ماجد عبدالحميد -
يبدو أن اليمن السعيد الذي كاد أن يشارف على الخروج من أزمته الطاحنة التي عصفت به عاما كاملا يستعد اليوم للولوج في أزمة جديدة، لكنها هذه المرة ازمة من نوع آخر تحدد ملامحها تلك الشحنات المحملة بآلاف المسدسات كاتم الصوت وأجهزة الاتصالات اللاسلكي والتنصت والنواظير الليلية وبنادق القنص وغيرها من ادوات القتل والتدمير والتي معظمها قادمة من تركيا خلال الاشهر القليلة الماضية ، تنذر بأن اليمن قادم بالفعل نحو مرحلة خطيرة ووضع مضطرب وغير آمن تنفذ من خلاله مخططات إرهابية واغتيالات سياسية يراد من ورائها نسف التسوية السياسية وإجهاض مؤتمر الحوار الوطني الذي شارف اليمنيون على الانتهاء من الإعداد والتحضير لانعقاده.
تصر حكومة الوفاق برئاسة باسندوة على التعامل مع قضية شحنات الموت التركية المهربة إلى اليمن وكأن الأمر لا يعنيها بشيء لا من قريب ولا من بعيد ..ويلاحظ ذلك من عدم جديتها في الكشف عن تفاصيل تلك الصفقات وإعلان من يقف وراءها للرأي العام حتى اليوم يثير مخاوفا كثيرة وقلقا كبيرا لدى كثير من اليمنيين.. ليس هذا فحسب بل لقد أبدى عدد من المراقبين تخوفهم من المرحلة القادمة خصوصا وأن كميات الاسلحة التركية وغيرها مازالت تتدفق الى اليمن بصورة مستمرة دون تدخل حكومي واضح لمحاسبة او ردع من يقفون وراء هذه الصفقات المشبوهة ..والكشف عن مخطط الجهات التي تقف خلف ارسال «شحنات الموت» وتصدير الفوضى لليمن .
ويعتقد المراقبون أن عملية تهريب شحنة المسدسات التركية التي أحبطت في ميناء عدن كانت مجرد تمويه لعمليات تهريب أخرى، وانواع الاسلحة تؤكد انها سوف تستخدم لتنفيذ عمليات إرهابية واغتيالات سياسية ..وتظهر الصورة بشكل جلي وجود أطراف خارجية وداخلية تسعى الى تفجير الاوضاع وخلق اجواء مضطربة في اليمن قبل الدخول في الحوار الوطني.
مشيرين إلى ان من يقف وراء صفقات الاسلحة المدمرة لليمن واستقراره هي قوى معروفة لدى كثير من اليمنيين وهم اولئك الذين اكتفوا بأخذ ما تم انجازه من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والخاصة بتسليم السلطة ودخولهم فيها ويسعون اليوم لإعاقة وعرقلة تنفيذ ما تبقى منها ومن ذلك عقد مؤتمر الحوار الوطني والوصول إلى انتخابات وبناء دولة مدنية يمنية حديثة.
الى ذلك كشف عضو مجلس النواب نبيل الباشا في وقت سابق في حديثه عن شحن الحكومة التركية أسلحة إلى اليمن بكمية تقدر بـ«21» ألف مسدس معظمها كاتمة للصوت. وفيما تحفظ الباشا وهو عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب عن ذكر اسم الجهة الموردة للشحنة لكنه اكتفى بالقول: « ان وصول تلك الأسلحة إلى اليمن دليل على ان المرحلة القادمة هي مرحلة اغتيالات سياسية، ولا أرى أن هناك مؤشراً للوفاق، فكل الأطراف تتجه اليوم إلى الحشد والتسليح».
احصاءات مريعة
تشير الإحصائيات التقديرية إلى ان أكثر من (21) ألف مسدس معظمها كاتم الصوت تم تهريبها إلى اليمن عبر أربع شحنات تم ضبطها في عدد من الموانئ اليمنية بالإضافة إلى أكثر من (225) ناظور قنص ليزري وعادي ، و(20) قطعة نواظير ليلية خاصة بسلاح القناصة، وأكثر من (20) جهاز اتصال لا سلكي وتنصت ، وذخائر متنوعة ، جميعها كانت في طريقها للدخول غير القانوني إلى اليمن عن طريق (8) تجار سلاح وهميين يستغلهم نافذون لتمرير تلك الصفقات المشبوهة بوسائل وطرق متنوعة وغير مشروعة، وللتذكير فقد تم ضبط شحنات الأسلحة المهربة إلى اليمن على النحو التالي:
في الثاني من نوفمبر من العام الماضي ضبط جمارك المنطقة الحرة شحنة أسلحة على متن حاوية في ميناء عدن قادمة من تركيا محملة بقرابة (15) ألف قطعة سلاح مختلفة.
- في 13 ديسمبر الماضي أعلنت أجهزة الأمن في مدخل مديرية حيس بمحافظة الحديدة عن ضبط ما يزيد على (7) آلاف من المسدسات تركية الصنع على متن سيارة نقل».
- في 16 ديسمبر الماضي صادرت أجهزة الأمن في ميناء عدن شحنة أسلحة تركية الصنع عبارة عن بنادق قناصة حديثة».
الخفايا تتكشف!
تقاعس حكومة الوفاق وإخفاؤها لحقائق شحنات الأسلحة التركية التي ضبطت تباعا فور وصولها إلى اليمن تثير قلق الشارع اليمني والمراقبين خصوصاً وقد أصبحت قضية شحنات الاسلحة قضية مجتمعية وتشغل بال المواطنين كثيرا والذين يودون معرفة من يقف وراءها.. لكن للاسف لم تكتف حكومة باسندوة بذلك التقاعس فحسب بل قامت بعض قياداتها بممارسة ضغوط على مسئولي ميناء عدن عقب ضبط الأجهزة الأمنية هناك لأول شحنة سلاح قادمة من تركيا إلى اليمن. وطالبت تلك القيادات في حكومة الوفاق -والتي تنتمي الى حزب الاصلاح- القائمين على الميناء حينذاك بنفي وجود أية شحنة أسلحة والادعاء بأنها شحنة قطع حديد ومواسير،الأمر الذي جعل بعض القيادات الأمنية رفيعة المستوى بمدينة عدن والحريصة على أمن واستقرار الوطن ان تسارع الى الإعلان لوسائل الإعلام بأن شحنة الأسلحة المعروفة بـ «البسكويت المسلح» التي تم ضبطها في ميناء المنطقة الحرة تتبع قيادياً بارزاً في حزب الإصلاح ، مؤكدا في ذات الصدد ان أطرافاً نافذة في الحكومة حاولت جاهدة منذ ضبط الشحنة الى لملمة الفضيحة والادعاء بان الشحنة المضبوطة هي قطع حديد ومواسير.
وهو ما أفادته المصادر الأمنية بعدن ان قيادياً في حزب الاصلاح استورد شحنة الأسلحة باسم المدعو(صالح البعداني) وان شخصاً من عدن يدعى (عدنان سبوع ) كان يقوم بمعاملة التخليص الجمركي للشحنة القادمة من تركيا.
الدور المناط على الحكومة اليوم هو متابعة التحقيقات وإعلان نتائجها للرأي العام اليمني اسوة بتلك القيادات الأمنية الشريفة التي أبت إلاَّ ان تظهر الحقائق للمواطن حتى لو كان ثمن ذلك أرواحهم وكشفوا لوسائل الإعلام عن حقيقة ما يحدث ومن يقف وراء تلك الصفقات، حيث كشفت مصادر أمنية عن شحنة الأسلحة التركية التي تم ضبطها بمديرية حيس بالحديدة وتحتوي على أكثر من(7) آلاف قطعة مسدس تركي الصنع وتعود ملكيته لقيادي في حزب الإصلاح قام باسيترادها عن طريق احد التجار الصغار وهو على علاقة وطيدة مع حميد الأحمر.
وللتذكير فقد أعلنت شرطة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة في مارس الماضي إحباط محاولة تهريب أكبر شحنة أسلحة كانت في طريقها إلى اليمن قادمة من تركيا.
وقال القائد العام لشرطة دبي في مؤتمر صحفي :»إن الشحنة تقدر بـ(16) ألف مسدس كانت قادمة من تركيا إلى اليمن».. مبينا أن «هذه الأسلحة تدل على انه يمكن استخدامها في عمليات اغتيال».
ووفق قائد شرطة دبي فإن نتائج التحقيقات، اظهرت انه تم تصنيع الأسلحة المضبوطة بأحد المصانع في تركيا يعود لشخص يدعى «عرفان»، وقضت الخطة بأن يتولى شخص يدعى «فائق» شحن الأسلحة بطريقته الخاصة من تركيا إلى إحدى الدول الخليجية مستعينا بأشخاص آخرين، ومن ثم تهريبها إلى اليمن حيث كان من المفترض أن يتسلمها هناك صاحب الشحنة المدعو «حميد».
علاقة الأسلحة التركية بإخوان اليمن
تفاصيل كثيرة أثبتت علاقة الإصلاح بما هو حاصل من تدفق الآلاف من السلاح التركي إلى موانئ اليمن بطرق غير شرعية منها ما كشفته على سبيل المثال لا الحصر صحيفة سعودية - في تقرير حديث لها نشرته قبل أيام - عن مشروع تركي للعودة إلى احتلال اليمن عبر بوابة «الإخوان المسلمين».
وأوردت صحيفة «الشرق» العديد من التفاصيل والحقائق حول هذا المشروع الاستعماري، من بينها سيطرة تركيا على اقتصاد حكومة الوفاق عبر لجنة يرأسها القيادي في الإخوان الشيخ حميد الأحمر، وقيام حزب «العدالة والتنمية» التركي بتدريب أكثر من (800) شخص من كوادر حزب الاصلاح في اليمن. وبينت الصحيفة أن سواحل المخا وباب المندب أصبحت مفتوحة بشكل كامل أمام عمليات تهريب الأسلحة من تركيا.
وأوضحت أن العمل التركي على هذا المشروع بدأ منذ سنوات بعد وصول حزب «العدالة والتنمية» للسلطة في تركيا، وأن وتيرة التحركات التركية على الأرض اليمنية أصبحت نشطة للغاية بعد موجة ما يسمى بـ»الربيع العربي» التي وصلت إلى عدة أقطار عربية بينها اليمن، وقالت بأن تلك التحركات تهدف إيصال حزب الإصلاح إلى السلطة وتتم بالتوازي مع مشروع مماثل في مصر، حتى يكون لتركيا النفوذ الأكبر على ممرات الملاحة المائية في جنوب وشمال البحر الأحمر «باب المندب وقناة السويس».
ورصد التقرير الزيارات التي قام بها مسئولون أتراك رفيعو المستوى إلى اليمن خلال أقل من ستة أشهر، يتقدمهم وزير خارجية تركيا ونائب رئيس حكومتها وعدد من وزرائها وقيادات مؤسسات حكومية تركية، وجميعهم يرفعون شعار تنمية العلاقات بين البلدين ودعم اليمن اقتصادياً، في حين لم يتجاوز ما قدمته تركيا خلال هذه الزيارات سوى سيارتي إسعاف فقط وفي حين أن 3 مراكز للغسيل الكلوي ما زالت في إطار الوعود.
وأكدت صحيفة الشرق السعودية وجود لجنة اقتصادية غير معلنة في حكومة باسندوه يترأسها حميد الأحمر، وتمارس اختصاصات عليا وتنشط في إدارة ملفات تعاون وشراكة اقتصادية واستثمارات مختلفة مع الجانبين التركي والقطري، كانت حاضرة في الترتيب لزيارات وفود اقتصادية تركية إلى صنعاء خلال الأشهر الاخيرة من العام الماضي.
وكشف التقرير عن اجتماع سري عقده نائب رئيس وزراء تركيا بولنت آرنتش في سفارة بلاده بصنعاء أواخر الشهر قبل الماضي دون إشعار السلطات اليمنية بذلك الاجتماع الذي عقد بسرية تامة مع قيادات عسكرية تابعة لحركة الإخوان المسلمين في اليمن حضره اللواء علي محسن صالح قائد الجناح العسكري للإخوان في اليمن.
مؤكدة أن هناك عمليات تهريب أسلحة تتم عن طريق الموانئ وبتواطؤ جهات حكومية، وأن شحنات السلاح المهربة تذهب لصالح تكوينات مسلحة غير نظامية غالبيتها تتبع حزب الإصلاح وشيوخ قبائل يمنيين بارزين.. معتبرة شحنات السلاح التركية المضبوطة في دبي وعدن مجرد عينة من حركة تهريب نشطة تتجه من تركيا إلى اليمن، هدفها الأساسي ليس التجارة بل تقوية نفوذ جماعات معينة في خضم صراعها مع قوى أخرى داخلياً.. منوهة بأن اريتيريا غالباً ما تكون مركزاً مساعداً لإيصال شحنات الأسلحة التركية.
مخاوف سعودية من التوسع التركي
في إطار ذلك أكدت صحف سعودية عدة ان شحنات الأسلحة التركية المضبوطة بمينائي عدن والحديدة تكشف عن ان من يقف وراءها يساعد على نشر الفوضى وتقويض الحل السياسي في اليمن.
لافتة إلى وجود صعوبات كبيرة تعطل مسار التسوية السياسية في اليمن أهمها وأبرزها وجود قوى إقليمية تحاول أن توسع دوائر نفوذها عبر البوابة اليمنية مستغلة ما يعانيه اليمن من صراعات وانفلات أمني. وحذرت تلك الصحف في الكثير من افتتاحياتها من المضي في مسار حمل السلاح وفرض الرأي بقوة الرصاص وترويع الآمنين، حيث وذلك لن ينتج توافقاً ولن يبني مستقبلا.
استياء يمني واسع وأنقرة تبرر
على ضوء ذلك طالب عدد من السياسيين والبرلمانيين اليمنيين بسرعة تشكيل لجنة محايدة لإجراء تحقيق فوري بشأن شحنات الأسلحة التركية المهربة إلى اليمن والإعلان عن نتائج التحقيقات للرأي العام.
وقالوا في أحاديث متفرقة «للميثاق» ان مسألة تدفق الأسلحة التركية إلى اليمن بطرق غير شرعية أمر يسيئ إلى تركيا وعلاقتها مع اليمن، وعبروا عن أملهم في أن يكون الدور التركي في اليمن سياسيا واقتصاديا لا عبر ضخ شحنات الموت ، كون اليمن لم يعد بحاجة الى من يصدّر إليه أدوات الموت من المسدسات كاتمة الصوت والقنص وغيرها.
وبالمقابل اعتبر سفير تركيا بصنعاء - فضلي تشورمان- ان تهريب شحنة ألاسلحة التركية المزودة بكاتمات الصوت والمضبوطة بميناء عدن حادث عرضي. ودافع تشورمان عن شحنة بلاده في مؤتمر صحفي قائلا : (أن هذه الشحنة لم تحصل على ترخيص رسمي من قبل السلطات التركية وإنها تمت عبر عملية غير قانونية).
وبدا السفير التركي - في مؤتمر صحفي آخر عُقد قبل أيام غير مكترثٍ بجرائم الاغتيالات واعمال العنف التي تصاعدت وتيرتها في الآونة الاخيرة في اليمن ، متهما وسائل اعلامية يمنية بـ(تضخيم قضية تهريب الاسلحة التركية الى اليمن ) مشيرا الى ان (هناك تهريب أسلحة إلى اليمن من دول أخرى إلا انه لم يتم تناولها بشكل مضخم كما هو الحال مع الأسلحة التركية المهربة والمضبوطة في اليمن). وأكد أن سلطات بلاده ما زالت تحقق في قضية شحنة الأسلحة التي ضبطت بميناء عدن وستعلن عن النتائج فور انتهاء التحقيقات.
وعلى الصعيد نفسه قالت أنقرة: إنها لم تصدر مطلقاً تصريحاً بإرسال أسلحة إلى اليمن بعد أن أعلنت اليمن عن ضبط شحنة أسلحة على متن حاوية قادمة من تركيا. وقالت وزارة الخارجية في بيان «نحن وبكل تأكيد لم نصرح بإرسال مثل هذه الشحنة من الأسلحة، وليس من المعقول الموافقة على تصدير مثل هذه الأسلحة إلى دول تتعاظم فيها مخاطر النزاع ويمكن ان تتسبب بوقوع مزيد من القتلى».
|