الإثنين, 31-ديسمبر-2012
الميثاق نت -  عبدالرحمن مراد -
< مع كل موجة عنف دامية تمر بها اليمن تتبعها موجة اغتيالات ممنهجة إذ منذ 1962م وما اجترحته الاحداث بعد الثورة اليمنية ظل هاجس الاغتيالات حاضراً في مجريات الاحداث وتجلياتها المرحلية، فثمة أسماء حصدتها الثورة في الستينيات.. ولعل الذاكرة تتذكر الشهداء علي عبدالمغني، ومحمد محمود الزبيري، ومحمد احمد نعمان، والقاضي عبدالله الحجري، وغير اولئك ممن طالتهم يد الاثم والاغتيال،
واستمر الحال على مثل ذلك حتى تجلت موجة عنف صيف 94م تحت سماء هذا الوطن لتحصد العديد من اعضاء الحزب الاشتراكي وتتوالى الاحداث واذا بنا نقف أمام نفس الآلية التاريخية في التصفيات بعد موجة العنف التي تبرجت تحت سماء 2011م


وهذه المرة تنال من رموز وقادة الجيش والامن اليمني ومن بعض رموز المجتمع المدني وبصورة بشعة تجعلنا نقف أمام فيلم هندي او مسلسل تركي بكل تفاصيل السيناريوهات التي ترسمها تلك الذهنية التركية او الهندية.
ما يجب الوقوف أمامه ان مسلسل «وادي الذئاب» التركي لم يكن عملاً فنياً محضاً بل كان رؤية ممنهجة رسمتها المنظومة الامنية التركية لتكون فتحاً لها في عودة الماضي وعودة العافية الى الجسد التركي الذي اغتالته يد كمال اتاتورك وفكرة العلمانية والقومية التي اشتغل عليها.
مشكلة تركيا في حاضرنا انها تحاول ان تنسج لها منظومة اقتصادية تتسع من خلالها في الجغرافيا وتكون من أدواتها في الضغط على القرار السياسي وهي تغفل بشكل كامل عن المهاد الثقافي لمثل هاتيك المشاريع، ربما اكتقت بعلاقاتها اللوجستية مع جماعة الاخوان في اليمن ولم تدرك ان مثل ذلك غير كافٍ في التمهيد لتواجدها الذي اصبح يثير جدلاً ويثير حفيظة قوى وطنية كثيرة، وشرائح اجتماعية متعددة وتستغربه حتى شريحة المثقفين بل وتستنكره، وثمة من يرى ضلوع تركيا في موجة العنف والاغتيالات التي تودي بحياة رموز هذا الوطن المجروح خاصة بعد اكتشاف عدة حاويات وفي موانئ مختلفة تحمل شحنات اسلحة من ذات النوعية المستخدمة في أحدث الاغتيالات، وقد فشل السفير التركي في صنعاء في تبرير تلك الشحنات بل قد أثار سخرية الناس كما لاحظنا ذلك على شبكة التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» او «تويتر».
من حق تركيا ان تعمل لمصلحتها ومن حقنا ان نثير الاسئلة حول قضايا تبدو لنا غير سوية وغير عادلة ولاتحقق لنا مصلحة وطنية يمكننا التبرير بها، ونظن ان الاستغلال روح استعمارية تجاوزها منطق العصر ولايمكن القبول بها، وعلى تركيا ان تخرج من عباءة الفكرة القديمة القائمة على الهيمنة وبإمكانها ان تعيد صياغة مفردات علاقتها مع العرب على أسس جديدة قائمة على تبادل المصالح والندية ومثل ذلك يتطلب اشتغالاً ثقافياً لانظن ان قناتها الناطقة بالعربية او مجلة «حراء» قادرتان عليه لأسباب جوهرية تتعلق بالقيمة والمضمون والتباعد في الاشتغال بين الثقافتين العربية والتركية وتنافرهما.
وفي الخط المضاد لتركيا تأتي ايران بذات التوجه في التمكين لنفسها ليس في البعد الاقتصادي كما تفعل تركيا بل في البعد الثقافي والسياسي، فإيران ترى ان ما حدث في 2011م لم يكن إلا صحوة جاءت متأخرة لأنها قد سبقت العرب من قبل ثلاثين عاماً في إحداث ثورة شعبية سلمية أي بآلية مدنية في حرية الشعوب في تقرير مصيرها، ورغم ما تعانيه من حصار اقتصادي إلا انها استطاعت ان تقيم عدداً من المهرجانات والمؤتمرات والندوات وتستضيف طيفاً متعدداً من الانتماءات والتوجهات الفكرية والثقافية من العالم العربي حتى من دول الممانعة والعداء الايديولوجي، كالسعودية مثلاً.. وقد استطاعت بذلك ان تجمل من صورتها وان تعكس صورة مثلى في مقابل الصورة البشعة التي كرسها بعض المعارضين لهم، فانهارت جدران الصفوية البشعة المكرسة في التصور لتفسح الطريق لصور الرموز السياسية والدينية لتأخذ مكانها في الجدران والمسيرات وعلى شبكة التواصل الاجتماعي «الفيسبوك»، حضر في المقابل شيرازي الشاعر الايراني العظيم وابن جلال الرومي والخيام في المناشط الثقافية والحوار الثقافي، وفي ذات النسق حضرت الدراما التاريخية التي تعمل على قراءة البعد التراكمي التاريخي للعقائد والثقافات وجدليته التاريخية في محاولة للتفكيك واعادة السيطرة على المستقبل من خلال التحكم في مفردات البناء والتداخل في نسيجه العام من خلال التفاعل العضوي مع مكوناته التي تفرضها شروط الواقع الموضوعية، وبذلك امتازت ايران على تركيا بالمنهجية ونفاذ الرؤية المسلكية، وهي بذلك تحاول استعادة محورية ومركزية كتلتها التاريخية بعكس تركيا التي كان اشتغالها آنياً قد يزول بزوال المؤثرات.
مايفضي اليه ذلك التوصيف هو القول ان حرب «تموز 2006م» بين حزب الله واسرائيل قد أخلت بميزان القوى في الشرق الاوسط، إذ كانت تركيا بديلاً عن مصر في المركزية السياسية، وايران كانت بديلاً عن السعودية في مركزيتها ومحوريتها الدينية، وبالتالي فإن الدور الذي لعبته مصر والسعودية في الستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي هو ذاته الذي تلعبه تركيا وايران في اليمن في الراهن المعيش، ولذلك لا استبعد ان تكون موجة الاغتيالات التي تنال من الرموز الامنية وبعض رموز المجتمع المدني والجيش معركة حقيقية بين اجهزة الاستخبارات التركية /الايرانية، ولاجرم على اولئك الذين أعلنوا مقاضاة تركيا ان كانوا يملكون أدلة مادية موضوعية غير ما ذهبنا اليه من استنتاجات ذهنية ظنية، فالقضية تثير كثيراً من الاسئلة في ظل الصمت المريب للاجهزة الامنية اليمنية حول جل حوادث الاغتيالات.
ما يجب ان يفهمه المتصارعون من أي طرف سواء أكان وطنياً أو اقليمياً او دولياً ان الدم اليمني دم مقدس وإراقته قضية لايمكننا السكوت عليها او تجاوزها.. يستطيع الكل ان يتنافسوا وان يخوضوا صراعاً فكرياً او وجودياً وفق قيم ومبادئ العصر فقد آن لنا ان نتجاوز لغة الموت وثقافة الصحراء وان ننعم بالاستقرار والتعايش، وهي قضية جوهرية بالنسبة لليمن في ظروفه المؤلمة التي يمر بها.

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 11:40 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-29886.htm