الميثاق نت - عبدالرحمن مراد

الثلاثاء, 05-مارس-2013
عبدالرحمن مراد -
يبدو أن السياسة في اليمن تعتمد على الذكاء الحاد واقتناص اللحظة الفارقة، ويبدو أن الأغبياء لا مكان لهم في خارطة السياسة اليمنية.. يذكّرني هذا الاستهلال بقول المستشرقة الألمانية (ساندرا إيفانس): إنَّ صالح لم ينتصر على خصومه السياسيين بسبب ذكائه فقط بل بسبب غبائهم أيضاً، فحين تركوا مواقعهم وتهافتوا على الغنائم ذهب صالح الى ذات المواقع وتحول من مستهدَفٍ من عاصفة التحول والتأسيس القيمي الى صانع للتحول ومؤسس لتقاليد جديدة، ورأيناه حين شغل الناس جمع الغنائم، شغله التجديد والتحديث والتأسيس لبدائل الصراع..
والحق أن صالح قد عمل طوال عشرين عاماً على إحداث متغيرات كبيرة هدفت في جلّها إلى التأسيس والانتصار للحريات وللحق والعدل وللنماء والاستقرار، ولا أظن أحداً ينكر ذلك الا إذا كان أعمى أو صرفه شنآنه عن العدل والحق، ولو عاد الى الحقيقة لكان أقرب الى التقوى.
مشكلة الكثير في هذا الوطن أنهم يجافون الحقائق الموضوعية ولا يكادون يعترفون الا بالأشياء المائلة الى السواد وينكرون فضل أولي الفضل، وهذه الإشكالية تكاد تكون قديمة قدم الإنسان على هذه الأرض، وثمة دلائل تاريخية في المسار التاريخي والثقافي الوطني تومئ إليها، وقديماً قال الإمام الشوكاني إن اليمنيين لا يعترفون لبعضهم بفضل، ولذلك رأينا تأريخ المراحل التاريخية كيف يطمس المنتصر فضل المنهزم ولا يرى له محمدة، وهكذا دواليك سارت كل المراحل وكل حقب التاريخ.
الذين يتحدثون عن الثورة اليوم ويتحدثون عن التغيير والتحديث .. لا نرى لهم من مآثر سوى يقظة ذلك الشنآن المقيت الذي يحاول أن يطمس الرئيس السابق من الوجود ، ولعل أغرب ما قرأت هو ذلك المانشيت لصحيفة «اليمن اليوم» الذي يتحدث عن توكل كرمان في قولها إنها سوف ترحّل المؤتمريين إذا لم يرحّلوا رئيسهم.. والغرابة تكمن في الاشتغال الإعلامي المحسوب على المؤتمر وليس في توكل أو في تصريحاتها.
يبدو أن المؤتمر لم يستفد بعد من أحداث 2011م ولم يستوعب المرحلة ولم يستوعب بعد كيفية التعاطي مع تجلياتها، فالإعلام الهزيل الذي ينكسر عند اللحظات الفارقة ويصنع من الصغائر كبائر لا أظنه يخدم الحزب ومستقبله السياسي.. ومثل ذلك دال على ضبابية الرؤية الإعلامية للمؤتمر.. فتوكل كرمان.. مَنْ تكون؟ وما قيمتها؟ حتى نتفاعل مع تصريحاتها بذلك التعاطي..؟ وكذلك بشرى المقطري.. مَنْ تكون؟ وما قيمة ما قالته في صفحتها.. دع الناس يقولون.. ودعهم يتحدثون بما شاءوا وكيف شاءوا؟ وحاول أن ترسم أنت الطريق؟ وحاول أن تبرز قيمة الحدث الذي صنعته؟
ما يؤسف له أن المؤتمر ينفق الأموال الطائلة على بعض وسائله الاعلامية ويتحاشى الآخر بما يضعف من روح الانتماء ويعمل على النكوص، والأغرب أنه يستقطب الآخر المختلف سياسياً وأيديولوجياً ويهمل صناعة كادره المؤمن به.. هذه الظاهرة التي برزت تحت أقبية المؤتمر قبل الأزمة وبعدها ستكون وبالاً قادماً على المؤتمر إذا لم يتعامل معها برؤية قادرة على الحد منها وقادرة على النفاذ وتجاوز حالات الجمود كما هو عند قناة «اليمن اليوم» الذي لم يجد أحد مذيعيها الا التقليل من قيمة الحدث الاحتفائي بيوم (27 فبراير) ودلت نمطية القناة على عجزها عن إبراز الحدث أو قراءته قراءة صحيحة، ولا أظن تلك القناة وبتلك النمطية وذلك الجمود البرامجي وهشاشة الإمكانات الذهنية لكادرها أن تصمد أمام قناة أقل إمكانات عادية وفنية لكنها تملك عقولاً تحليلية وعقولاً تركيبية تصيغ مفردات الحدث وتعمل على تفكيكه وإعادة تركيبه وفق أسس قيمية وثقافية وبمنطق يعجز الآخر أمامه.
في ظني أن الزعيم علي عبدالله صالح اقتنص لحظة تاريخية فارقة أثبت من خلالها خسران الرهانات على وجوده، وأعلن قوة حضوره، والأدهى من كل ذلك أنه استطاع أن يسحب البساط من تحت أقدام أدعياء التحديث والتغيير، ليعلن المؤتمر من خلال ذلك الحشد الجماهيري الكبير أنه حزب التحديث والتغيير والتأسيس لقيم بديلة من خلال تأكيده على قيمة التقاليد التأسيسية لموضوع التداول السلمي للسلطة .. هذه القيم المثالية لم يستطع إعلام المؤتمر إبرازها وتأكيدها أو الحديث عنها.
لم يتصور خصوم المؤتمر السياسيون أن يظهر المؤتمر بذلك الحضور الحيوي والفاعل، ظنوه أصبح ميتاً وأخذهم الوهم الى أبلغ من ذلك في تصريحاتهم، بيد أنهم صُعقوا حين شاهدوا تلك الجماهير الكبيرة فلم يسع الكثير من أولئك الا القول إن الصورة كانت مدبلجة.
ذكاء الزعيم علي عبدالله صالح كان وراء ذلك الحضور وذلك الالتفاف الجماهيري، ولا أظن (ساندرا أيفانس) جافت الحقيقة حين عبرت عن إعجابها بذكاء صالح الذي ظن الكثير أنه غازل الإصلاح بدعوته إياه الى التسامح والتصالح، وهو من هو في- فجوراً في الخصومة وإيغالاً في الحقد، كما نستبين ذلك من خطابه الإعلامي وغفل الكثير عن إدراك جوهر وحقيقة القنبلة التي فجرها صالح في منظومتهم الثقافية ومنظومتهم القيمية والأخلاقية، فصالح ظهر في كامل قوته الجماهيرية ليعلن رغبته في قيم الخير والسلام والحق والحب رغم كل الجراح التي لم تندمل بعد وهو بذلك يعلن قربه وتمثله للقيم الاسلامية وللمبادئ الاخلاقية الرفيعة التي جاء بها هذا الدين، في حين ظهر خصومه من أدعياء التمكين لحاكمية الله في الأرض صغاراً يتهافتون على غنيمة السلطة وكأن الله عندهم أصبح شعاراً يتاجرون بدينه في الأرض ويبتعدون عن منهج نبيه الذي لو رأى قحطان وهو يتوعد ويهدد بالزحف الى غرف النوم لقال له إنك رجل فيك جاهلية، ولو رأى ردة فعل الاخوان على دعوات الحب والتصالح لقال لهم: تباً لكم من رويبضة تدَّعون الدين وتقعدون عن مثله وقيمه ومبادئه السامية، فالدين المعاملة وليس ما يبدو لنا على تلك الجباه الشاحبة الغائبة عن منهج الله ومقاصده الحقيقية.
المفارقة العجيبة أن الزعيم صالح يدعو الى الحب والسلام من السبعين، و«الاخوان» يدعون الى الحرب والثبور والمحاكمة واليوم الموعود من الستين، وفي ظني لو وقعت الرسالة في أيديهم ودخلوا مكة عام الفتح مع رسول الاسلام عليه السلام لصرخوا في وجوه قريش كفار، فجار، ملحدون، وأعملوا فيهم سيوفهم جزراً وطعناً.. قاتلهم الله، لو كان الاسلام بتلك الصفات لفضلت عليه الكفر، لكنه دين التسامح والإخاء ودين المحبة والسلام، دين الخيرية والنفعية والحياة.
تالله لقد أفسدوا علينا ديننا، فذروهم وما يأفكون.. وتحية لذلك الرجل الإنسان علي عبدالله صالح الذي ناصبته العداء فلم يكن إلا أكثر نبلاً وحباً وسلاماً.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 03:15 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-31007.htm