فيصل عساج - أقبل الصيف ومعه بدأت أصوات أبناء مدينة تعز تسمع نفس المشكلة المعروفة منذ سنوات »شحة المياه« وجفاف المبادرة المجتمعية لهذه المشكلة.. يبدو أن للإنسان ارتباطاً بما يعانيه أبناء مدينة تعز.. فالمدينة تتمرد كالوحش.. وحارات جديدة تظهر بين شهر وآخر وآبار المياه ومشكلة شحتها تزداد جفافاً..بالأمس تحدث مختصون بهذا الشأن يمنيون وأجانب.. وطرحوا بدائل.. ومازالت »الدباب« فارغة.. عاطشة هي أيضاً وتبحث عن قطرات ماء..
لا مشاريع تحلية.. ولا نجحت السدود في عملية تغذية الأحواض الجوفية.. وتبدو كل الجهات المعنية بقضية المياه مثلها مثل الشبكة القديمة تسرف في استنزاف المال العام في مشاريع غير مجدية.. مثلما تفعل ذلك الشبكة التي تأخذ من الماء الذي يوزع على أبناء المدينة أكثر من النصيب الذي يحصل عليه نصف سكانها..
> إذاً أمامنا اليوم مشكلة البحث عن عدالة التوزيع للمياه بين أبناء حارات المدينة.. تصوروا حتى التداول على المياه غير منصف أيضاً.. ويبدو أن البعض يقسم الدور في التوزيع حسب الرغبات، وفي هذا اجحاف نثق ان الاستاذ القاضي أحمد عبدالله الحجري محافظ المحافظة لن يقبل بهذه القسمة الضيزا وسيتدخل لتوزيع مياه المؤسسة بين حارات المدينة بالتساوي..
فهاهي الدكتورة أروى السيد المغربي تختصر المشكلة والشكوى بقولها: يتزاحم أبناء المدينة رجالاً ونساءً ليس من أجل الحصول على لقمة عيش، بل من أجل شربة ماء.. وبحسرة أضافت: للأسف الناس يبحثون عن شربة ماء منعت عليهم.. ليس المنع رباني.. بل إنه منع بشري.. فيما البعض الآخر تتدفق المياه إلى حاراتهم كالأنهار.. بصراحة لم تخف الدكتورة أروى غضبها وسخطها من مشاهدة بعض فصول المأساة في حارة المظفر التي يختلط فيها الرجال والنساء والأطفال ويتزاحمون للحصول على »دبة« بلاستيكية مليئة بالماء..
فتقول: بعض مسؤولي المؤسسة بدلاً من أن يبحثوا عن حل للمشكلة نجدهم يمنعوا الماء على بعض الحارات وبعض الحارات الأخرى لاينقطع عنهم أبداً..
وتكشف لنا أن تعز القديمة قسمت إلى قسمين:
القسم الأول: الجهة الشرقية والتي يتدفق إليها الماء من كل مكان دون انقطاع، فيما الجهة الشرقية وهي القسم الثاني محرومة من المياه وتتعامل فقط مع الوايتات..
> الأخ أيوب عاصم عاقل حارة اسحاق في مدينة تعز يطالب مسؤولي المحافظة التدخل لوضع آلية مناسبة وعادلة لتوزيع المياه بين حارات المدينة، بعيداً عن المجاملات.. ويقول: لا حاجة لهذه المجاملات ويجب علينا جميعاً أن نشعر بحجم المشكلة والأوضاع الحرجة التي نعيشها من أجل ان نبحث معاً عن حلول لوقف هذه المعاناة..
> بدوره الأخ فيصل الحميري يتحدث عن ارتفاع أسعار وايتات المياه بشكل جنوني خلال هذه الأيام وقال: الماء الذي تحصل عليه حارتنا من المؤسسة مقطوع منذ فترة طويلة وصار الناس مضطرين على شراء الماء من الوايتات، لكن مع ارتفاع حمولة كل »زفة« (بابور) لم يعد بمقدور كل المواطنين الحصول على الماء.. إنها مأساة إنسانية نعيشها والمفروض ان تحصل على نصف ما تحصل عليه بعض الحارات المحظوظة.
> طبعاً أزمة المياه هي نتاج لأزمات التملك غير الشرعي لمصادر تدفق المياه.. فالعديد من المناطق خارج المدينة يعتبرون المياه الجوفية حقاً مملوكاً لهم.. ومستعدون لخوض معارك مختلفة دون أن يحصل أبناء المدينة على مياه شرب من لديهم..
أمر عجيب ان تبلغ معاناة الناس الذروة في المدينة وتظل الشجرة أهم من الإنسان.. الماء في تعز لايدخل في سياق »الناس شركاء في ثلاث« ولهذا سيظل الإنسان سبباً في تفاقم مشكلة الماء في تعز..
> مدير المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي المهندس محمود عبدالولي عندما واجهناه بشكاوى الناس عن التوزيع غير العادل لحصص الماء بين الحارات اعترف بالمشكلة وحمَّل الشبكة السبب.. وقال: في حقيقة الأمر إنه وضع الشبكة فتوجد مناطق أو حارات واقعة على الخطوط الرئيسية للشبكة فلا تنقطع عنها المياه إلاَّ نادراً.. ومناطق لاتصلها المياه إلاَّ في الحالة القصوى لفترة التوزيع..
وأضاف لدينا الآن مشروع اسمه »عدالة توزيع المياه« ندرسه حالياً مع الشركاء الهولنديين والذي نقوم من خلاله بحصر المناطق التي تزود بالمياه من الخطوط الرئيسية وسيتم تركيب محابس فيها لضمان التوزيع العادل للمياه بين حارات ومناطق المدينة..
موضحاً أن هدف المشروع هو توفير المياه لجميع المواطنين بالتساوي عبر توزيع عادل بين المناطق والأحياء..المؤسسة تقوم باستكمال مشروع استبدال خطوط المياه القديمة »الشبكة« والتي يصل الفاقد فيها من إجمالي كمية الإنتاج اليومي حوالي 40٪.. حيث تقدر كمية المياه المنتجة يومياً بحسب مدير عام المؤسسة ما بين (16-18 ألف متر مكعب.. فإذا كان عدد سكان مدينة تعز يقدر بحوالي (550) ألف نسمة فإن ما تحتاجه المؤسسة هو (60) ألف متر مكعب لسد العجز وتلبية احتياج المواطنين إذا افترضنا أن ما يحتاجه الفرد من المياه هو 80 لتراً يومياً..
وتظل مشكلة مياه تعز تفرخ مشاكل.. وتبرز الآن أمامنا صورة عن خطر جديد يتمثل في التوزيع غير العادل لحصص المياه بين أبناء حارات المدينة..
وهنا نكون أمام أزمة ضمائر.. وشعور بجفاف الاحساس بالمسئولية.. وأمام القاضي أحمد عبدالله الحجري محافظ المحافظة نبحث عن توزيع عادل للمياه.. ونعتقد ان المشروع الهولندي للتوزيع العادل للمياه لن يكون بمستوى عدالة القاضي أحمد الحجري..
وتظل المعاناة والمحاباة والمجاملات.. كلها يمكن تجاوزها بمحبس أو لسد الشبكة الرئىسية »بعودي«.
|