محمد علي عناش -
< تعتقد جماعة الاخوان المسلمين أن مايسمى بالربيع العربي هي ثورات الخير والبركة بالنسبة لهم عندما مكنتهم بسهولة من الوصول للسلطة على أكتاف الشباب العربي المتطلع الى التغيير، وكذلك القوى السياسية الأخرى، غير أن الذي لم تحسب حسابه ومازالت تجهله حتى الآن، وهو الوقوع في فخ السلطة، كون الأمر متعلقاً ببناء الدولة المدنية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتجسيد مبدأ الشراكة الوطنية وتحقيق التنمية الشاملة، وهي قضايا تم التنصل عنها فور وصول الاخوان الى السلطة، وهم الآن يخوضون صراع احتكارها وإحكام قبضتهم عليها.
تستحضرني هنا مقولة لخوسيه ماخوكا -رئيس جمهورية فنزويلا - تقول: «إن السلطة لا تغير الأشخاص بقدر ما تكشفهم على حقيقتهم»، والسلطة بالفعل كشفت الاخوان المسلمين على حقيقتهم كحركة دينية وسياسية تتميز بأنها ذات نزعة إقصائية لكل من هو مختلف معها في الرأي والتوجه، وذات نزعة سلطوية تعتقد في نفسها الكمال والأهلية وامتلاك الحقيقة المطلقة، من هذا ولدت معها وتجذرت لديها منذ النشأة حالة من البراغماتية السياسية والدينية، والقابلية للتأقلم والتكيف مع كل الظروف وفقاًَ لحجم ما تحققه من عوائد ومكاسب خاصة.
هذه البراغماتية والميكيافللية المبكرة لديها، هي من مكنتها أن تتوسع وتتمدد في هدوء، لكن على حساب المواقف الوطنية والقومية النضالية، فرصيدها في هذا الجانب لا يُذكر، حيث ظلت قريبة من الحاكم العربي تمنحه الشرعية الدينية، وتمده بالفتاوى المحرضة على قمع واضطهاد ومواجهة الحركات الوطنية الأخرى.
عندما نشاهد اليوم حالة ضيق الاخوان بشركائهم في الثورات والقمع الشديد الذي يمارسونه على معارضيهم والذي وصل الى حالة السحل، وظهور مشائخ التكفير والتحريم والتحريض على الفتنة من جديد، ليس أمراً مفاجئاً أو غريباً، فحركة الاخوان لا تؤمن بالتعايش والتنوع والقبول بالآخر، فلديها لكل المكونات السياسية والدينية في الوطن العربي من قومية واشتراكية وليبرالية وشيعية أحكام إقصائية وإلغائية جاهزة في معظمها تنطلق من أساس ديني، ومواقفها وأدبياتها تجاه هذه المكونات السياسية والدينية تؤكد حالة الضيق والعداء لهذه المكونات المختلفة معها، فهي إما كافرة أو علمانية أو إسلامها ناقص وعقيدتها فاسدة.
هذا الضيق وهذه الثقافة الإقصائية المأزومة والمتطرفة، لم تكن سائدة في مجتمعاتنا العربية، وإنما كانت هناك مؤسسات دينية كالأزهر والزيتونة تمثل منارات علمية ومراكز إشعاع فكري وحضاري، تقدم الإسلام في أنقى صوره كحامل لرسالة الرحمة والإنسانية والوحدة والسلام، ورسالة عالمية حضارية تحترم التعدد والتنوع وتحترم العقل والعلم وحرية الإنسان وإرادته الحرة، غير أن حركة الاخوان المسلمين لم تأتِ امتداداً لهذه الثقافة الاشعاعية، وإنما لتزحزح تدريجياً هذه القيم، لتقيم على أنقاضها ثقافة إلغائية متطرفة، وخاصة منذ مرحلة سيد قطب وتدفق المهاجرين الى دول الخليج الذين تأثروا بالثقافة السنية المتشددة فيها، لذا لا غرابة أن حركات وجماعات التطرف والارهاب في الوطن العربي والتي وصلت في منتصف الخمسينيات الى أكثر من عشرين فصيل إسلامي متطرف وعنفي، ولدت من رحم الاخوان وتربت في حاضنتها الفكرية والثقافية وخصوصاً في مصر.
كما أن حركة الاخوان هي من تولت عملية تفويج الجهاديين العرب الى أفغانستان لمواجهة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان بتسهيل وتنسيق مع المخابرات الامريكية.
هؤلاء الجهاديون أو ما تعارف على تسميتهم بـ«الأفغان العرب» هم الذين شكلوا فيما بعد وبالتحديد منذ منتصف التسعينيات النواة الأولى لتنظيم القاعدة وكان على رأس هؤلاء زعيم تنظيم الجهاد الاسلامي الدكتور أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة حالياً.
جماعة الاخوان المسلمين أوقعت نفسها في فخ السلطة وهي منذ نشأتها حتى اليوم لم تقدم تصوراً مقبولاً للتداول السلمي للسلطة وللحقوق والحريات المدنية والاجتماعية ولا لنظام الحكم والدولة المدنية ولا للاقتصاد القومي للأمة، بل على العكس فقطاع واسع من قياداتها وأعضائها يرفضون الدولة المدنية ويكفّرونها، كما أنها مازالت ترفع نفس الشعارات التي تقادم عمرها مثل « الاسلام هو الحل» و«حكم الله فوق حكم البشرية» و«الاقتصاد الاسلامي» وإلى الآن لم تعطِ لها تفسيراً أو تأصيلاً نظرياً يؤكد نضجها كحركة سياسية ودينية معاصرة، وإنما الغموض ظل يكتنفها طويلاً، ولم يظهر منها ما يبدد هذا الغموض ويقيم جسور الثقة مع الحركات السياسية الاخرى، حتى بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م والذي وضعها في مأزق غموضها والأجنحة المتطرفة فيها وفي مأزق علاقاتها مع جمعيات ومؤسسات خيرية متهمة بتمويل الارهاب، فدفعتها براغماتيتها الى الانفتاح الظاهري والى الارتماء في أحضان القوى اليسارية والليبرالية والقومية، هروباً من تهمة التطرف والارهاب وتشكيل جبهة سياسية معارضة للأنظمة العربية، غير أن هذه الجبهة تناغمت على المستوى الاعلامي والخطاب السياسي فقط وتقاطعت على المستوى الاجتماعي والثقافي بسبب من استمرار النزعة الاقصائية لدى الحركة وإصرارها على احتكار القيادة الجماهيرية والمحافظة على الجانب الدعوي في المستويات الاجتماعية ...
أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي والتي هي في حقيقتها أقرب الى الانفجارات الاجتماعية التي اندلعت فجأة في وجه الأنظمة العربية، بفعل التراكمات من الأخطاء والتدهور المعيشي والفساد والانتهاكات، لم يكن للاخوان يد في اندلاع الثورات وتحريك الجماهير، فدورها أتى لاحقاً، لتستثمر الخروج العفوي للشباب وبعض القطاعات الجماهيرية والمدنية وتحوله الى حالة جماهيرية منظمة بقيادة الاخوان وتتبنى نفس الشعارات التي رفعها الشباب والتي تتنصل عنها الآن وتتعارض معها بعد أن وصلت الى السلطة.. كان يستوجب على جميع التيارات السياسية والفكرية أن تستوعب طبيعة حركة الاخوان باعتبارها حركة غير ديمقراطية وحركة إقصائية، ولا يمكن أن تكون البديل المباشر لما بعد رحيل الأنظمة، بمعنى أنه كان لابد أن تقيد حركتها في الوصول الى السلطة، كي تعيش فترة ترويض خارج السلطة على الممارسة الديمقراطية السليمة وتحت تجربة حكم مدني يحترم الحقوق والحريات ويؤصل لدولة المؤسسات والنظام والقانون ويهيئ للتداول السلمي للسلطة.