عبدالرحمن مراد -
< منذ 2003م والحزب الاشتراكي اليمني يرفع شعار «لن يمروا» مصحوباً بصورة جار الله عمر على إثر حادث الاغتيال الذي تعرض له جار الله وأودى بحياته في مؤتمر عام للتجمع اليمني للاصلاح، وهاجس الانتقام يبدو خفياً تحت ظلال الشعار وتموجاته.
لا عتب على الحزب الاشتراكي فقد تعرض للكثير من المصادرة والتغييب والاستهداف وكانت حرب صيف 1994م قد تركت تشوهاً نفسياً وبعداً انتقامياً بعد أن توالت حوادث الاغتيالات وتعززت عوامل الإقصاء بالخروج من الشراكة نهائياً وبصورة لا تنم عن وعي كامل بتموجات وحركة الزمن.
مشكلة التجمع اليمني للإصلاح، وهو الشريك الأساسي في الحرب وفي السلطة وحزب الغنيمة من كل تفاصيل الحرب، فقد خرج غانماً ممتلكات الحزب الاشتراكي اليمني وغنم مكانته السياسية وغنم السلطة بعد خروج الحزب الاشتراكي وغنم الاموال الطائلة وأراضي في صنعاء وعدن بآلاف الكيلومترات - مشكلته أنه لا يشعر بحجم الضرر الذي أحدثه أو ساهم في إحداثه في وجدان الحزب الاشتراكي اليمني وفي بنيته.
لقد عانى الاشتراكي من آثار الفتوى الى درجة لا يمكن احتمالها، فالتحريض على الحزب في خطابات الزنداني منذ البدايات الأولى لإرهاصات منجز الوحدة وحتى تعديل الدستور في مطلع التسعينيات وفتاوى مشائخ الاصلاح بإباحة الدم والمال لفساد العقيدة كانت العامل الأساسي في ثنائية (النصر، والهزيمة) في عام 1994م، مثل تلك الملامح الأولى بدأ التجمع اليمني للإصلاح محاولة وأد ما استطاع وأده، فأشرطة الكاسيت المناهضة للوحدة التي كان يصدرها الزنداني من المملكة اختفت وبشكل ملفت للنظر، ومحاولة الإصلاح في نكران موقفه من الوحدة لم تكن موفقة، مثلما كانت تصريحاته الأخيرة النافية للفتاوى غير موفقة، فالتاريخ حين يتعامل مع الأحداث يتعامل معها بمنهجية علمية ولا يمكنه أن ينظر اليها بصورة نقلية كالتي دأب عليها منهجهم.
عامل الهزيمة إذاً كان دافعاً أساسياً وراء استمرار الشعار في ترويسة الصحيفة الناطقة باسم الحزب الاشتراكي، وتكريس الشعار يخلق ضرورته العملية من خلال تغلغل ضرورته النفسية في الوجدان وفي الشعور والتوجه الى درجة الوصول الى الطبيعة المتوحشة كما بدأ يظهر في المواقف الاخيرة للحزب الاشتراكي.
وأقصد محاولة الدكتور ياسين سعيد نعمان الأخيرة والتي هدفت الى تعطيل الحوار من خلال اشتراطات لا يمكن القبول بها أو التضامن معها، فالحزب الذي استطاع أن يشعر بالانتصار من خلال قدرته الفائقة على تفكيك منظومة القوة لخصميه «المؤتمر، الاصلاح»، إذ استطاع تجريد المؤتمر من مفردات قوته وهي «السلطة» واستطاع تجريد مفردات القوة للإصلاح من خلال تعريته وتقليل فاعلية العصبية الدينية في التأثير الجماهيري، وإظهاره كالرويبضة- وفق تعريف الدكتور بدر هميسه في موقع «صيد الفوائد» في موضوع له بعنوان «زمن الرويبضة» حيث قال:
«والرويبضة هم الذين يتصدرون المجالس بل وأحياناً المناصب والولايات فيتكلمون ويتصرفون في أمور الناس دون أثارة من علم، فقد صارت الصدارة لهؤلاء المتفيهقين والمتشدقين الذين يحملون الناس على فتاوى شاذة وغريبة، غاية ما تؤدي اليه الإدبار عن الدين والنفور عن المسلمين».
وقد يلاحظ الممعن والمتأمل أن موجة التكفير لا تنال الا عضوات الحزب الاشتراكي وبتواتر عجيب، ولا نرى أثراً جوهرياً لتلك الفتاوى وتكاد تكون كلاماً عابراً من هنا أو هناك لكنه يتحول الى قضية ويقوم الاعلام بتكريسه، وفي الموازي يتفاعل المجتمع المدني في تنفيذ وقفات احتجاجية، وتعلن التضامنات، ومن ثم يصدر الى المنظمات الحقوقية العالمية ذات التوجه الاشتراكي وتنهال الجوائز وتكون القضية قد نالت حظها الموضوعي وانتصرت.
وما لا يفقهه «الاخوان» أن ما بعد الحداثة في مرتكزاتها النظرية تقوم على مركزية نون النسوة، ولذلك فالمكفرات كنّ نساء ولم يكونوا رجالاً في جل عملية التفكيك التي قادها الحزب وجل النساء نلن جوائز وتذكارات عالمية.
يحدث كل ذلك ورويبضة الاصلاح يساهمون في تنفير الناس وإدبارهم عن الدين الذي يقولون إنهم يحكمون باسمه ويرغبون في نشر حاكمية الله في أرضه بالتمهيد له بالثورات في مناخ الربيع العربي، ومثلما حدثت ثورات الربيع في 2011م ها هي الثورات المضادة في مصر، وبدأت تتهيأ في تونس وهي أقرب الى الانفجار في ليبيا واليمن، لا لأن الاسلام غير قادر على التفاعل مع مفردات العصر وغير قادر على الحكم بل هو القادر، والعجز كل العجز في الرويبضة الذين يتحدثون باسمه وينهجون نهجاً مسيئاً لقيمه وأبعاده الانسانية النبيلة وهم في ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وقد سبق لنا الحديث عن خطابهم الاعلامي وانحطاطه وبما يتضاد مع القيمة الفعلية لهذا الدين.. وكم دعونا «الاخوان» الى ترشيد خطابهم سواءً ما كان في إعلامهم الناطق باسمهم أو ذلك المحسوب عليهم، فما يحدث منهم ليس تعبيراً عن جماعة ولكنه تعبير عن فكر هكذا ينظر اليه لأنهم يضعون أنفسهم موضع المتحدث باسم الله والاسلام، وهنا الاشكالية في خطورة خطابهم لأنه إساءة الى دين تناقض قيمياً وأخلاقياً معه، وإساءة الى أمة لا يمكنها أن تكون بتلك الصورة الأخلاقية التي ظهرت من «الاخوان» في مناخات الربيع والثورات.
مثل ذلك السقوط القيمي والتضاد بين النظرية والممارسة «للاخوان» لم يكن عرضياً بل كان هدفاً لثأر سياسي صادف هوى في النفس، إذ ظهر خطباء جمعة الستين على حقيقتهم الثورية غير النقية فكانوا يحرضون الشباب على الموت والتضحية، في حين خرجوا من تحت عباءة الثورة وهم أكثر ثراءً ويملكون الأسهم والوكالات والمطاعم والقنوات والعمارات والسيارات الفارهة، ومن بقي من الشباب المتأثرين بخطابهم ها هم أمام مجلس الوزراء في اعتصام مفتوح بحثاً عن العلاج، وبذلك فقد تبيّن أن مفردات الإيثار، الجنة، الشهادة، أخلاق الأنبياء،...و...و.. الخ لم تكن إلا أدوات لإثارة العصبية الدينية وأن الله ومحمد والقرآن ليسوا أكثر من كلمات يتشدقون بها حتى غابت المصلحة، فإذا حضرت المصلحة الدنيوية أصبحت كلمات جوفاء دون معانٍ أو قيمة.
هذا الاشتغال على التفكيك قام به الحزب الاشتراكي واقصد أمينه العام الدكتور ياسين سعيد نعمان، وهي قدرة تفوق تصور أولئك الذين فندوا قولي في حواري مع «الجمهورية» أن الحزب الاشتراكي هو الحزب الوحيد الذي انتصر في 2011م لأنه جرد خصميه المؤتمر والاصلاح من مفردات قوتهما، ولعل المعتدين أدركوا حيثيات الفكرة الموضوعية وأدركوا أن الحزب الاشتراكي ثأر لجار الله عمر وثأر لكل كوادره الذين استشهدوا بفتاوى دينية وأثبت وفقاً لشعاره أنهم «لم يمروا» وانتصر على خصميه التاريخيين وهما المؤتمر والإصلاح من خلال تحجيم دورهما وفاعليتهما واستعاد هو جزءاً من حضوره الجماهيري وفاعليته الاجتماعية والثقافية والسياسية.
انتصر الحزب الاشتراكي اليمني وثأر، ونحن الآن على أعتاب مرحلة جديدة يفترض فيها الخروج من دائرة الثأر السياسي والتأسيس لملامح المستقبل الذي يستوعب الكل ولا يلغي أو يقصي أحدا، ولذلك فموقف الدكتور ياسين اجترار للماضي ومكوث في ذات الدائرة وعليه أن يتجاوزها الى دائرة البناء والتأسيس، فالنفي والإقصاء مفردات لا نحبذ حضورها في القاموس الوطني الجديد.. وعلي عبدالله صالح مواطن يمني يسعه وطنه مثلما يسع غيره.