علي ناجي الرعوي - أبهرت صورة اليمنيين الذين خرجوا يوم 21 فبراير 2012م على اختلاف انتماءاتهم وأيدلوجياتهم وميولاتهم الفكرية والسياسية والحزبية لانتخاب الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي
لقيادة المرحلة الانتقالية والتأسيس لجمهوريتهم الثالثة- أبهرت العالم اجمع الذي صفق لتلك الصورة الحضارية التي تلاشت فيها كافة أشكال التعصب والخلافات الخطيرة التي انقسم فيها
الشارع اليمني إلى معسكرين؛ الأول (مع) والآخر (ضد).. ولذلك فمهما اختلفت رؤى المتابعين لمجريات الأحداث في بلدان (الربيع العربي) فقد ظلت صورة اليمنيين وهم يدلون بأصواتهم في
صناديق الاقتراع لصالح مرشح واحد توافقت عليه كل الإرادات عالقة في أذهان الجميع لما اتسمت به من سلمية ووعي وحرص على وحدة الهدف.
وليس خافياً أن الرئيس هادي قد تسلم قيادة البلاد من سلفه الرئيس علي عبدالله صالح في لحظة كان يعلم فيها أن الطريق إلى حلحلة الأزمة العاصفة التي تخيم على اليمن لن يكون معبداً أو
مفروشاً بالورود وان الوصول إلى تشخيص حقيقي للأوجاع والأمراض المستعصية التي أنهكت اليمنيين على مدى خمسة عقود من الزمن ليس سهلاً على الإطلاق.. بل انه من تسلم زمام
القيادة وهو يعلم الكثير والكثير عن تعقيدات الأزمة التي تمر بها بلاده.. فصنعاء العاصمة ممزقة إلى ثلاث مناطق والطرق بين المدن محفوفة بمخاطر التقطعات المسلحة وخدمات الكهرباء
منقطعة عن معظم المدن والقرى والحياة متوقفة بالكامل في ظل الانفلات الأمني وانعدام المشتقات النفطية, ناهيك عن التدهور الاقتصادي وانقسام المؤسسة العسكرية والاحتشاد السياسي
والتصاعد الملحوظ في أنشطة الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة والحرائق المشتعلة في كل مكان والتي كانت تنبئ مؤشراتها بأن اليمن يتجه نحو الحرب الأهلية والسقوط في مستنقع
الفوضى العارمة التي سيتحول من خلالها إلى صومال آخر.
وبقراءة مبسطة فلا يمكن لمنصف أن ينكر أن الرئيس هادي قد نجح خلال العام الأول في إخراج اليمن من عنق الزجاجة ونجح في لملمة قواها ومداواة بعض جراحاتها وإزالة العقبات
والقيود التي كانت تقف في مسارات التسوية السياسية وإقناع كافة الأطراف بالدخول في مؤتمر الحوار من اجل التوافق على استحقاقات المستقبل وبناء اليمن الجديد.. كما لا يمكن لمنصف
أن ينكر أن هذا النجاح كان ثمرة من ثمار الرؤية التي استند إليها الرجل في كل تحركاته وهي التي بنيت على اتجاهين أساسين, الأول داخلي وقد سعى من خلاله إلى تطبيع الأوضاع
انطلاقاً من دعواته المتكررة لكافة القوى السياسية والاجتماعية إلى طي صفحة الماضي والتخلي عن الروح الانتقامية وتصفية الحسابات والتنقيب في الدفاتر القديمة وبدء مرحلة جديدة تعبر
باليمن إلى المستقبل المنشود بقلوب بيضاء وصافية ومتسامحة..
أما الاتجاه الثاني فقد ارتبط بحشد الدعم الإقليمي والدولي لمؤازرة مسارات المرحلة الانتقالية التي حددتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وتأمين المساندة الفنية التي ساعدت على
اختصار المسافات والخروج بمصوغ مقبول وملامس لظروف اليمن والأوضاع المريرة التي أحاقت به خلال الأزمة الطاحنة والتي جاءت حسب وصف الرئيس هادي على خلفيات أزمات
متراكمة ومنعطفات انقلابية متكررة توالت على اليمن منذ أوائل الستينات من القرن الماضي أكان ذلك حينما كان اليمن مشطراً أو بعد إعادة وحدته.
ومع انه لا يمكن تجاهل الإصلاحات التي تم البدء بتنفيذها على المستويين الأمني والعسكري وكذا الخطوات التي تم انجازها على صعيد الإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار, فان هناك من يرى
أن كل هذه النجاحات لن يكتب لها الديمومة والاستمرارية مادمنا نفتقد لمشروع وطني واضح ينقل المجتمع إلى فضاءات جديدة تكفل له التفكير في بناء ذاته وتحديد توجهاته حيال ما
يتصل بشكل الدولة التي يسعى إلى بناءها والدستور الذي يريده حاكماً على الجميع وفاعلاً في كل المراحل وفلسفة الدولة التي تتبناها كل القوى والأطياف السياسية والحزبية والفعاليات
الاجتماعية بغض النظر عن من يكون في السلطة ومن يكون خارجها, فلا نريد فقط أن تختزل القطيعة مع الماضي في الجانب السياسي فيما نظل نجتر الأفكار والمفاهيم القديمة على
الصعيدين الاجتماعي والثقافي, حيث وان مشروع التغيير لا يمكن له أن يتحقق من المنظور السياسي, بل لا جدوى في أية إصلاحات لا تمتد إلى إصلاح الاقتصاد الوطني الذي يعتمد على
مورد أساسي واحد خلق حالة من الإتكالية عند الدولة والمواطن في نفس الوقت, كما أدى إلى ترسيخ ثقافة اتكالية معتمدة كلياً (على الراتب الحكومي) الذي أصبح طموح وهدف معظم
أفراد المجتمع, كما انه لا جدوى لأية إصلاحات لا تشمل إصلاح التعليم وتطوير المنظومة التعليمية وتحويل التعليم إلى أداة لتحقيق الأهداف الكبرى وبناء الإنسان وإعداده الإعداد السليم
الذي نعتقد انه أهم استثمار يمكن أن ترتكز عليه الدولة وتدفع بمواردها للنهوض به باعتباره محور التنمية والوصفة السحرية التي يمكن أن نراهن عليها في بناء اليمن المتطور والمزدهر.
لقد مرت الكثير من الشعوب بأزمات ومعضلات وتحديات ربما تكون أقسى وأصعب بما مر به اليمن ومع ذلك فإنها التي لم تستسلم لواقعها المرير أو تركن إلى الظروف التي تتحكم بها, بل
وضعت لنفسها خارطة طريق استطاعت من خلالها إعادة بناء ذاتها وتعزيز الثقة بين مواطنيها لتشق طريقها نحو العلم والتقدم وتحقيق النمو والتطور من الصفر ولسنا بعيدين عن مثل هذه
التجارب.. كما أننا لسنا اقل طموحاً من تلك الشعوب, فقط ما ينقصنا هو الإرادة والتصميم على مغادرة الظلمات التي أحطنا أنفسنا بها.. وعملياً فان ما حققناه خلال العام الأول من المرحلة
الانتقالية يؤسس لمشروع شامل للتغيير, نتخلص به من معاناة الفقر والبطالة والتخلف والجمود بكل أشكاله.
اخبار اليوم |