الإثنين, 21-يناير-2013
الميثاق نت -    عبدالرحمن مراد -
صباح الخميس 17 / 1 / 2013م فاجأ أدباء ومثقفو اليمن العالم وهم يعلنون وفاة المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية في تظاهرة أبهرت الآخر في تعبيرها الحضاري ورمزيتها القاتلة، لم تكن تلك الفعالية تهدف إلى الكسب السياسي بقدر عفوية هدفها المتمثل في نقاء المقصد ونبل القضية.

لقد تفاعلت مع الفكرة منذ بدايتها لأنها تومئ إلى قضية ظل المثقف والأديب يعاني من تبعاتها ويقاسي مرارتها لأكثر من عقد ونيف من الزمن، ولم يكن يدور في خلدي ما تناقلته حسابات بعض الأصدقاء في شبكة التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» عن الحق الفكري، وكنت أظن أن القضية الثقافية همُّ مشترك وعلينا التعبير عنها بأشكال رمزية وغير رمزية حتى تشعر بها السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة السياسية، فالشعور بالفراغ الحضاري قضية وطنية قبل أن تكون قضية ثقافية، والتعبير عنها لابد أن يكون تعبيراً جماعياً، والاحساس بها لابد أن يكون احساساً جماعياً، فالذات في القضايا التي تشغل الناس يفترض أن تتماهى في المجموع إلاّ إذا كانت تهدف من وراء إثارة القضايا حسابات خاصة، ففي ذلك يمكننا أن نعيد التفكير ونتعامل مع القضية بشكل آخر.

لقد شغلني الهم الثقافي وغياب دور المثقف من مجريات التحول وغياب دور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وحالة التعطيل والشلل التام التي وصل إليها الواقع الثقافي اليمني فكتبتُ في صحيفة «الثورة» عدداً من المقالات في شهر ديسمبر 2012م وتعزز ذلك بحوار مطول كان عنوانه الأبرز «المثقف اليمني يعيش حالة من الضياع» وظل هذا الاشتغال هاجساً يومياً نعيشه سوياً أنا والشاعر الكبير محمد القعود، إلى أنّ ولدت فكرة التفاعل الثقافي مع الشارع وتم تدشين هذا الاتجاه يوم الاثنين 15 / 1 / 2013م بحفل توقيع كتاب «مرابيش بلا حدود» للصديق الشاعر والقاص محمد القعود، وقد كان أثر الفعالية كبيراً في وجدان الكثير من الأدباء، وعلى أثر الفعالية تلك ونحن نحتسي الشاي ولدت فكرة إقامة صباحية شعرية في مقبرة خزيمة، وبحيث يحييها الشاعر عبدالمجيد التركي، عبدالرحمن مراد، عبدالرحمن غياون، ثم تطورت إلى فعاليات متنوعة باقتراح من الشاعر عبدالمجيد التركي، وهكذا تطورت إلى ذات السيناريو الذي خرجت به فأبهرت الدنيا.

والفكرة من حيث المبدأ قد سبق إليها الشاعر الكبير عبدالله البردوني حيث جاءت في مضمون نص كتبه في مايو 1981م وعنوانه «كليمة.. لمقبرة خزيمة» ولذلك لا براءة اختراع لأحد فيها، فالبردوني الذي عاش ظروفاً سياسية تشبه ما نحن فيه الآن من تشظٍّ قيمي وصراع لم يجد جمهوراً يبوح له بما يختزن في وجدانه إلاّ جمهور الموتى في خزيمة حيث يقول:

في فمي من آخر القلب كليمة

كيف أحكيها لقلبي، يا خزيمة

كيف أحكيها؟ تعاصت جذَّرتْ

غابةً في القلب في الأجفان غيمة

أصبحت أُماً لأجيال الأسى

في عظامي، بعدما كانت «أميمة»

كبرت صارت «زبيداً» «شبوةً»

أضحت «الحيمة» فيها ألف حيمة

إنها أطول من صوتي، وفي

أضلعي أعرق من أدواح «ريمة»

فالمحيها في سكوتي، ربما

أوجزت غور الدّجى عينا نجيمة

٭ ٭ ٭

والمتأمل في معاني النص مع إحداث مقارنة بينه وبين انطباعات الأدباء في وسائل الإعلام المختلفة يلحظ أن ذات المعنى وذات المضمون وذات القضية والاشكالية الوجدانية وإن تعددت وسائل ووسائط التعبير.

فالقضية التي نحن بصددها إشكالية تاريخية لم تزل تعيد انتاج نفسها في كل مرحلة تشابه مناخاتها وظواهرها الموضوعية.

واليمن في ظرفها الاستثنائي الحالي لا تريد مثقفاً أو أديباً يبحث عن ذاته من بين ركامها بل أديباً ومثقفاً يبحث عنها في ذاته في حلمه في مستقبل أطفاله، في تفاصيل الزمن وتجاعيده، وحين تكبر اليمن في حنايا أضلعنا نكبر في جغرافيتها وتمتد قاماتنا تحت سمائها، ولذلك فلن يبقى في الوجدان إلاّ ما ينفع الناس، أما الزبد فيذهب جفاء، وكذلك الرماد تذروه الرياح.

وفي ظني.. علينا إعادة ترتيب الأشياء بما يتناسب وواقع ما بعد الحداثة الذي بتقنيته وبنصه التفاعلي والتشعبي وبشعبيته أعلن موت المؤلف، وخلق من كل ذلك العالم المفترض جيشاً تفاعلياً من المؤلفين والكُتاب والشعراء، وكان حضور الشعبي في مظاهره وتفاصيله ورمزيته حضوراً أكثر فاعلية وأكثر اقتداراً، ومثل ذلك التحول في السياق الاجتماعي والثقافي حدث ما يماثله في المسار التاريخي حين غادر الأدب القصور العامرة والضياع الوارفة إلى الحانات والأزقة والأحياء الشعبية فخرجت من تحت جناحه أعمال إبداعية خالدة كخلود «ألف ليلة وليلة» وكثير من السير الشعبية «بيوغرافياً» التي سبق إليها الحس الشعبي قبل أن تصبح علماً أنثروبولوجياً يتفاعل معها الإنسان كقيمة حضارية ذات أهمية بالغة، والخاصية المشتركة هي موت المؤلف في مثل هكذا ظروف تاريخية، فنحن لا نعلم عن مؤلف السير الشعبية شيئاً ولا عن مؤلف «ألف ليلة وليلة»، وكذلك نحن اليوم حين نتفاعل مع النص الالكتروني نعلن موت المؤلف ليصبح النص انفلاتياً قابلاً للإضافة والحذف ولذلك لا نجهد أنفسنا في السؤال عن صاحب النص في ذلك العالم المفترض المتعدد الهويات والثقافات واللغات واللهجات، ومثل ذلك الفكرة حين تولد في الأحياء الشعبية تصبح نصاً منفلتاً، لا أرى جدوى في البحث عن صاحبها بقدر تقدير أثرها وقيمتها في الواقع، وهذا هو الجوهر لأولئك الذين يحملون رسالة إلى مجتمعاتهم فهم لا يعيرون الشكليات اهتماماً بقدر حرصهم الشديد على وصول الرسالة إلى المجتمع أو إلى المرسل إليه.



تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 11:21 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-30280.htm