محمد علي الجعاشي - لاشك إن تحديد يوم الثامن عشر من مارس المقبل بداية لانطلاق ماراثون مؤتمر الحوار الوطني سيكون يوماً مشهوداً وتاريخياً له ما بعده، ويوم ينتظره الناس بفارغ الصبر، معلقين عليه آمالهم و تطلعاتهم، ليضعوا به حدا لمعاناتهم ومآسيهم المعيشية والحياتية، سواء كانوا في داخل الوطن أو خارجه، فالكل في الهم سواء أو في الهم شرق كما قيل، إنه يوم فيه يقطع الشك باليقين ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وينتهي بذلك دابر الفتن التي عمت اليمن وأزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، بل وتفننت بعض وسائل الأعلام في نشر الفتن وعملت من الحبه قبه، وراحت تنسج حول كلمة صدق العديد من القصص والأكاذيب وكأنهم لم يقرؤا كتاب الله الذي يتوعد فيه الكاذبين وأنهم مطرودون من رحمة الله (الا لعنة الله على الكاذبين).
لذلك فإن انطلاقة مؤتمر الحوار فيه الخلاص للنفوس من القلق والأرق ومن الهموم والكوابيس، وإنهاء كل مظاهر العنف والتشرذم والتفرق، وعودة الأمن والأستقرار ومنح الناس شعورا بالهدوء والطمأنينة، فالحوار أصبح اليوم متلازمة حياتية وآلية حضارية من خلاله يتم التفاهم ومن خلاله يصل الناس الى القواسم المشتركة فيما بينهم، ولنا في القرآن الكريم المثل الأعلى حيث قال تعالى (أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) أي حاورهم باللين وباللطف وبالمحبة وبالمودة حتى يستجيبوا لك، وفي المثل العامي «اذا كبر ابنك خاويه» أي حاوره و اجعل منه صاحب وصديق، كي يستجيب لك ويتفاهم معك، وتتحاور معه بأسلوب مقنع وليس بالعنف والقمع لكي لا ينفر وبالتالي يحصل ما لا يحمد عقباه من عقوق قد يصل في بعض الأحيان الى سلوك منحرف.
فالحوار مبدأ إلهي، فقد حاور الله ابليس بقوله تعالى (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين) فيرد ابليس اللعين بقوله (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) الى أخر الأية.
وحاور الله نبيه عيسى عليه السلام بقوله (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس إتخذوني وأمي إلهين من دون الله، قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق، إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب).
لذلك فإن الحوار والتفاهم هو المدخل الصحيح والأسلوب الحضاري الراقي لحل المشكلات والمعضلات التي تجابه أي مجتمع، بل وحتى على المستوى الأسري، حيث يقول سبحانه وتعالى (فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها)، فعندما يشب النزاع بين الأسرة الواحدة بل بين الزوج وزوجته يصبح الحوار ضروريا لفض النزاع، وعندما يصبح التفاهم مستحيلاً يبرز دور التصالح والتسامح ودور الناصحين المخلصين، عن طريق المحكمين كي يقوموا بدور الاصلاح والصلح بين الفريقين واطفاء النار المشتعله في القلوب وإعادة الأمور الى مجراها الطبيعي لكي تعيش الأسرة على المحبة والوئام لأنها اللبنة الأولى والنواة الحقيقية في بناء المجتمع وإصلاحه والتي ان صلحت صلح المجتمع كله.
من هنا، نجد بأن أية معضلة لا يمكن فك عقدها وحلها إلا عبر الحوار، ولقد ضربت المرأة اليمنية اروع الأمثلة في البذل والتضحية والعطاء، وكان لها باع طويل في طرق باب الحوار، واستطاعت به أن تحل أصعب المعضلات والمشكلات، واستطاعت بالحوار، ان تجنب شعبها واهلها وناسها الحرب والخراب والدمار، ولنا في الملكة السبئية بلقيس اليمانية المثل والأسوة، حيث أنها بحكمتها ودهائها وذكائها وتنازلها عن عرشها وملكها وسلطانها وكل مجدها وثرائها من اجل أن تجنب شعبها حينذاك غزو الجيوش السليمانية الجرارة، عندما قررت ان تفتدي شعبها بروحها ونفسها بالذهاب الى بيت المقدس ومقابلة نبي الله سليمان والتحاور والتفاهم معه وتتلمس العذر لشعبها لكي تجنبه الجيوش الجرارة والذي ستكون خليطاً من الأنس والجان الذين سخرهم الله لخدمة النبي سليمان والذين لا قبل لها أو لشعبها بهم كما قال تعالى (إرجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون).. لقد عز على هذه المرأة اليمنية أن ترى قومها اذلة يساقون اسرى مصفدين بالسلاسل والأغلال وتساق النساء سبايا، فقررت كما قلنا أن تذهب هي بنفسها تفتدي قومها وتجنبهم ما قد يحل بهم من الخراب والدمار والبؤس، فيا ليت العقلاء والحكماء اليوم في اليمن يأخذوا العبرة والعظة من هذه المرأة.
فأين العقلاء والحكماء اليوم في اليمن؟ الذين بعضهم قد اوغل في الخصومة والغل والحقد على ناس هم من اقربائهم وبني جلدتهم واخوانهم وأبناء عمومتهم عندما يصل الأمر حد بحرمان البعض من ارزاقهم ووظائفهم واقصائهم من اعمالهم، فوالله انها اعمال لا تقبل بها الأعراف ولا التقاليد اليمنية العربية الأصلية فكيف برب العزة والجلال الذي يسوؤه أن يتأذى أيما عبد من عباده بشوكة يشتاكها في الطريق، فكيف بمن يسفك الدم ويقطع الرزق ويمتهن فيه اخوه الأنسان ويحتقره في داره وبلده وارضه، لقد رأينا وسمعنا من احداث ووقائع حصلت في البلد تشيب وتقشعر لها الأبدان ما كنا نتمنى ان نراها ونسمعها وما تزال تقع وتحصل حتى اليوم.
لنا وطيد الأمل والرجاء في القيادة وعلى رأسها الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي في قيادة اليمن الى بر الأمان، لأن الله سوف يسأل الجميع يوم القيامة إن هم -لا سمح الله- فرطوا بعقد وحدتهم، وتمزق بلدهم، وتشتت جمعهم، وقطع الصلة بأرحامهم وذويهم، فوحدة الوطن والأمة هي من الأسس المهمة التي بني عليها الأسلام وقامت دعائمه وركائزه، وانتشر في كافة انحاء المعمورة، فمن يفرط بوحدة وطنه وامته كمن فرط في دينه وعرضه، فكيف نستطيع إستعادة مقدساتنا وارضنا السليبة ومجد امتنا إلا بالتوحد، فالوحدة قوة، والقوة أمضى سلاح، لذلك كما أسلفت فإن الأمل معقود بعد الله على الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي وعلى الحكماء والعقلاء حتى لا نكون في موضع مساءلة يوم تبيض وجوه وتسود وجوه على ما فرطنا في حق الله وفي حق الوطن والأمة فيما لوحدث وحصل ذلك عياذاً بالله.. فله خالص المحبه والاحترام والتقدير من الشعب كل الشعب، على صبره وتحمله واناته وحكمته وحلمه، لأن المسؤولية جسيمة وعظيمه، والتي نرجو من كل المخلصين والعقلاء ان يصطفوا جميعا اليوم الى جانبه خاصة وأن المجتمع الدولي جميعه يصطف اليوم معه ويدعمه في اداء مهمته ورسالته وقبل ذلك فهو قد انتخب بالإجماع مباشرة من الشعب لكي يخرج اليمن من المحنة والمأزق ويجنبه ويلات الخراب والدمار.
أخلص إلى القول إن الحوار اصبح اليوم ضرورة ملحة بل هو سفينة النجاة التي يعبر بها الشعب اليمني الى بر الأمان وإلى شاطيء السلام ليبدأ حياة جديدة من الحرية والعدل والمساواة في ظل سيادة النظام والقانون، و قبل أن يحصل الإنهيار لا سمح الله مرة اخرى فيلتحق الجميع ب»عمرو مزيقيا» من جديد، ولكن في هذه المرة ليس هناك من مكان يهاجر اليه اليمنيون في أي مكان من الأرض، فدخول أي شبر من ارض الأخرين لا يكون إلا بإذن ولن يقبل احد بدخول أي شخص ما لم يكن لديه سمة دخول الى هذ البلد او ذاك، فالبحر من ورائكم والحدود مغلقة امامكم وليس لكم والله الا الحوار من أجل حل خلافاتكم والتسامي فوق الجراح واخراج الضغائن والأحقاد من قلوبكم لكي تعيشوا ويعيش ابناؤكم واجيالكم في عزة وكرامة وإباء وسؤدد، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.
* كاتب يمني مقيم بالسعودية
|