الإثنين, 12-نوفمبر-2012
الميثاق نت -   محمد علي عناش -
< الكثير من الدول والمنظمات التي أيدت وساندت المعارضة السورية في الداخل والخارج، ودعمت بقوة ما يسمى الجيش الحر، باتت تشعر اليوم بالخجل وهي تتناول الأحداث المؤسفة في سوريا، فلم يعد في مقدورها أن تكذب كثيراً وأن تزيف حقائق ما يحدث من جرائم وحشية وهمجية ترتكبها فصائل وكتائب ما يسمى الجيش السوري الحر، فعلى استحياء وشعور فاضح بممارسة النفاق، مازالت تتكلم عن ثورة في سوريا وكأنها تتكلم عن فضيحة وسقوط أخلاقي وإفلاس قيمي في المواقف، لإدراكها أن الثورة التي يقوم بها مرتزقة وارهابيون ومحترفو الجريمة باسم الدين والطائفة، من ذوي الضمائر الصدئة والعقول الموغلة في التخلف، لا يمكن أن تكون ثورة وانما سلوك فوضوي مشين.
نعم، لم يعد بمقدورهم أن يكذبوا كثيراً، فقد باتوا يشعرون أنهم استنفدوا كل ما في جعبهم من كذب ومن تضليل عن هذه الثورة/ اللعنة، التي لم يستثنِ قبحها وبشاعتها أحداً حتى الفنان محمد رافع..
باستثناء قطر وتركيا وأذنابهم في المنطقة، فمازالوا يتفنون في احتراف الجريمة والخداع، يثورون في سوريا واليمن، لكن على كل شيء جميل حتى على الاخلاق والقيم والضمائر الحية، مازالوا يعشقون الفوضى والدمار، وتستهويهم مناظر الدماء والجثث بشكل يومي على الطرقات وفي الحارات والأزقة، مازالوا يبحثون في كل مكان عن مزيد من المرتزقة وقطاع الطرق كي يلبسوهم عباءة التوحيد والجهاد، ثم يرسلوهم الى سوريا لكي يمارسوا الكفر قتلاً واغتيالاً وامتهاناً للكرامة واستباحة للأعراض، مازالوا يعلّبون الجريمة ويصدرونها الى كل بلد عربي، وابتكروا في ذلك كل ما تجود به قرائحهم وضمائرهم الميتة، حتى البسكويت كاتم الصوت، لم يستثنوه، فقد خصوا به اليمنيين لقتلهم دون ضجيج..
المتشابهون الثوريون في كل مكان عربي، يشربون على هذا الايقاع المسخ والعقيم، نخب الفوضى والجريمة الثورية كلاً بطريقته، فكما ينتشي ويتلذذ حاكم قطر حمد بن خليفة عندما يقايض النفط بالدماء والجثث والدمار، يفعل أيضاً يوسف القرضاوي وجحافله المجاهدون، كمسطولين يمارسون قتل وذبح الابرياء تقرباً الى الله زلفى!!
هو الآخر برهان غليون كمفكر تقدمي يساهم في صناعة اللحظة بهذا الشكل، فمايزال منتشياً في شارع الشانزليزيه بباريس، يسهب في الكلام لجموع المحبطين والمأزومين، عن الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، وعن سوريا المستقبل التي لا يعلم بعد أنها صارت تحت الأنقاض، لأنه لم يفق بعد من نشوته وغيبوبته التي جعلته يتساوى مع تتار العصر عندما يخاصمون بهذا الشكل، وبقدر ما ينتشي غليون أكثر ويتكلم أكثر تتدفق عليه من كل مكان الدولارات والحوالات أكثر.. «الفضائية اليمنية» عندما صارت نسخة مكرورة من «سهيل» صارت تنتشي بطريقتها وتتشابه بطريقتها، في غض الطرف وقلب الحقائق، وبشكل لا يشعرك بأنك أمام قناة رسمية ولسان حال الدولة وحكومة الوفاق، وانما لسان حال آخر.. ففي الشأن السوري مثلاً ترفع من شأن المرتزقة وتتار العصر كأحرار ومجاهدين وثوريين، ويضعون دائماً النظام والجيش السوري الوطني والقومي في دائرة الاتهام والادانة، لأنه يدافع عن السوريين وكرامتهم ويدافع عن الدولة والنظام العام في سوريا كي لا يسقط بيد هؤلاء التتار الجدد الذين يعيشون العصر بذاكرة أجدادهم ويجترون بطولاتهم في تدمير بغداد واحراقها وتدمير مكتبتها العظيمة تحت حوافر خيولهم.
«الفضائية اليمنية» تتشابه بطريقتها عندما تتناول الوقائع والأحداث بالمقلوب حتى في قضية صفقة المسدسات كاتمة الصوت التي تم ضبطها في ميناء عدن، لم تهتم كثيراً بتوجيهات رئيس الجمهورية بالتحقيق في الموضوع وكشف الجناة ومن يقف وراءهم، وتفعيل هذه القضية اعلامياً الى أعلى درجة ممكنة، كونها قضية وطنية تتعلق بأمن واستقرار وسيادة البلد، وانما اهتمت كثيراً بتصريحات المسئول التركي الذي سارع الى نفي أن تكون الصفقة قادمة من تركيا، وتتبنى مواقف وتصريحات الأطراف التي تريد أن تتلاعب بمجريات التحقيق في هذه القضية الخطيرة كي تُقيَّد في النهاية ضد مجهول.
ماتزال الثورة قائمة، وفي المقابل ماتزال الجريمة قائمة، لكن ضمن سيناريو واحد وأدوات واحدة وقوى متعددة واحدة.. سنتان من هوس الربيع وجنون الاحلام والتطلعات، ومن انفلات عقال الوعي والغريزة، سنتان من حكاية الثورة التي صارت أحداثها أشبه بحفلة تنكرية مازالت مستمرة حتى الآن، أو أشبه برواية «ثرثرة فوق النيل» للروائي الكبير نجيب محفوظ، لكن بمزاج جماعي كبير بوسع الساحات وتعدد العوامات بتعدد الخيام.
الذي حدث ومايزال يحدث حالة غير طبيعية، هي أقرب ما تكون الى الانفجار الاجتماعي متعدد الدوافع والغرائز، لم يجابه بقوى عربية تاريخية، للملمته واعادة صياغته واخراجه بشكل منطقي والدفع به في مسار التغيير السليم والممكن، وانما تم احتواؤه من قبل القوى المعيقة للتغيير والمعادية للعصر والرافضة للدولة المدنية، باعتبارها دولة المؤسسات والمواطنة المتساوية والحقوق المصانة والمكفولة، وباعتبارها دولة المجتمع والعقل والاختيار والإرادة البشرية، لذا لم يوقظوا فينا روح المدنية وثورة السلام وروح التصالح والوفاق، وانما أيقظوا روح العصبية وغريزة التسلط والتناحر والتشظي.
دستور ع ائلي
تُرى بعد الذي حصل هل أدرك البعض شيئاً عن أخلاق الثورة والتغيير ومنطقية الفعل الثوري؟ هل أدركوا أن الحرية تسقط قيمتها وأخلاقها عندما تمارس أو تُنتزع عبر اسقاط الدولة؟ هل أدركوا أن اسقاط الدولة، لن يصنع ثورة مستقبلية؟ وانما ثورة ارتدادية ستعيدنا الى زمن ما قبل الدولة، زمن الغزو والكر والفر والبحث عن لحظة أمان واستقرار؟ والسبب في ذلك أن الفعل الثوري لم يتكئ على ارادة صادقة في التغيير، وانما كانت هناك ارادة سطو واستحواذ ووعي عميق بالفيد والغنيمة.
هل أدركوا أن بإمكاننا أن نتغير وأن نحرك العجلة الى الأمام، عندما تتملكنا ارادة الحوار الجاد والتصالح والوفاق، وارادة الاصلاح الشامل، بمزيد من بناء الدولة، وحسن الاختيار لقوى التغيير وأدوات التغيير وعلاقات التغيير، هذه هي المعادلة المفقودة في هذا الجنوح العربي.. منذ البداية كنا ندرك جيداً هذه المسألة، لذا أدركنا أن الأمير القطري الذي يحكم رعاياه بدستور عائلي في غاية الامتهان والمصادرة لحقوق وحريات المحكومين، المادة الأولى منه تحصر الحكم في أسرة هذا الأمير وينتقل الى الأبناء عبر من يضع ثقته فيه الأمير، لا يمكن أن ينشد الحرية والديمقراطية والدولة المدنية للآخرين وأن يكون صادقاً ومخلصاً لتطلعات الشعوب في الحرية والتغيير السلمي..
وهذا بالفعل ما حدث ومايزال يحدث، لأنه مايزال ايضاً، الإصرار القطري والتركي قائماً وفاعلاً على اكمال المشوار والعبث ببنية ووحدة الشعوب العربية وبمؤسساتها وانجازاتها التاريخية.. الأحداث في المنطقة العربية أسقطت بالفعل أنظمة، لكنها لم تقم ديمقراطية ولا حرية ولا سلماً اجتماعياً ولا مواطنة متساوية، ولا تنبئ أنها سوف تحقق ذلك، غير أنها حتى اللحظة تشير الى أكثر من مائة وعشرين ألف قتيل، وضعف هؤلاء جرحى ومعاقون.
أحداث الجنوح العربي، طالت بعبثها كل ما هو ايجابي، وبعثت ما هو سلبي وكارثي، كالطائفية والمذهبية والتطرف وكل العصبيات التي تحتكم الى منطق القوة ولغة السلاح وغريزة الاستحواذ والتسلط، حتى الآثار والموروث الحضاري التاريخي لم يسلم من العبث والتدمير.
اليمن كانت أوفر حظاً، كون الأحداث فيها لم تتمكن أن تجرها الى استنساخ النموذج الليبي أو السوري، رغم كل المحاولات العنيفة وضخامة التمويل وتوافر كل المقومات للدفع بها في النهاية الى خيار الفوضى الشاملة، إلاّ أن الأمر هذا لم يحدث.
يسلتزم منا الأمر أن نبحث في هذه المسألة، كي نكتسشف القوة التي حالت دون حدوث ذلك، وحاصرت مشروع الفوضى الشاملة من جميع الجوانب، نحن لا نشير بالضرورة الى اشخاص بالرغم من أن الأمر يفترض ذلك، وانما يهمنا أن نشير الى أن ارادة التغيير صارت هي القاسم المشترك لدى جميع القوى الوطنية الفاعلة والمخلصة.
أما من يحاول أن يلجأ الى تصنيف اللحظة وأن يجتر الماضي ويسد المنافذ والقنوات، لا يريد لإرادة التغيير أن تمضي في مسارها السليم.
اللحظة تتطلب من الجميع التطهر والتعاطي معها بذهنية جديدة ممتلئة بالتفاؤل والنظر الى المستقبل.. اللحظة تتطلب كتلة تاريخية تستوعب الأمر جيداً وأنا متأكد أن اليمنيين سوف يخرجون من وسط هذه المنظومة من التناقضات والمراوحات والعدمية، بنموذج راقٍ وبمشروع نهضوي كبير..


تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 10:46 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-29072.htm