الإثنين, 24-ديسمبر-2012
الميثاق نت -    عبدالرحمن مراد -

< يبدو أنّ قدر المشير عبدربه منصور هادي- رئيس الجمهورية- أن يكون في هذه المرحلة التي تتصارع فيها القوى الوطنية والقوى الاقليمية والعربية والعالمية على هذه الرقعة الجغرافية الواقعة في جنوب غرب الجزيرة العربية والتي تسمى اليمن، فالمناضل الذي يقضي ريعان شبابه في شقاء وتعب ربما تكون رئاسته لليمن شقاء وتعباً، إذ لا وقت لديه حتى يخوض في ملاهي السلطان وملذاته، فالأنياب بارزة من حوله وكل ناب منها يريد أن يقتضم جزءاً من كعكة الوطن.. والأدهى والأمرّ أن رموز (13 يناير 1986م) هي ذاتها من تدير صراع المرحلة مع إضافات اقتضتها إفرازات التطورات الوطنية.
أشعر بيقين مطلق أن الرئيس لا يبحث إلا عن مخرج آمن يُجنب الوطن أتون الصراعات الدامية والمدمرة، وأشعر بصدق نواياه وهو في هذه المرحلة بالذات أكثر إعراضاً عن السلطة ويرى أنه في مهمة وطنية يحدها سقف زمني، ولذلك نظن فيه القدرة على إحداث الانتقال في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية وربما كان هو الفاعل الأوحد الذي لا حسابات له إلا حسابات الوطن، وأمنه واستقراره وانتقاله من بين كل أولئك الذين تتنازعم أهواء شتى، والوطن في حساباتهم ليس أكثر من غنيمة تشرئب أعناقهم إليها.
ولعل في خطوته الاولى الهادفة الى إعادة بناء الجيش الوطني بما يعزز من القيمة الوطنية ويخدم القيم المدنية فألاً حسناً ، فالتشظي الذي كان عليه الجيش فرضته ظروف وطنية استثنائية في مراحل تاريخية بعينها، وقد سنحت الفرصة التاريخية لإعادة الترتيب والاصلاح وبحيث يتحول الجيش الى قوة معيارية وطنية تنتصر للوطن والدستور والقوانين بعيداً عن مهامه السابقة التي كانت تتنازعه فيها الاهواء والأيديولوجيات المتعددة الى درجة التعدي على الحقوق والحريات العامة، ولعل ما يحدث في الجنوب ليس أكثر من سبب مباشر للممارسات الخاطئة واللامسؤولة لبعض قادة ووحدات الجيش، فالبسط على الأراضي والاستحواذ والاستقواء كانت أسباباً جوهرية في نشوء الحراك الجنوبي وأسباباً جوهرية في تعالي صرخات الأنين في تهامة، كما أن تعدد الولاءات كان سبباً جوهرياً في فقدان القيمة والمعنى وفي السقوط المدوي في الحروب الست التي خاضها الجيش في صعدة.
وبرغم أهمية قرار إعادة البناء في ظل تحديات المرحلة إلا أنه ليس من الأهمية بمكان من ناحية القيمة الحقيقية له إذا لم تتبعه خطوات عملية وجادة ويتبعه جهد مضاعف في ترتيب المكون النفسي للجنود وإعادة صياغة الاهداف الوطنية والتهيئة الوجدانية لعقيدة قتالية وطنية بعيداً عن كل أخطاء الماضي وتشظياته وولاءاته الضيقة.
ولعل من المفيد الاعتراف بأن من حسنات 2011م والربيع العربي بالذات تغيير مفاهيم كبار الساسة حول الاشتغال السياسي، فقد دلّت الاحداث على ان هدير الجماهير وفورانها أكبر من كل أسلحة الدمار الشامل ومن الهراوات والغازات المسيلة للدموع، وزمن العساكر والثورات والانقلابات العسكرية قد ذهب من غير رجعة، وقد كان سمة مرحلة تاريخية بعينها انتهت بهدير الجماهير في مناخات وإرهاصات الربيع العربي، ومثل تلك الحالة السياسية الجديدة أدركها رئيس المؤتمر حين علّق - حسب بعض المواقع الالكترونية- على قرارات الرئيس بالقول: إن معركة المؤتمر الشعبي كحزب هي معركة سياسية وليست معركة عسكرية، وإعادة بناء القوات المسلحة هي مهمة القائد الأعلى ومن حقه إعادة تشكيلها بما يتوافق والمصلحة الوطنية.. وقد استغربت من بعض الصحف حين طالبت الزعيم علي عبدالله صالح بالترحيب بالقرارات وكأنها لم تخرج من شرنقة الأزمة ولم تدرك التطورات الوطنية التي حدثت، فالذين يرحبون بالقرارات الرئاسية يمنحون أنفسهم صفات غير قانونية، فالقرار الجمهوري قرار وطني سيادي من صلاحيات الرئيس وحده، وليس من حق أي طرف سياسي الترحيب به أو رفضه، ذلك أن الوطن ليس ملك أي طرف دون الآخر فالكل شركاء، وعلينا أن نقف عند حدود صفاتنا وصلاحياتنا التي يمنحنا إياها القانون دون أن نتجاوز مثل ذلك لأننا نكون قد أفسدنا من حيث ندَّعي الإصلاح.
ومن المعضلات الجوهرية التي تواجه الرئيس في المرحلة الراهنة أنه يدير صراعاً كل رموزه ينتمون الى زمن الثورات والانقلابات، ومثل أولئك الذين تشبعوا بثقافة القمع والتسلط والهيمنة لا يمكن تفكيك منظومة تصوراتهم التاريخية إلا عبر إنعاش القوى الحداثية والتقدمية، وتلك المهمة ليست بالغة التعقيد ولا هي من الصعوبة بمكان، إذ أن تفعيل دور القوى الحداثية والليبرالية سيجعل الصراع بين الماضي الذي هو الحاضر بالضرورة وبين المستقبل باعتبار ما سيكون لا باعتبار ما هو كائن، ومثل ذلك يحتم استحداث مراكز دراسات استراتيجية ومراكز قياس رأي حتى يكون القرار السياسي أقرب الى وجدان الجماهير واكثر تعبيراً عنها، وتكون الرئاسة بمثل ذلك هي الضمير الوطني الذي يتحدث باسم الجماهير والمتصل بها لا المنفصل عنها، كتعبير عن حالة جديدة من العلاقات.
وبمثل ذلك يتوارى تأثير القوى التقليدية في القرار، وهو الامر الذي يعطل من تقدم عجلة التغيير إذا استمر تأثيرها واستمر حضورها بنفس الآلية والقوة التي كانت عليه في سالف الأيام.
فالشباب الذين وهبوا دماءهم للدولة المدنية الحديثة لا يجب أن تذهب هدراً دون انتقال حقيقي، فالانتقال الحقيقي هو التأسيس الأمثل للبناء المؤسسي في كيانات الدولة المختلفة وهو أحد مداميك الدولة الحديثة بالإضافة الى التخطيط العلمي والقرار الذي يستند الى رؤية علمية قادرة على التحكم في مفردات المستقبل ومكوناته وإحداثياته.
ما يلزم التأكيد عليه هو حاجة الرئيس في هذه المرحلة الى منظومة إعلامية حديثة وواعية لتحديات المرحلة وتملك مفردات قوة التأثير والحضور، ذلك أن المشاهد قد سئم الصورة النمطية التي دأب عليها الاعلام وكرسها في الوعي الجمعي.. ولعل المتابع لوسائل الاعلام الرسمية لا يجدها تخرج عن صورتها النمطية التي كانت عليها في القرن الماضي.
ما نتمناه للمشير عبدربه منصور هادي- رئيس الجمهورية- أن يجتاز تحديات المرحلة بحنكة وحكمة وأن يتمكن من وضع الأسس الاولى لبناء اليمن الحديث.. فالمستقبل حائر بين يديه في هذا الظرف التاريخي الصعب.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 10:56 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-29776.htm