الإثنين, 10-ديسمبر-2012
الميثاق نت -   عبدالرحمن مراد -
< يبدو أن الثورة المضادة بدأت ترسم ملامحها على لوحة المستقبل، ويبدو أن حلم «الاخوان» قد ينتهي قبل أن يبتدئ، فالذي يحدث في مصر يقظة فرضتها الضرورة الاجتماعية والثقافية، وانهيار الصورة الثورية التي رسمها الاخوان في سماء الربيع العربي، وعودة الاستبداد في صورة لاهوتية يحضر فيها الله وتغيب عنها مقاصده التي أرادها لعباده دلالة على صواب موقفنا من تجليات المرحلة، ولعل القارئ الكريم يتذكر أنني في حوارٍ لي نشرته صحيفة «الميثاق» في ابريل 2011م تحدثت عن خيار الرحيل الذي يعني عودة الاستبداد في قميص من الفضيلة وحاكمية الله في الأرض، وهو مايزال متاحاً على الشبكة العنكبوتية يمكن الرجوع اليه لمن أراد التيقن.
فالربيع العربي لم يحمل أغصان الزيتون ولم يطلق حمامات السلام في سماء الشرق الجديد، ولكنه أطلق سهام البغضاء الطائفية في تونس، فالصراع ولغة التشظي والانقسام هي التفاعل اليومي بين الجغرافيا والجماعات والطوائف، ومثل ذلك الحضور التفاعلي له ما يماثله في ليبيا، وما يماثله في اليمن، وهو في طور التكوّن في مصر من حيث الجغرافيا لا من حيث بعده الثقافي الصراعي، وقد يشتعل أواره في مصر بحكم التعدد العرقي والطائفي والديني وحينها لن يكون القرضاوي بحكم تفاعله مع فقه الثورات وتصديره للفتاوى عنها الا رجل فتنة كما قد بدأ يتحدث كثير من المتأثرين به ومن مؤيديه في القنوات الفضائية، ولعله يدرك الآن أن مناشداته في خطب الجمعة لم تلق ما كان يتوقع لها من صدى سواءً عند ثوار برقه في ليبيا أو عند الحراك الجنوبي اليمني، حيث أن يقظة الهويات المحلية لن تستطيع خطب القرضاوي أن تعمل على ترميم المتصدع منها او الحد من تفاعلها الوجودي على الجغرافيا، ذلك أن فقه الواقع للجماعات الاسلامية قد غفل عنها وهو يصدر التبريرات لمظاهر الخروج على الحاكم من حيث التحليل والتحريم، واستنفذ كل طاقاته الذهنية، وغفل وهو يصدر نفسه كثائر يبحث عن الحريات والكرامة عن حالات التناقض والأثر الناتج عنها من حيث يقظة الهويات التاريخية، وتجزئة الهويات الوطنية لن تكون الا مظهراً من مظاهر التنازع، وبالتالي الفشل والنتيجة ذهاب القيمة والمعنى لأمة» كنا ندعي قدرتنا على انتشالها من واقعها المؤلم.
ما يُؤسَف له أن الحركات التي تبشر الناس بالخروج من ضيق الأنظمة الى سعة الاسلام، ومن ظلم البشر الى عدل رب البشر، ومن قيد السجان الى رحمة الديّان- هي من يقود حركات الانكسار الحضاري ويعمل جاهداً على تنمية روح الانقسام، ويناضل على إضعاف الأمة عن طريق هدم التصورات الايجابية عن رجل الدين والعالم الديني والحد من تأثيرهما، كما أنها - أي الحركات الدينية تعمل على تفكيك المنظومة الدينية بتناقضات السلوك والاخلاق والموقف من الاحداث.. مما أحدث خللاً في قيمتها النفسية والروحية والاخلاقية، ومثل ذلك الأثر لم يكن بوعي من تلك الحركات ولكنه تداعى عن غير وعي منها، فالسلطة وهاجسها سببان مباشران فيهما، وحين تتغلب الدنيا ومباهجها على وعي الانسان تغيب الآخرة، والآخرة هنا ليس بمعناها الديني بل بمعناها الزمني المستقبلي، إذ أن مفهوم الآخرة في الاسلام ليس كما يشاع أو يتوارد الى الأذهان، بل هو مفهوم شامل دال على خلق فرضيات المستقبل من حيث إمكانية التحكم به، فالقضية الفكرية التي تقف عند حدود الممكن هي تلك التي تعطل وظائف العقل، وبالتالي ديناميكية الحياة وتطورها، وليس الاسلام بمثل ذلك الجمود والتحجر، فالآخرة في مفهومه ضابط أخلاقي وفكري من حيث الهدف والأثر والتطور والنتائج، ومن هنا كانت شموليتها، وعلى الحركات الدينية أن تعي مقاصد الاسلام وتعيد قراءته وفق مفهوم العصر، فالماضي أصبح عاجزاً عن تفسير الاسلام لإنسان هذا العص،ر وما حدث في 2011م كان صهراً وتفكيكاً ترك تشوهاً في مثالية الاسلام وفي قيمته الحضارية والفكرية ومقاصده الانسانية النبيلة.
فالاسلام إنساني الغاية والمقاصد والتفاعل، والفهم الصحراوي العقيم له ضد قيمته ومثاليته وضد عالميته، فالعالمية تعني التفاعل الايجابي مع كل الثقافات والحضارات، وموقفه النظري والاخلاقي من الآخر الذي لا يؤمن به واضح جلي بالنص القطعي.
وما يحدث الآن هو المحك الحقيقي لاختبار نظرية «الاسلام هو الحل»، إذ يبدو أن ما يحدث في مصر وفي تونس وفي ليبيا قد أومأ الى حقيقة جوهرية أن ثمة خطأ في النظرية «من حيث الفهم لا من حيث القيمة المثلى في جوهرها وحقيقتها» وفي الممارسة أحدث تنافراً وتضاداً، ومثل ذلك التنافر والتضاد هو الصراع الحقيقي بين الحاضر والماضي، ويحمل الفروق التي بين الصحراوية «من حيث الوعي والثقافة» والمدنية من حيث «تراكم الخبرات والتطور والتحديث والقيم الانتاجية».
ومن هنا يمكن القول إن الخيرية التي وردت بصيغة دالة على الماضي وتأولها المفسرون بما يناقض دلالاتها من باب التحفيز - قد كانت في زمن حيوية وجدة الرسالة، وهي صفة أصبحت منتفية من مسلمي هذا الزمن، ذلك أن الخيرية ترتبط بالنفعية للانسانية، والنفعية غير محققة في الواقع، بل أن المحقق في الواقع هو الضرر والإضرار بمصالح الناس أجمعين من خلال الاستهداف لها بالمتفجرات والأحزمة الناسفة، بل والأكبر جرماً وضرراً هو استهداف الأرواح وقيمتها في الاسلام كبيرة من حيث أن من أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً ، ووفقاً لنظرية «أحيا الناس جميعاً» تكون الخيرية والنفعية في إحياء الناس جميعاً في المجتمعات غير المسلمة بما قدمته للبشرية في المجالات الانسانية المتعددة، وهي وإن لم تعترف بالاسلام الا أنها أكثر تجسيداً وتمثيلاً لمبادئه، فالكذب والغش مجرماً في الاسلام وهما صفتان منتفيتان من أخلاقيات وسلوكيات المجتمعات الأوروبية مثلاً، ولكنهما أكثر لصوقاً وثبوتاً بالمجتمعات المسلمة وهكذا دواليك، فالمسلمون يزايدون بالقرآن، وبمحمد -عليه الصلاة والسلام- وهم أكثر بعداً من القرآن ومن محمد وغيرهم أكثر قرباً من القرآن ومن محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وإن لم يؤمنوا بهما في علانيتهم.
ولعلي أكثر استبشاراً بما يحدث الآن من تموجات فكرية، وبما يعتمل من ثورات مضادة، فقد تكون أكثر صهراً للفكرة وأكثر استبصاراً للقيمة الحقيقية للإسلام، وأكثر قدرة على عودة العقل الى مجراه الطبيعي في الحياة، فالدين دين العقل وليس دين العاطفة والموت وغياب الروح المتفاعلة والمنتجة.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 18-يوليو-2024 الساعة: 05:32 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-29564.htm