حنان حسين - الميثاق نت - صراع الإرادات الذي تحركه الايدلوجيا المتمترسة خلف حتمياتها الأبدية في فلسفة الحكم والادارة ..هي من يقود ويتحكم في المعترك السياسي في الساحة المصرية وليس ما تحاول النخب السياسية ان تصوره بلغة دبلوماسية لتغطية أبعاد الصراع فيما بينها والتي تتقاطع حد الاغتراب، وتتصادم حد الاحتراب ، ولا يغير من توصيف هذه الأزمة ظهور المعارضة بمطالبها المتواضعة متمثلة بإلغاء الإعلان الدستوري والتوافق حول دستور تتبرأ القوى المدنية من أوزاره باعتباره دستورًا دُبِّر بليلٍ من جمعيةٍ تأسيسية ‘مِنعَ القضاء من الفصل في صلاحيتها في عملية همجيةٍ أقل ما توصف بأنها كانت انقلاباً على دولة القانون.
كما ان ظهور الحكومة بوجهيها الإداري المتمثل بمؤسستي الرئاسة والحكومة، والإرشادي المتمثل بالمرشد ونائبه وجحافل الإخوان المحتشدة في كل الجبهات بمظهر المدافع عن الشريعة والشرعية والديمقراطية والتي لا تمتلك غير سلاح الصناديق الانتخابية لحسم المأزق الدستوري -على حد تعبير هذه الجماعة- فالأمر ابعد ما يكون عن الخطاب السياسي الذي يخفي مساوئه سعياً الى كسب الود من جهات خارجية تراهن عليها مصر وكثير من دول ما سمي بالربيع العربي على حساب السيادة الوطنية.
فالمعارضة تعلم أنها أمام تيارٍ انقلابي مسكونٍ بأوهام التاريخ ومحصنٍ بحائط الايدلوجيا الشمولية التي لا تفرط في حق عاد إليها بعد حرمان وغياب طويل، وبالتالي فهي أي المعارضة تخاف مستقبلاً مجهولاً لا ترغب ان تراه يسد آفاق أحلامها التي صنعتها بثورة الخامس والعشرين من يناير،... والأمر نفسه ينصرف الى دولة الإخوان التي يعتريها شبح الخوف من العودة الى ماضٍ أثقل كاهلها عقوداً من الزمن.
وأياً كان الأمر فإن الواقع يؤكد مسؤولية الإخوان باعتبارهم الطرف الأقوى والمسؤول عن صيانة ورعاية التجربة وطمأنة المعارضة بغير ذلك الخطاب الاستعلائي الذي ظهر مرعباً فيما قاله المرشد محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر، وأحد زعماء الجماعات الإسلامية الذي قال في المؤتمر الصحفي أنه سيقدم مليون شهيد احتساباً وتقرباً الى الله في سبيل حماية شرعية الرئيس محمد مرسي .
ان تصرفات الأخوان وقراراتهم هي التي أنكأت المواجع وحركت كوابح التوجس والخوف الكامن في أعماق قوى التغيير المدنية ، ليس في مصر وحدها وإنما في جميع الأقطار العربية التي تشهد تفاعلات الرغبة في تغيير انضمتها الحاكمة،.. خاصةً وأن الإخوان يبالغون في إيذاء وقهر القوى المدنية تحت حسابات الأغلبية لإجبار (من تراهم أقلية ) على الانصياع والطاعة دون ان يسمح لهم حتى بإبداء الرأي في أهم عقدٍ اجتماعي وهو الدستور الذي تعارفت على صياغته التوافقية كل المدارس الفقهية القانونية وكل الفلسفات الديمقراطية في الشعوب العريقة في نهجها الديمقراطي والتي لاتعرف غير سبيل التوافق والإجماع باعتبار الدستور أداة تجمع ولا تفرق وهو حساب دقيق لا طرح فيه ولا قسمة بل فيه جمع وحشد للثقافات والمعتقدات والمصالح للشعوب بمختلف أطيافها .
لكن الاستقواء والاستعلاء على المعارضة لإجبارها على الاستسلام تحت مبرر الأغلبية وصناديق الاقتراع فيه قدر“ من المخاطرة بقواعد السلم الاجتماعي ، خاصةً عندما يتعلق الأمر بوضع دستورٍ يحمي الأقليات أولاً باعتبارها الأولى بالرعاية قبل الأغلبية المحمية -أصلا- بقوة وجبروت وسلطة الدولة والثروة والنفوذ، فوق ذلك فإن سلطة الأغلبية لا تعني أنها مطلقة اليدين تعمل ما تشاء حسب هواها دون شراكة أو رقابة أو إشراف،.. ذلك ان أبسط قواعد الممارسة الديمقراطية تقتضي إشراك المعنيين بأي قرارٍ تريد الحكومة إصداره، باعتبار الديمقراطية ليست فقط للتباهي ليل نهار بإجراء انتخابات نزيهة أو تحقيق أغلبية، إنما هي إعطاء الشعوب دوراً في عملية اتخاذ القرار خاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بمصيرها أو بإلغاء تقاليد راسخةً في وجدان الشعوب.
ثم هل كان المطلوب من القوى المدنية الطاعة والتسليم لجمعية تأسيسية مجهولة المصير ؟ لتخرج بدستورٍ يمثل وصفةً وصفةً للفوضى والاستبداد وتكريس سلطة الفرد ، دستور“ يقيد الحريات ويخل بمبادئ العدالة الاجتماعية ويجعل من رئيس الجمهورية حاكماً فرداً مطلقاً لا سلطان عليه ولا رقابة ولا قضاء يحمي المؤسسات والدستور من اعتداءاته كما حصل في سطوته على القضاء مرات عديدة في أشهرٍ معدودة،... فكيف سيكون الأمر في حالة دستورٍ، يمنحه كل السلطات؟، فهو - وحسب مشروع الدستور- من يختار رئيس الوزراء ، ويضع السياسة العامة للدولة ، ويرأس اجتماعات الحكومة متى شاء، وهو من يعين الموظفين وهو من يعزلهم ، وهو الذي يعين عشرة في المئة في مجلس الشورى ، ويعين رؤساء الهيئات الرقابية كلها وهو من يعين أعضاء المحكمة الدستورية العليا...الخ حزمة من الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية في انتهاك صريح لأهم مبدأ دستوري وهو الفصل بين السلطات.
هكذا وردت صلاحية الرئيس في ثلاثة وعشرين مادة دستورية يقابلها شلل تام لصلاحية الحكومة التي لم يتجاوز عدد المواد الخاصة بها أصابع اليد الواحدة، جُلُّها من قبيل المتابعة ، والمشاركة، وإعداد المشاريع.
لقد كان ملفتاً في هذا الدستور حسب متابعتي المتواضعة ، عدم وجود نص صريح على عدم التفرقة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات،أو على التزام الدولة بالقضاء على أشكال التمييز، وحظر الدعوة الى الكراهية والتمييز على أساس ديني، أو حماية التعدد الثقافي ، أو حتى تحديد سن الطفولة.
لقد كنا نتوقع ان يكون أداء الإخوان أكثر انفتاحا على الآخر وأكثر حذرا وغير مستفز لكي تبقى لاعباً رئيسياً في قيادة التحولات الوطنية، ولكي تبدد المخاوف، وتعطي الدليل على تحررها من القيود الشمولية، لتتوجه نحو تعزيز عملية التحول الاجتماعي من خلال تسويق المفاهيم الثقافية المستوعبة لمتطلبات الحرية والانفتاح على التنوع الايدلوجي والاجتماعي بدلا من الخطاب الذي يُسَوِّق الخرافة، ويلوح بعصا الشريعة للقضاء على طموحات المجتمع المدني،... كما هو سائد” في منطق أعلى مرجعية فقهية لقوى الإسلام السياسي من إخوان وسلفيين في الخطاب الرسمي لهذه الجماعات ، ومن خلال التحريض المنهجي الداعي الى الكراهية وحشد ما يسمى المليونيات لحماية الشريعة في مجتمع كل أبنائه يؤمنون بشرائع الله المستقرة منذ آلاف السنين. |