الإثنين, 21-يناير-2013
الميثاق نت -    بقلم : محمد حسين العيدروس -
< تزايدت الكثير من التداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية على مدى عامين لتضع اليمن أمام واحد من أصعب تحدياتها التاريخية المصيرية التي لاتحتمل المغامرة بأي خيارات غير دقيقة وحكيمة، إذ إن حساسية المرحلة قد تجعل الانهيار ثمناً باهظاً لخطأ صغير.
لذلك كان التوجه للرهان على مخرجات الحوار الوطني يمثل انتقالاً ذكياً من مربع المسئولية الفردية في صناعة القرارات المصيرية إلى مربع المسئولية الجماعية التي تتشاطر فيها مختلف القوى السياسية والمدنية ككل وتتحمل تبعات ما تتمخض عنه نقاشاتهم ومقرراتهم، وهو أقرب ما يكون الموقف الذي اتخذته الملكة بلقيس حين وضعها نبي الله سليمان «عليه السلام» أمام خيارات مصيرية تحدد مستقبل مملكتها وشعبها، فآثرت حسم القرار بمشورة جماعية.. ولعل ما نحن عليه اليوم هو استحضار للحكمة اليمانية.
إن إدراكنا لتلك الحقيقة قد لايكون كافياً لبلوغ المخارج الآمنة للأزمة إن لم نتعاط مع كل التفاصيل الأخرى التي تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي كان موضوع عقد المؤتمر الوطني للحوار أحد بنودها وليس كل فحواها.. فالمبادرة تمثل خارطة طريق لا يمكن أن تقود الى بر الأمان، إن تم حصرها عند محطة معينة.. وبالتالي فإن التقيد الصارم بكل بنود المبادرة الخليجية هو الكفيل بضمان مسار آمن لإنقاذ الوطن من خطر الانهيار والضياع إذا ما لجأ طرف أو أكثر للمناورة السياسية والعرقلة.
كما ان حساسية الظرف الراهن تقتضي من الجميع السعي لتهيئة مناخ الحوار من خلال ترشيد الخطاب الاعلامي والنأي عن استفزاز الآخر، او تخوينه وتجريمه، والإنطلاق من وعي اتساع الوطن لضم كل ابنائه باختلاف تنظيماتهم وتوجهاتهم الفكرية ومذاهبهم وانتماءاتهم السياسية والقبلية والمناطقية، وهذا هو ما يجب ان يضطلع به الجميع بدءاً من الدولة التي يجب ان تترجم مؤسساتها الاعلامية الأنموذج القدوة الذي يسير على هديه الجميع.
ولاشك أننا جميعاً ندرك ان الأمن والاستقرار وهما قاعدة أي نشاط بشري وحراك وطني فاعل، غير ان التحديات الأمنية التي يواجهها بلدنا تمثل ايضاً تحدياً على طريق انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ان لم يضطلع الجميع بمسئولياتهم الوطنية بدعم جهود فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي على صعيد اعادة فرض الأمن وتعزيز الاستقرار في مختلف ربوع الوطن واستعادة الدولة لهيبتها، خاصة وانه الرئيس التوافقي المنتخب بارادة مختلف القوى الوطنية، والذي راهن الجميع على حكمته ومهاراته السياسية الوطنية المخلصة للعبور باليمن إلى شاطئ الأمان، فالأمن لايتحقق إلا بشراكة جماعية، ووعي ناضج بالمصالح الوطنية العليا.
كما نعتقد بأن ممارسة الديمقراطية في الظروف الطبيعية قد تسمح بهامش معين من المناورات السياسية والشد والجذب، وأحياناً المواقف الجدية، إلا انها في الظرف الاستثنائي الذي نمر به اليوم يتقلص ذلك الهامش حيث تتقدم المصالح الوطنية العليا على أي مصالح أخرى، وتتلاشى جميع الخيارات إلا خيار الدخول إلى الحوار بنوايا صادقة وقلوب نظيفة، وسرائر مخلصة للوطن، بعيداً عن نزعات الالتفاف والتآمر على بعضنا البعض، فالوضع الراهن وتحدياته الخطيرة قد يتفاقم على نحو مأساوي إن ظل كل طرف منكباً على التخطيط لنفسه أو حزبه، او تنظيمه، متجاهلاً ان قيمة الحوار تكمن في الانتقال من مربع التفكير بالمصالح المحدودة إلى مربع المصلحة الوطنية العليا التي فيها انقاذ للجميع من كل تحديات الواقع، حتى وان اضطر طرف او اكثر الى تقديم تنازلات معينة، فتلك تضحية تحفظ له دوره التاريخي الوطني.
أما الحقيقة المهمة التي ينبغي وضعها نصب الأعين فهي اننا كيمنيين يجب ان نجعل مخرجات الحوار الوطني ترجمة واقعية لإرادتنا اليمنية وليس محض املاءات خارجية، لأننا الأقدر على فهم واستيعاب مشاكلنا واحتياجاتنا، والاقدر ايضاً على وضع المعالجات التي تنسجم مع حياتنا على النحو الذي يمكن ان تتجسد فيه على أرض الواقع ولاتبقى مجرد تنظيرات..
ومن المؤكد ان ذلك لايعني بالضرورة تنصل مما يمكن ان تقدمه بعض الأطراف الدولية من رأي بقدر ما هو تفادٍ لاستنساخ التجارب واسقاطها على أنفسنا دون مراعاة خصوصياتنا اليمنية.
أعتقد ان الحوار في ظل الظروف الاستثنائية الحرجة التي تمر بها بلادنا يعتبر هو سفينة النجاة التي تعبر بنا إلى شاطئ الأمان، حيث ان واقعنا الاجتماعي والثقافي معقد للغاية، ومازالت الكثير من المواريث القديمة جداً عالقة فيه، كما ان الشلل الاقتصادي الناجم عن تداعيات الأزمة فاق الوضع سوءاً في نفس الوقت الذي أصبحت التحديات الأمنية مصدر تهديد للسيادة الوطنية وحياة ابناء شعبنا.. وما لم نكن مخلصين في ادارة حواراتنا بوعي ومسئولية تاريخية فإن المجهول هو المصير الذي ينتظرنا جميعاً دون استثناء.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 11:00 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-30289.htm