية ومدنية، وفئوية متناحرة، ما سمح للأيادي الخارجية بالتدخل وفرض هيمنتها القوية المغلفة بغلالة شفافة من النعومة .. أي غير المرئية للملأ.
3- كلا البلدين.. يعيش على المساعدات والقروض، وتعاون بعض الاشقاء والاصدقاء المشروط بحجم ومساحة السماح الانتهاكي.
4- الدول الكبرى والمتوسطة حتى الصغرى.. استحدثت لها في البلدين هيئاتٍ وأحزاباً ومليشيات، ومصالح استثمارية كيافطات ديكورية لشبكات تجسسية، أو مجاميع قبلية، وتكتلات ثقافية، وإعلامية تنفذ أجندتها مستغلةً هامش حرية التعبير، وسياسة الإفقار والتنفير.
5- حكومتا البلدين أكثر ليناً وضعفاً مثل العجينة أمام اشتراطات الدول المانحة وصانعة القرارات المصيرية.
6- في كل منهما.. مليشيات مسلحة لا تخضع لقوانين الدولة، وتستطيع أن تفعل ما تشاء.. متى تشاء، في لبنان حزب الله، وحركة أمل، والهيئات والعناصر المناصرة لسوريا.. وفي اليمن الحوثيون والمليشيات القبلية والاخوانية والحراكية.
7- المجتمع الدولي وبالذات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا يهتم بهما كثيراً.. مدلّعينهم شوية..
8- في البلدين.. تحصل اغتيالات باستمرار للعديد من القيادات الامنية والعسكرية والعقول المدنية، ومعظمها تحمل بصمات خارجية التخطيط والتمويل .. محلية التنفيذ.
9- في كلا البلدين يحبون الشعر حباً جمّاً ويؤلفون ويطبعون وينشرون مع ملاحظة أن اليمن أهله شعراء، ومنه شعراء مجيدون وأكثرهم لا يجدون فرص الطباعة والنشر، قياساً باللبنانيين الذين تكاد تكون في كل بيت مثقف منهم مطبعة، ولبنان هو الذي علّم العرب بمقذوفات مطابعه.. ونذكّر بالمقولة الشهيرة: «مصر تؤلف، ولبنان تطبع، والعراق تقرأ».
10- كلاهما يحب الهجرات حيث يبني الفرد نفسه ومستقبله في بلدان الاغتراب، غير أن هجرة اللبنانيين- غالبيتهم= هجرة ثقافية وكثير منهم ذو مؤهلات علمية ومهنية وهندسية.. ومعظم هجرات اليمنيين الى بلدان الخليج، فيما مهاجرو لبنان يتجاوزون دول الجوار الى دول امريكا وكندا ودول أوروبا، وأقلية .. استثماراتهم في أفريقيا.
11- البلدان لديهما.. طبيعة جميلة ساحرة.. يشغف بها السياح، لكن لبنان الدولة استطاعت أن تخلق صناعة سياحية متطورة مع تسهيلات لاستثماراتٍ قوية وفاعلة عززت بُنية الاقتصاد، أما في اليمن.. سوء ترويج للمنتج السياحي وتعويد الخليجي على تعاطي القات، وفي الفترة الاخيرة نجحت اليمن في سرقة السياح الخليجيين من لبنان وسوريا الى حد ما، وهي سرقة مشروعة ومقبولة.
12- على ذكر الشعر، في لبنان كثير من الشعراء واشتهر أكثر بشارة الخوري الذي حلّق في سماء الشعر العربي بعد أحمد شوقي حتى بُـويع بإمارة الشعر في بداية الستينيات، أما اليمن فأمير الشعر فيها وأمير الشعر العربي الأشهر.. امرؤ القيس الذي قال عنه بعض النقاد: إنه أول من وقف واستوقف وبكى واستبكى، وأحدث تأثيراً كبيراً وعميقاً على الشعر العربي في كل مراحله وعصوره.. أما الشاعر اللبناني الرائع بشارة الخوري الملقب بالاخطل الصغير .. كان تأثيره محدوداً وليس غرورياً أو عجباً أن نفخر على لبنان شعرياً بالمبدعين العظيمين: د/ عبدالعزيز المقالح والروائي عبدالله البردوني اللذين لم ينجب لبنان ولا بلاد الشام مثلهما.
13- وهناك جامع مشترك طريف.. كل بلدٍ منهما يعاني من تدخلات الاخت أو الشقيقة الكبرى مع الاعتراف أن الاخت، في كثير من الاحيان، تدعم جارها.. أي هناك تداخل روحي، ثقافي، سياسي، ديني، الخ.. عناق حتى الخناق على حد قول بعضهم.
14- أما عن الجمال فحدّث ولا حرج.. هناك جمال وجنات حمراء بلون الورد، وهنا وجناتٌ منوخةٌ بالأوراق الخضراء.. الأول منظر مبهج، والثاني مظهرٌ منفر، ونذكر أن الشاعر والدكتور اللبناني خريستو نجم هو صاحب البيتين الشهيرين:
خلقت الجمال لنا فتنة
وقلت لنا: يا عباد اتقون
وأنت جميل تحب الجمال
فكيف عبادك لا يعشقون؟
15- ..في الموسيقى عندهم الدبكة، وعندنا.. البرع.. ورأيي أنّ دبكتهم أفضل من برعنا.
16- يعانون من تدخل وتعطيل الجماعات الخارجة لمدنية الدولة الحرية .. للحوار مثلما عندنا تعطيلات مستمرة وتأجيلات متواصلة للحوار الذي صار أشبه بالحوار الجامع المشترك هو الإبداع في العطال مع تجهيز عشر قواطر مبررات التي تقنع الإمعات.
17- لبنان عددٌ من رؤسائه وزعمائه.. اغتيلوا، وفي بلادنا.. بعض الرؤساء والزعامات اغتيلوا أو قُتلوا، أما الاغتيالات بالسيارات المفخخة الانتحارية فتكاد تكون حصراً على لبنان واليمن.. ماركة مسجلة للبلدين.. قد تكون حصلت بعض حوادث في دول أخرى.. لكن لا تقارن أبداً بثقافة التفخيخ برأسيها اللبناني واليمني.
18- عندنا قات، وعندهم مخدرات.. عندنا حوثي وعندهم حزب الله.. على حدودنا يحوم الخطر المميت وأيضاً هم في قلب الخطر، مافيش حد أحسن من حد.
لقطات:
< كلا البلدين خاضا حروباً بالإنابة، ومهيئان لجولات أخرى.
< لبنان اعتمد سياسة ضبط النفس على المستوى الرسمي، ونحن اعتمدنا سياسة إزهاق النفس مع إحداث لبس.. فلا يُـعرف الفاعل.. ضد مجهول..
< بلاد شجرة الأرز يدار بثلاثة رؤوسٍ: مسيحية، أومارونية الرئاسة، وسنية الوزارة «المجلس»، وشيعية البرلمان.. وفي بلاد القات أفرز الإعصار الربيعي ثلاثة رؤوسٍ أو قوة ثلاثية الأبعاد: القاعدة، الحوثي، والحراك.
< من مظاهر المختلف.. أن خصوصية النسيج اللبناني بيئة طاردة للأسلحة أو الأخونة، وبلادنا بيئة حاضنة ومربية ومغذي ولذيذ.. صافي ومفيد.. الهناء.. مافيش.. الشقاء موجود.
قبيل الختام:
< نشير الى فائدةٍ لغوية ومعلوماتية .. هي التفريق بين الأرز «بفتح الهمزة وسكون الراء»، والأرز «بضم الهمزة وسكون الراء»، فالأولى :«شجر عظيم صلب تُصنع منه السفن، وأشهر أنواعه أرز لبنان وهو شعار له.. والثانية: نبات حوليٌ لا غِنَى له عن الماء.. يُطبخ ويؤكل في كثير من أنحاء العالم».
«المعجم الوجيز، ص12».
آخر الكلام:
أبا المسكِ أرجو منك نصراً على العِـدا
وآملُ عِزّاً يخضبُ البِـيض بالدم
ويوماً يغيظ الحاسدين وحالةً
أقيمُ الشقا فيها مقام التنعُّمِ
< البِـيض: السيوف.
المتنبي في مديحه كافور مصر