يحيى علي نوري - إخفاقات متوالية جميعها بدرجة امتياز يسجلها بجدارة جماعة الاخوان المسلمين في الشقيقة مصر، وجميعها تدلل على حقيقة واحدة مفادها ان العقلية الشمولية التي تسيطر على هذه الجماعة وثقافتها في إدارة شؤونها على قاعدة «السمع والطاعة » قد اصطدمت مبكراً بالعديد من حقائق المشهد المصري التي تجهلها.. وظهرت مؤخراً كمكتشف للحياة المصرية بعد ان قضت اكثر من ثمانية عقود في العمل السري الذي جعلها تجهل الشعب المصري
وطبيعة ومقومات حياته على الرغم من أنه الشعب محيط بها من كل الاتجاهات.. ولعل حديث الاستاذ القدير محمد حسنين هيكل للتلفزة المصرية اخيراً وتشخيصه لهذا الواقع الذي تمر به جماعة الاخوان المسلمين قد قدم التشخيص الدقيق العلمي والمهني واستشرف بخبرة ودراية حاضر ومستقبل الاخوان بل وحاضر ومستقبل مصر على ضوء هذه المعطيات الجديدة التي تشكلت بفعل الأداء البائس لجماعة الاخوان المسلمين وما تبديه من اصرار عجيب في سلك دروب ووسائل يجمع معظم المحللين السياسيين على فشلها وعدم قدرتها
على السير ولو خطوات بسيطة للأمام نظراً للمشكلات والمعوقات الهائلة التي تعترض مسيرة المصريين وتحتاج من جماعة الاخوان المسلمين إلى خبرات ودراية عميقة، حتى تمكنهم كجماعة ان تتناغم مع كل ذلك وبالصورة التي تمكنها من السير باتجاه المستقبل دون منغصات ودون قرارات تعسفية وارتجالية وعشوائية سرعان ما تتلاشى وتتبخر بفعل جهلها لهذا الواقع.. وإذا كان الاستفتاء على مشروع الدستور المصري ستمثل نتائجه مهما كانت ب «نعم » أو «لا » صدمة حقيقية وكبرى أمام الاخوان المسلمين، من شأنها أي هذه النتائج وبما ستحمله من أرقام ودلالات ان تفرض نفسها بقوة على المشهد المصري الراهن، فإن الاخوان المسلمين مطالبون أمام هذا الامتحان الكبير ان يدركوا ان نتيجة «نعم » وإن تحقق مشروع دستورهم لا تعني نهاية المطاف، فنسبة النجاح لن تستطيع ان تحجب نسبة الذين قالوا «لا » للدستور باعتبارها تعني ان هناك ملايين من المصريين لهم موقفهم الثابت والمبدئي من مشروع الدستور ومضامينه..
أما إذا كانت النتيجة ب «لا » فهذا يعني ان على الاخوان المسلمين ان يتعاطوا معها بمسؤولية اكبر، وفي الحالتين عليهم ان يعيدوا ترتيب أوراقهم من جديد خاصة وان مجمل الاخفاقات التي وقعوا فيها بدرجة امتياز تتطلب منهم ذلك ليؤكدوا حيويتهم وقدرتهم على التعامل مع المتغيرات والتحولات من منظور سياسي سلس بعيداً عن التشدد والشعور بالقوة مهما كانت الحيثيات.. ذلك ان إدارة الشعوب ورصد توجهاتها ودراسة احتياجاتها واستيعاب نبض الجماهير بصورة يومية فن سياسي لا يمكن لهم اكتسابه طالما ظل يعشعش في رؤوسهم المتشددة الشعور بعدم الثقة بالآخر بل والشعور الدائم بالمؤامرة التي تحاك ضدهم، سيجدون أنهم بتصرفاتهم وسياساتهم الهوجاء هم أكثر من يحيكها بل ويكسبها الحقيقة عنوةً خلافاً عما يقوله الواقع ويدلل عليه..
مما يعني ان إدارة الشعوب تختلف تماماً عن إدارة جمعية خيرية أو تنظيم ديني ترتكز علاقاته الداخلية على اساس مبدأ «السمع والطاعة » وهو مبدأ بعيد وصعب التحقق في ظل إدارة شعب يزيد عن الثمانين مليون نسمة..
خلاصةً.. إنه واقع مؤسف يعيشه الاخوان المسلمون قبل الشعب المصري لايمكنهم تجاوزه ما لم يدركوا حقيقة ان الجماعة من الشعب وليس الشعب من الجماعة، وتلك معادلة إذا استطاع اخوان مصر القيام بها وانعكس ذلك على ادائهم السياسي والاجتماعي.. الخ، فسيكونون في بداية الطريق السليم الذي يضمن لهم دائماً كجزء من الشعب المصري وأداة من أدواته- إحداث التغيير الحضاري..
|