الإثنين, 18-فبراير-2013
الميثاق نت -   د.عبدالرحمن أحمد ناجي ٭ -
بدايةً : أتمنى أن لا يفهم البعض أو يفسر ما سيرد في السطور التالية على أنه بمثابة تطاول أو تجاوز لمقتضيات الأدب لبعض الهامات الأكاديمية التي شرفني الله بأن أتتلمذ على يديها يوماً ما ،أو أن فيه تسفيها أو تحقيراً لآراء أو قناعات البعض من زملائي الأكاديميين في جامعة صنعاء تحديداً ، أو ادعاء بأنني أقف في صف الحق بينما هم يقفون إلى جانب الباطل . ولكنها دعوة لإعمال العقل والمنطق فلعلهم يرشدوني ويهدوا لي إجابات لأسئلة ظلت حائرة في قلبي وعقلي وأبحث لها عن إجابة شافية مقنعة .
فمما يبعث على الأسى والأسف أن بعضاً ممن تتفق كل مكونات المجتمع على أنهم صفوته ورواده ومفكروه يعطون عقولهم وأفئدتهم إجازة ؛ فيدفعوا بها راضين مختارين للتجميد المؤقت داخل ثلاجات ، وكان أولئك قد وضعوا أنفسهم خلال الأزمة التي كادت تعصف بالوطن منذ مطلع العام 2011م أمام خيارين لا ثالث لهما:
الأول :ـ التزام الصمت المطلق والتهرب من تحمل مسئولية إبداء الرأي فيما تمر به البلاد من عواصف وأنواء ؛ بحجة أن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا بعيد ، وأنه ليس أكثر من صراع مصالح بين أطياف اجتماعية وسياسية جمعتهم بالأمس المصالح وفرقتهم اليوم المصالح .
الثاني :ـ انتهاز الفرصة التي بدا لهم أنها باتت سانحة للتغيير في ضوء ما يعتمل في المحيط العربي ، حتى لو كان ذلك التغيير غير مخطط وغير مدروس ولا واضح المعالم وحتى لو أفضى ذلك التغيير إلى دفع الوطن نحو هاوية سحيقة بلا قرار ، وجر اليمن نحو الفوضى بأبشع صورها ومظاهرها ، وبأي ثمن ومهما كان ذلك باهضاً ، وأياً كانت تلك الوسيلة.. وكثيراً ما سمعنا من مثقفين وأكاديميين (لِيَتِمْ التغيير وليحكمنا حتى الشيطان - لا يهم - قابلين بذلك وقانعين راضين مختارين) ، وهو منطق وصولي ميكيافيللي بامتياز .
يا تُرى كيف يفسر ويبرر بعض الأكاديميين بجامعة صنعاء ترحيبهم وموافقتهم أو حتى غضهم الطرف عن وجود ميليشيات مسلحة وآليات عسكرية داخل الحرم الجامعي؟!.
حيث كانت تلك الميليشيات تتكفل بمهمة حراسة البوابات الرئيسة وبوابات الكليات والمراكز البحثية ومختلف المرافق الجامعية واتخذت من بعض المساحات الخالية من العمران مواقع للتدريب العسكري ، وقامت بتحويل بعض قاعات ومدرجات الجامعة والمباني المخصصة لسكن الطلاب القادمين من محافظات أخرى مخازن للعتاد العسكري والذخائر..
خصوصاً أن أولئك الأكاديميين كانوا متفقين مع زملائهم على أهمية مناصرة ودعم المطالبة بعدم عسكرة الجامعة واستبدال الطاقم الأمني التابع لوزارة الداخلية بالتعاقد مع شركة حراسة مدنية، يا تُرى هل تندرج مباركتهم لما كان في الماضي القريب غير متناغم مع رؤاهم وقناعاتهم وأطروحاتهم السابقة في إطار ما يسمونه (التحالف الثوري)؟!، وحاجتهم لرفاق السلاح لتوفير الحماية لهم ممن يصفونهم بالبلاطجة وبقايا النظام؟!
فإن كانوا يصنفون أنفسهم (ثواراً) فإنني مازلت غير مقتنع وأعجز عن تفسير حاجة الثائر لمن يحميه ، خصوصاً إذا كان ذلك المتطوع بالحماية أحد أهم وأضخم أعمدة الفساد، ربما لأن ما أعلمه يقيناً أن الثائر يرحب بتقديم حياته عن طيب خاطر إنْ تطلَّب الأمر - ولو حتى من منطلق : اطلب الموت توهب لك الحياة -وذلك من أجل تحقيق أهداف نبيلة وسامية من شأنها أن تبدل حال وطنه من الأسوأ للأفضل ، فالشجاعة والاستبسال في تقديري من أهم الصفات التي ينبغي أن تتوافر في الثائر.
وإذا كان عامة المعتصمين من الشباب محدودي الخبرة قد قبلوا بمبدأ أن مجرد الانضمام إليهم يكفر عن أي ذنوب للمنظمين إليهم ويطهرهم منها حتى لو بلغت تلك الذنوب ما بين السماء والأرض انطلاقاً من قاعدة أن الثورة تجب ما قبلها ، وأن من ينضوي تحت لوائها يصبح طاهراً من الذنوب والموبقات كيوم ولدته أُمه، وهي قاعدة غريبة عجيبة لم نسمع بها من قبل في علم الثورات ، لذا يمكن تصنيفها ضمن براءات الاختراع اليمنية التي انفردت بها شوارع وساحات الاعتصام اليمانية .
أعود فأقول إذا كانت هذه القاعدة مقبولة ومقنعة لعامة المعتصمين من الشباب محدودي الخبرة ، فكيف لهذه القاعدة أن تنطلي على أولئك الأكاديميين وهم يدركون أن التوبة تقتضي على التائب التطهر من ذنوبه ورد مظالم العباد، فقد يغفر الله ويعفو عن الإساءة إليه من بعض عباده ، أما إساءات البشر للبشر فلا يمحوها أو يسامح فيها إلا البشر أنفسهم الذين وقعت عليهم الإساءة، فكيف بمن وصف ذاته بالرجل الأول في النظام السابق رافضاً وصفه بالرجل الثاني فيه ، فعلى من كانت الثورة المزعومة أصلاً طالما والأمر كذلك .
وكيف يكون التغيير مقبولاً إن لم يكن يسير باتجاه الأفضل ؟! ، وكيف يكون التغيير مقبولاً حينما يكون المهيمن عليه والممول له قوى قبلية متخلفة تمثل الفساد نفسه مجسداً ومتحركاً في قوالب بشرية ؟! .
ألا يستقيم العقل والمنطق السليم في أن الثورة الحقيقية إن شاء الله لها أن تتم فالأولى بالقوى التي تدَّعي الثورية أن تتجه غضبتها وهبّتها (الثورية) صوب تلك القوى المتخلفة.
وأن تجعل من إخضاع تلك القوى القبلية الـمُغرقة في التخلف للنظام والقانون ضمن أولى أولوياتها وأهدافها ، خصوصاً وأن كل أطياف المجتمع اليمني وفي كل شبر من تراب اليمن تدرك تمام الإدراك أن تلك القوى الظلامية المتخلفة هي واحدة من أعظم وأعتى كوابح وموانع الانتقال باليمن نحو الأفضل ، وأن تلك القوى القبلية التي صارت اليوم - وشر البلية ما يضحك - تتزعم وتقود المنادين بدولة مدنية يخضع فيها جميع المواطنين للقانون ، الكبير فيها قبل الصغير ، ويتساوى فيها الجميع أمام القانون ، بينما هي تضع نفسها فوق النظام وفوق القانون ، وترى أن اليمن ملكية خاصة بها تتصرف بها كيفما تشاء .
(*) أكاديمي بجامعة صنعاء
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:31 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-30760.htm