الإثنين, 26-نوفمبر-2012
الميثاق نت -    محمد علي عناش -

< تكلمنا في الحلقة السابقة عن هذا الموضوع، لأن محور بناء الدولة يعتبر من أهم محاور موضوعات مؤتمر الحوار الوطني لكنه المدخل الرئيسي لاجل حوار وطني جاد ومسؤول ولأنه المقدمة الحقيقية والمنطقية لتحقيق نتائج وغايات مرجوة والاساس الذي يتم البناء عليه في جميع الجوانب والاتجاهات بشكل سليم ومترابط..
من هنا وحتى لانوضع العربة قبل الحصان نؤكد مرة اخرى ان الأولوية لمحور بناء الدولة، كون الأمر يتعلق بتحديد شكل الدولة وهوية النظام السياسي لليمن الجديد كما أن بناء الدولة وترسيخ هيبة النظام والقانون يعتبران من أهم حلقات وتوجهات التصحيح والإصلاح الشامل والجذري في البلاد.

ونحن عندما نؤكد على أولوية محور بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني، بناءً على ما ذكر من مبررات منطقية، فإننا ننطلق في ذلك من أهمية الدولة ومؤسسه، ومن أسباب ودواع جوهرية أهمها ما يلي:
1- كون الدولة هي الإطار والمحتوى الجامع والمنظم للجهد والفكر والغايات والعلاقات المرتبطة بحياة الإنسان وحريته وحقوقه واستقراره وتقدمه.
2- تهيئة الأرضية الوطنيةخ المشتركة التي تتحرك عليها وتتفاعل فيها جميع القوى والكيانات السياسية والاجتماعية والمدنية، بهوية وطنية جامعة، لا هوية القبيلة والطائفية والمذهب والمنطقة، كي يتحقق بشكل كبير مبدأ الشراكة الوطنية والتعايش السلمي في مجتمعنا اليمني المتعدد قبلياً وسياسياً وطائفياً.
3- إن حجم وطبيعة المشاكل والقضايا المعقدة والمتشابكة في بلادنا، لن تحل من ذات نفسها، أو مرهونة بتوجهات طرف دون طرف، وإنما تحتاج إلى دولة وطنية مؤسسية لا دولة مختلة أو شكلية..
4- إن مسألة بناء المجتمع المدني والانتقال نحو الديمقراطية السلمية وتحقيق التحولات التنموية الشاملة، تحتاج بالضرورة إلى دولة وطنية ديمقراطية، تحترم القانون والدستور، ومتغلغلة وظيفياً ومؤسسياً وأمنياً في جميع المناطق بشكل عادل ودستوري.
إذاً فالدولة التي نتكلم عنها أبداً لن تكون إلاّ دولة المؤسسات والنظام والقانون والمواطنة المتساوية، التي تحميها مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية حديثة، لا دولة الافراد والجماعات، والكيانات العصبوية والماضوية والجهاز العسكري والأمني الحزبي والفوضوي والتقليدي..
لأن الدولة الديمقراطية القائمة على المؤسسات والنظام القانون، تجعل المجتمع ينمو ويتطور بشكل أفقي انطلاقاً من القواسم المشتركة (الوطنية والاجتماعية) والغايات والقضايا التي تهم جميع أفراد المجتمع، أما دولة الأفراد والجماعات القائمة على الفوضى والمحسوبية والتوجهات الضيقة، فإنها تجعل المجتمع ينمو من ذات نفسه بشكل عمودي، أي بشكل كيانات عصبوية قبلياً وعشائرياً إلى آخر الهويات المتناحرة والمتصارعة، حتى البناء الديمقراطي والممارسة السياسية والحزبية في ظل دولة الأفراد ومراكز القوى والنفوذ، سيكون على هذا الأساس العصبوي والمتشظي، وبحسب المفكر المغربي محمد عابد الجابري، أنه من فظائع ومفارقات هذا الشكل من البناء الاجتماعي، أن الفقراء والطبقات المسحوقة يتجاوزون التطلعات المشتركة والقضايا الاجتماعية التي من المفترض أن تجمعهم وتوحدهم كطبقة، إلى الاحتشاد والاصفاف خلف الكيانات العصبوية ومن ثم متصارعون ويتناحرون على هذا الأساس، فنجد الفقير يواجه الفقير من الناحية الأخرى، والمهمش يواجه المهمش والعاطل عن العمل يواجه العاطل عن العمل وهكذا..
صحيح أنه في مجتمعنا اليمني تتفاوت الثقافة السياسية والمؤسسية من منطقة إلى منطقة، لكننا وبشكل عام مازلنا مجتمعاً تقليدياً تلعب القبيلة والعشيرة الدور الرئىسي والمحوري في علاقاتنا، كما أن الثقافة التقليدية سواءً الاجتماعية أو الدينية المتعارضة مع الديمقراطية ومع التوجه المدني والحداثي، هي النمط الثقافي السائد في جميع مناطق اليمن دون استثناء وبالتالي فإن المشاريع الصغيرة التي تحاول أن تتمايز أو تنفصل، هي نوع من المراهقة السياسية المحملة بنزعة وذهنية عصبوية، هي في حد ذاتها تخفي بداخلها الكثير من عوامل الفشل والفناء..
من هنا فالذي يدعونا أن نتمسك بأولوية وحتمية بناء الدولة، هو ظاهرة هذا العقل والوعي المتشظي وأيضاً ما لاحظناه أثناء احداث 2011 و2012م من تناقضات وتباينات عميقة، ومن تدني الثقافة السياسية لدى الكثيرين من الذين رفعوا شعار الديمقراطية والدولة المدنية، بعيداً عن كل السياقات والشروط الاجتماعية والمؤسسية، وبعيداً عن مسألة بناء الدولة وحتميتها الراهنة، فالديمقراطية لن تبقى هي القضية الرئيسية في ظل غياب الدولة أو في ظل دولة هشة ومختلة، لأنه من حيث الأساس لن تكون هناك ديمقراطية وإنما شكل ديمقراطي مشوه يدمر ويعبث في بنية المجتمع أكثر من أن يبني أو يحشد الطاقات، لذا ستصبح قضية بناء الدولة هي القضية الجوهرية والرئيسية..
ما نود أن نشير إليه إلى أن عملية بناء الدولة ليست عملية آنية سوف تتحقق بمجرد أن يتفق اطراف الحوار الوطني، أو بمجرد تنفيذ بعض الإصلاحات، وإنما هي عملية تراكمية، وفقاً لما يتحقق من انجازات تنموية مادية وبشرية، ومن إصلاحات هيكلية شاملة، لأن عملية بناء الدولة في مجتمع اليمني ليست بسيطة بل معقدة، وستواجهها الكثير من العوائق والتحديات التي يمكن أن نحصرها بشكل رئىسي في مايلي:
1- القوى التقليدية والمتطرفة في الكيان الاجتاعي اليمني، هذا الكيان الذي يشكل تحدياً كبيراً أمام عملية بناء دولة النظام و القانون، لأن فكرة الدولة والنظام والقانون ستواجه بحالة رفض وممانعة داخل هذه البنية التقليدية التي ينتمي إليها الفرد أكثر من انتمائه للدولة وخاصة في محافظات شمال الشمال، والشمال شرق، يستوجب التعاطي مع هذا الاشكال من خلال الحضور المؤسسي والوظيفي للدولة، وبأدوات بنائية وتنموية بما يكفل احداث التحول التدريجي في هذه المناطق.
2- ضعف وتخلف الجهاز الإداري للدولة وما يتفشى فيه من ممارسات سلبية، الأمر الذي سيجعل عملية بناء الدولة لن تستقيم أو تحقق غاياتها المرجوة، إلاّ بتوير وتحديث الجهاز الإداري وتطبيق النظام والقانون وتفعيل الجانب الرقابي.
من وجهة نظري ان هذان العائقان من أهم العوائق التي ستواجه عملية بناء الدولة، ومنهما تتفرخ وتتناسل الكثير من العوائق والإشكاليات.
اتجاهات بناء الدولة
مما سبق ذكره تتجلى بوضوح أسس واتجاهات بناء الدولة الديمقراطية الحديثة في اليمن، والتي لن تتحقق في مداها الزمني إلاّ بتنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية التي سوف تطال البنية الشاملة ضمن استراتيجيات التقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي..
أولاً: الإصلاحات السياسية: تعتبر الإصلاحات السياسية هي المدخل الرئيسي في اتجاه بناء الدولة الديمقراطية الحديثة كهدف محوري وجوهري، ومضمون هذا الهدف الجوهري الذي يحتم الإصلاحات السياسية، هو نقل السلطة من يد الأفراد والجماعات ومراكز القوى والنفوذ، إلى يد الشعب بمختلف شرائحه وفئاته، والذي سوف يمارسها بشكل مباشر عبر الانتخابات الحرة والنزيهة وعبر الرقابة الشعبية على أداء الأجهزة والمؤسسات وعبر الاستفتاء وحق التظاهر والاحتجاج السلمي، كما يمارسها بشكل غير مباشر عبر ممثليه في مجلس النواب والشورى والمجالس المحلية وعبر حكومة الأغلبية.
مثل هذا الكلام قد نجده منصوص عليه في دستور الجمهورية اليمنية، لكن كمواد شبه جامدة، أو مواد غير مفعلة إلاّ في حدود سقف محدد أو مجال ضيق لا يمكن تجاوزه، وبالتالي لا تحقق في النهاية سلطة الشعب، وإنما تعيد إنتاج سلطة الأفراد ومراكز القوى والنفوذ ولكن عبر صناديق الانتخابات، لأن هذه المواد تصتدم بعوامل قوية وبصلاحيات أخرى قاهرة، تحد من فاعليتها ولا تتيح المشاركة الشعبية الواسعة في التغيير والبناء والتنمية، والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم وضوح شكل نظام الحكم وهويته السياسية، والأمر الثاني متعلق بتخلف النظام الانتخابي الذي لا يترجم أو يعبر عن إرادة الأغلبية الشعبية، ولا يتيح للأحزاب والقوى السياسية الصغيرة من التمثيل في البرلمان بما يتوافق مع حجمها الشعبي..
مما يتوجب إجراء تعديلات دستورية تتناول أهم محاور الإصلاحات السياسية التي تتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم وتحقيق الانتقال نحو الديمقراطية بشكل سليم، هذه المحاور هي كالتالي:
1- إقرار النظام البرلماني كنظام سياسي للحكم في اليمن، وإجراء كافة التعديلات والتغيرات التي تستوجب ذلك في المهام والصلاحيات، والتي تكفل قيام نظام حكم مدني برلماني، يتيح لحزب أو ائتلاف الأغلبية من الحكم ومن تشكيل الحكومة وتطبيق برنامجه الانتخابي وفقاً للقانون والدستور، وبما لا يخل بشكل الدولة ونظام الحكم وأمن واستقرار البلاد..
2- إقرار نظام «القائمة النسبية» كنظام انتخابي في اليمن، كونه النظام الانتخابي المناسب الذي يكفل لمختلف القوى السياسية والمدنية من الوصول إلى البرلمان، والنظام الذي يجسد بالفعل إرادة الأغلبية الشعبية، وينضج التجربة السياسية والحزبية والديمقراطية، ويمكن أبناء الشعب من التكتل والاصطفاف على أساس برامجي، لا على أساس فئوي وماطقي، كما أنه يتيح الفرصة للكوادر الوطنية المتخصصة والمتعلمة من التمثيل في البرلمان على حساب القوى التقليدية.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 11:20 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-29322.htm