الإثنين, 03-ديسمبر-2012
الميثاق نت -   عبدالرحمن مراد -
حتى اللحظة لا أملك يقيناً أنّ الحوار سيفضي بنا الى نتائج توافقية قادرة على صناعة وطن بقيم مدنية وحديثة، ذلك أننا على دراية مطلقة بطبيعة ومحددات العقل السياسي العربي التي لا تخرج عن المحددات الثلاث التي قال بها الجابري وهي: القبيلة، والغنيمة، والعقيدة، فاليمن تحكمه علاقات معينة تتمثل في النظام القبلي وفي نمط إنتاجي معين وهو النمط الربوي الذي نرمز إليه بالغنيمة أي الدخل غير الانتاجي، وتسوده العقيدة التي تعطل قدرات العقل ووظائفه في التفاعل مع معادلة الحياة والعصر الذي نعيش.
والإنسان في اليمن يدير حواراً دائماً في مقائله القاتية ولكنه لا يخرج برؤية واضحة ولا يكاد يصل الى رؤية توافقية في قضايا عابرة وهامشية.. فكيف به إذا خاض في حديثه عن قضايا مصيرية ووجودية وعن قيم علائقية سوف تحدد شكل الدولة وقيمة كل أحد فيها ومعناه؟ لا أظنه إلا أنه سيتعامل معها بترفٍ ذهني ركوناً منه الى معيارية القوة التي يجاهر بها ويستند عليها في إدارة حواره مع الآخر وفي تحقيق وجوده في مفردات الواقع ومظاهره.. كما أن الدخول الى مؤتمر الحوار بالفراغ ومن الفراغ سيجعل الخروج منه بنفس القيمة، فالفراغ لن يُنتج إلا فراغاً مثله.. ألم يكن من الأجدر بلجنة الإعداد والتهيئة للحوار الوطني دعوة كل الفرقاء السياسيين وأصحاب الرأي والبحوث والدراسات العلمية والمنهجية الى تقديم تصوراتهم عن شكل الدولة وعلائقها ومشروع دستورها ونظامها الاجتماعي ورؤيتها الاقتصادية التي تخرجها من بوتقة الغنيمة ودوائرها المغلقة الى فضاء الانتاج وتحديث علائقه وفق دراسات وبحوث علمية تتوافق ومقومات البلد ومنطلقاته الثقافية، وبحيث تدير لجنة الإعداد والتهيئة للحوار مثل ذلك مستعينةً بمراكز قياس الرأي والاستبيانات العلمية في القابلية الجماهيرية لمشروع التصورات ثم تقوم الكيانات والجماعات والاحزاب بالحوار البيني والتوافق والتواضع على مشروع مشترك، فاللقاء المشترك بإمكانه أن يقدم تصوراً جامعاً لكل مكوناته، والمؤتمر وحلفاؤه يقدم تصوراً، والحراك الجنوبي والحوثي، والمكونات الشبابي،ة وبحيث لا تزيد التصورات عن أربعة تصورات اكتملت بالجدل والحوار البيني بين المكونات، ثم تقوم لجنة الإعداد والتهيئة بنشر تلك التصورات لتأخذ حظها من النقد الاكاديمي والاعلامي والجماهيري ولتعرف حظها من القبول الجماهيري عن طريق مراكز البحث وقياس الرأي قبل أن تلج الى مؤتمر الحوار الشامل الذي يحاول صهر تلك التصورات في بوتقة وطنية واحدة، وبذلك يكون كل طرف من الاطراف قد ساهم بشكل أو بآخر في رسم معالم المستقبل وتحديد الأطر والآليات التي تحكمه دون شعور بغبن أو غش واستقواء، ويكون الحوار بمثل ذلك ذا قيمة ومعنى، ويأتي المستقبل من باب الامتلاء لوجود مشروع أو قل مشاريع حضارية يمكنه الجدل والنقاش حولها للخروج برؤية توافقية تلبي تطلعات غالبية الجماهير والشرائح والكيانات، أما الدوران في الفراغ فإنه عبث لا طائل منه لن يفضي الى نهارات المستقبل الذي ننشده كوضوح وشفافية وطريق آمن ومستقر يحقق شروط التفاعل والنماء ويستعيد وعيه الحضاري من حيث القيمة والمعنى.
يقول «ديبتر سنغاس» إن المجتمعات المهيأة للتحديث تتصارع في داخلها مع نفسها، ويلاحظ أنه كلما تقدمت عملية التحديث كلما زادت الهوة بين القوى التقليدية والتحديثية وزادت حدة الصراع.. ويقول: إن المجتمعات القائمة على التعددية بوضوح لا مراء فيه، لابد أن يضع التحول فيها هيكل النظام موضع التساؤل والحوار الصريح وحيث تجري عملية التحديث وتنشد التعددية يصبح من أهم المهام الثقافية وأعظمها الكشف أو ابتكار نظام يتلاءم مع حاجات كل فرد، نظراً لأن الثقافات التقليدية لا تعرف شيئاً عن هذا الشكل الحديث للتعددية، فإن هذه المهمة تستلزم حتماً مجابهة المجتمعات لتراثها التقليدي وأطرها التقليدية.. وبذلك يصبح الحزب في عملية تحديثية تفرضها عليه اللحظة السياسية والحالة الابتكارية لأنه يدرك حتماً مراقبة الجماهير لتموجاته ويدرك وعيها الثاقب بحالة الثبات والتحجر التي يعانيها في مكوناته، وبحضور السؤال العام للتحديث والمستقبل بالضرورة يحضر السؤال الخاص في التطوير والتجديد والتحديث في هيئات الحزب ومكوناته التنظيمية العامة كضرورة تفاعلية مع اللحظة الجديدة، وحين تحتك الاحزاب والمنظمات الاجتماعية والسياسية بالضرورات والحاجات تخرج من حالة ثباتها ومن حالة الفراغ الثقافي والحضاري وتحاول الولوج الى مؤتمر الحوار بقدر كافٍ من الامتلاء.. والامتلاء الثقافي والحضاري يعمل على تجويد مخرجات الحوار وهو بالضرورة يشتغل اشتغالاً عضوياً ومتناسقاً وعلى نقيض ذلك، إذ ذهبت المكونات الاجتماعية والسياسية الى الحوار لأنها سوف تأتي الطاولة الحوارية من فراغ والفراغ لا ينتج إلا فراغاً وتشظياً وفوضى، ولن يكون قادراً على خلق حالة سياسية متغيرة ومستقرة بل حالة ثابتة وغير مستقرة.
والمتأمل في حالة الارتباك المنهجي للجنة الفنية للحوار يدرك سعي بعض القوى التقليدية إلى الحفاظ على العلاقات القديمة حتى تتمكن من مفردات السيطرة، وبالتالي فرض ثنائية الهيمنة والخضوع.. ومثل ذلك الثبات والاضطراب في سياق ومسار اللجنة الفنية سببه الجوهري غياب المثقف الفرد الملتزم بقضايا وطنه والمتجرد من نرجسية الذات وطموحها في السلطة والثروة ليقينه أن الثورة الحقيقية حركة اجتماعية شاملة ليست البدائل السياسية فيها إلا بعداً واحداً من أبعادها المتعددة، لذلك فقضية المثقف الفرد الملتزم ليست السلطة كما هي عند المثقف العضوي المنتمي الى ايديولوجيا والخاضع لشروط وجودية حزبية، بل قضيته الاولى هي خلق وعي ثوري يسعى الى تحطيم البنى الجامدة وإشعال فتيل الثورة فيها من أجل التفاعل مع العصر والتحديث والتطوير..
وما نحبذ التأكيد عليه أن الحوار وفق آليته الاجرائية التي هو عليها لن يكون هو الطريق الآمن الى المستقبل بل الطريق المحفوف بالمخاطر لأن القوى المتصارعة لم تستنفد طاقتها الانفعالية في صياغة مشروع مستقبلي والتوافق عليه لذلك فدخولها بكامل طاقتها الانفعالية في الحوار لن يكون إلا تفجيراً للموقف وتشظياً.. وفي الغالب ستهرب القوى المستضعفة الى نقاط مضيئة في التاريخ، والبعض إلى إيقاظ الهويات المحلية.. ولا أظن أننا سنجد حينها وطناً مستقراً وآمناً.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 18-يوليو-2024 الساعة: 05:33 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-29453.htm