محمد علي عناش -
< ظلت النخب السياسية والثقافية طوال عامين من الأزمة تتصدر الواجهة السياسية والاعلامية للأحداث بشكل غير بريئ وبما يتنافى مع أخلاقيات الخصومة السياسية ويبتعد عن الثوابت الوطنية وطموحات التغيير المنشود..
استمرت تخفي الكثير من الحقائق وتغض الطرف عن كثير من التجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها القوى التقليدية والمتطرفة المحسوبة على الثورة، بينما تتفنن في تسويق الفعل الثوري في اليمن بكل ما يختزله من تشوهات وعيوب، وما يحمله من أوهام وسرابيات كثيرة، باعتبار أن معظم ما كان يتم تسويته ليس واقعياً ولا يمت بأية صلة لجوهر التغيير واتجاهاته الحقيقية ولا بالشعارات والغايات التي رفعها وحلم بها الكثير من الشباب.
بمعنى أن هذه النخب ساهمت بدرجة رئيسية في تسويق الوهم عن الحقيقة الثورية في اليمن، والتي نحصد جميعاً نتائجها الكارثية حالياً في التجنيد الحزبي بمئات الآلاف وفي التمرد العسكري من قبل اللواء علي محسن الاحمر، في ظل صمت مخزٍ من قبل هذه النخب التي تعودنا منها أن تصنع المقدمات المختلة لكنها تتوارى حين الحصاد المخيب والكارثي كما هو حاصل الآن.
حتى عندما كانت تحدث المواجهات المسلحة في الحصبة وأرحب وتعز من قبل القوى التي ليس لها علاقة بالتغيير ولا بالدولة المدنية، كانت ذات النخب تلحق هذه المواجهات بالفعل الثوري وتنقلها الى ميدان الخطاب السياسي والاعلامي بنزعة ثأرية وانتقامية على حساب الحقيقة والموضوعية في قراءة الأحداث، الامر الذي راكم التجاوزات والانتهاكات والسلبيات بغطاء سياسي يشرعن للعنف وينحرف كل يوم بالفعل الثوري الى درجة أن تحولت هذه النخب الى مجرد ناطق رسمي لقائد الفرقة وحزب الاصلاح وشرعيته الثورية.
لذا بات من المؤكد أن الثورة الشبابية في بلادنا تعثرت وأُربكت منذ البداية لأمور عدة وفي مقدمتها القفز على الواقع الاجتماعي والسياسي وميتافيزيقا الخطاب الثوري وعدم القدرة على مواكبة الحدث الثوري على مستوى الفكرة والمشروع والتنظيم والقيادة بالاضافة الى تجاوز المضمون الاخلاقي للثورة وقيمها النبيلة وطموحاتها المستقبلية.
النخبة السياسية والثقافية في بلادنا والتي تلوذ بالصمت حالياً، لم تواكب الحدث الثوري بهذه المحددات، ولم تعمل على إنضاجه وإخراجه كحدث وطني تاريخي.
فبالمقارنة مع النخب السياسية والثقافية في تونس التي تخوض حالياً مواجهة شرسة مع قوى ورموز حزب النهضة والجماعات السلفية المتشددة التي ظهرت فجأة في المجتمع التونسي، ظلت هذه النخب بعد رحيل بن علي تعمل على إنضاج الثورة ومسار التغيير على جميع الصعد ومختلف المنابر الاعلامية والثقافية، ولم تترك أية فرصة لهذه القوى أن تعبث وتغير في معادلة التغيير ولم تغض الطرف عن التجاوزات والسلبيات والمحاولات القوية التي تهدف الى هيكلة ليس فقط مؤسسات وكيانات الدولة وإنما أيضاً المجتمع التونسي والوعي المدني المتراكم فيه منذ بورقيبة.
تُرى ماذا عملت النخب اليمنية منذ التسوية السياسية والمبادرة الخليجية؟ باعتبار هذا النموذج هو النموذج الأرقى والأكثر واقعية وموضوعية في إطار ما يسمى بثورات الربيع العربي.. كعادتها لم تعمل على مواكبة الحدث والارتقاء به.. أي لم تعمل على إنضاج التسوية السياسية وحالة الوفاق الوطني رغم أنها أصبحت في موقع القرار السياسي وفي موقع التخطيط والتوجيه والتنفيذ، بل ساهمت في الإخلال بالتسوية السياسية وغضت الطرف كثيراً عن التجاوزات والمخالفات.
سواءً التي ترتكب من قبل قوات الفرقة وميليشيات الاصلاح، أو حتى التي ترتكب من قبل حكومة الوفاق الوطني، هذه حقائق لا مكايدات أو اشاعات أو تصفية حسابات كما كانت هذه النخب تملأ الدنيا ضجيجاً ومغالطات عن طرف واحد هو من يمارس العنف وهو من يفجر أبراج الكهرباء وأنابيب النفط والغاز وهو من يعيق التسوية السياسية ويفشل المبادرة الخليجية من طرف واحد هو من يمارس العدوان في الحصبة وأرحب وتعز وغيرها من المناطق وهو من سلم زنجبار وجعار للقاعدة حتى هي في نفس الوقت فزاعة وقاعدة صالح وحتى أزمة البترول والديزل هي أزمة صالح.
على العموم رحل صالح ورحل قيران ورحل عمار و.... وبقيت الفرقة وميلشيات الاصلاح تمارس الاعتداءات والانتهاكات، وبقي سميع وفساد عقود الطاقة وبقي باسندوة وعشرات المليارات من بدلات السفر وبقي الوجيه ومئات الاقصاءات والتعسفات والعنترة على بناء جامعة حجة.
رحل الجميع وبقي اللواء علي محسن الأحمر متمرداً ومتحدياً للقرارات الرئاسية وناكثاً لعهوده ووعودة التي قطعها على نفسه للشباب بأنه سوف يرحل، وظل في نفس الوقت صمت النخبة حتى أمام مائتي ألف مجند حزبي.