الإثنين, 11-مارس-2013
الميثاق نت -   عبدالرحمن مراد -
< ما يثير السخرية ويضحك في السياق ذاته هو موقف بعض القوى من التغيير، ففي حين رأيناهم في صف الشباب وسخّروا كل إمكاناتهم في سبيل بلوغ غايات التغيير والانتقال، نجدهم في اللحظة ذاتها أكثر القوى وقوفاً حجر عثرة أمام عجلة التغيير.. ويبدو أن ثمة تبايناً بين الشباب والقوى التقليدية من حيث المقاصد ومن حيث المفهوم،
فالدولة المدنية في مفهومها عند الشباب هي غيرها في مفهوم تلك القوى، والغريب أن تماهي مفهوم القوى التقليدية مع مفهوم الشباب أثناء تموجات الحركة الشعبية كان لغايات التمكين إيماناً بالقدرة على الهيمنة والسيطرة والتحكم في تموجات الحدث، ولعلهم لم يدركوا مستوى التناقض الذي وقعوا فيه ففي حين رأيناهم أكثر إصراراً على اعادة هيكلة الجيش وكم رفعوا شعارات الهيكلة في المسيرات والجُمَع وفي الخطب وفي الإعلام والتصريحات، حتى اذا ما تفاعل القرار السياسي مع هذا المطلب كانوا في الصف المقاوم وعملوا ما وسعهم الجهد على وقف تنفيذ قرار الهيكلة، ولم يكن فعلهم ذلك بذي نفع عليهم فقد كشفوا عن سيقانهم قبل ولوجهم الى صرح السلطة الممرّد، وقبل أن يعوا متطلبات المرحلة واستحقاقها.
ويبدو أن التجمع اليمني للاصلاح وقع في تناقضاته التكوينية، فالجناح القبلي فيه أفسد عليه منظومته القيمية والاخلاقية بسوء التفاعل السلوكي وسوء الممارسة، وجناحه العقائدي وقع في التناقض النظري للعقيدة وأفسد من حيث التداخل بين اليومي والسياسي والتعبدي، فعمامة دحابة ليست مقدسة حتى يتسابق الناس عليها طمعاً في الحور العين، ورفع الأيدي أثناء ترديد الشعار ليس تعبداً حتى يكون من تمام فضيلة الجهاد أو فضيلة العبادة، وتخريجات الزنداني المتناقضة مع مبررات السلفية في عدم جواز الخروج لم يعللها وإنما أرسلها على عواهنها، مما أحدث تصادماً مع مصادر التشريع في أصول الفقه، ومثل ذلك الخروج أوحى بحالات العمة التي لا ترى إلاّ الغاية وتنسى مسالك الفعل وتوافقه ومشروعيته ومبرراته.
والجناح السياسي أوقعه في الفساد صمت الآنسي وسوء تقديره ونقيته وثباته، وتوجس اليدومي وخوفه وحسه الأمني القلق وهو الأمر الذي أشعل النار في مستقبل الحزب السياسي واحترق ولما يصل بعد، إذ لم يزل على مشارف السلطة، واحتفاله في عدن بـ«21 فبراير» كان بمثابة لحظة العزاء الأخيرة سمع فيها قصائد الرثاء وعاد وقد تفككت كل المنظومة التحالفية التي كان يتخذها كمبرر شكلي له في تحقيق مقاصده وغاياته في الحاكمية وفق ما تواضع عليه المفهوم القطبي كإحدى المرجعيات الفكرية للاخوان قاطبة.
ولعل اليدومي قد أدرك غباءه السياسي الآن، وإن لم يدرك فتلك مصيبة، وعليه أن يعترف - بعد أن كابر كثيراً في لقاء له مع «الجزيرة» - أن الرئيس السابق استخدمه في ذاته كورقة من حيث تكليفه بملف الاخوان وتكليفه بالاشراف على صحيفة «الصحوة» التي كانت تصدر مقابل صحيفة «الأمل» في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، واستخدم تياره الذي تماهى في الانتماء إليه بحكم الصيرورة الزمنية وتقديرات الحياة كورقة سياسية تفرضها الحاجة وتنبذها الضرورة السياسية الملحة.
والمتأمل قد يلحظ ذكاء الرئيس السابق رئيس المؤتمر الشعبي في تفاعلات اللحظة الجديدة وغباء غيره من فرقاء العمل السياسي الى درجة وقوع خصومه في مصيدته.. وأظن الذاكرة مازالت تتذكر الجدل حول المنظومة الصاروخية والاشارات الذكية حول الهيكلة، حتى اذا صدر القرار سارع اللواء علي محسن بالترحيب بالقرارات، وطبَّلت وهللت صحف الاصلاح ظناً أن القرارات تستهدف نفوذ الرئس السابق وتشل قوته وفاعليته ولن يسعه إلاّ رفضها ولم يطل أمد الفرحة طويلاً حتى كانت المنظومة الصاروخية تحت إمرة القائد الأعلى للقوات المسلحة بموجب قرار الهيكلة، وكان هناك تسليم وترحيب بالقرارات وتنفيذ أيضاً، وتغيرت المعادلة عند الطرف المتربص من مرحب بالقرارات الى رافض لها.. ومثل هذا الاشتغال كشف حقيقة وجوهر الطرف المتربص بالوطن وتوالت الأحداث واذا بالمؤتمر يستعيد قوته وفاعليته وحضوره ولم يحقق ذلك الحضور الذي امتاز به «يوم 27 فبراير» إلاّ بسبب اشتغاله السياسي المدرك والواعي لحركة المكان وحركة الزمان، وذلك الاشتغال قابله الطرف الآخر بالاشتغال على تقسيم الغنائم، وحين صرفتهم الغنيمة عن استحقاق المرحلة وحاجات التغيير وقعوا في الخطأ السياسي الذي أصاب دورهم وفاعليتهم السياسية بمقتل.
وتفاصيل المشهد الجديد للمرحلة تبدو وكأنها تماثل وتشاكل مع الماضي، فالذين وثبوا على السلطة لا أظنهم يملكون مشروعاً وظنوا الهيكلة تغيير قادة الجيش ولم يدركوا أنها اعادة بناء، وظنوا التغيير شكلاً فقط أي تغيير الأفراد دون أن يمتد هذا التغيير الى المضمون والشكل والهدف والوظيفة.. ومثل ذلك الثبات الذي لا يتفاعل مع حركة الحياة وحركة الزمان والمكان لا أظنه يقاوم عوامل الفناء كثيراً، لأن الحياة أكثر تفاعلاً وديناميكية مع الحركة المتجددة والمدركة لاستحقاق اللحظة.. ولذلك رأينا حين تحولت معارضة الأمس الى سلطة بالتقاسم وبمعيارية توافقية لم تقف حركة المجتمع بل أفرزت معارضة جديدة من قوى لم يكن لها مثل هذا الحضور الكبير والطاغي كالحراك والحوثية، واشتغال المعارضة على استحقاق اللحظة أكثر تناغماً مع وجدان الشارع الذي نراه يتفاعل مع نشاطها المتصاعد، ووقوع السلطة الجديدة في الأخطاء المتكررة عزز بشكل متنامٍ من جماهيرية المعارضة الجديدة.. وما نستغرب له أن دعاة التغيير في الساحات أصبحوا أكثر ثباتاً وولاءً للحظة التاريخية التي ثاروا عليها وأصبح المستهدف من حركة التغيير الشعبية الشبابية هو الفصيل الأكثر تفاعلاً مع التغيير والفصيل الذي يعمل على تكريس قيم جديدة لقيم الصراع والانقلابات والدم.
ما نخلص اليه هو القول إن استحقاقات التغيير تتطلب وعياً كاملاً بضروراته الموضوعية، ووعياً بحركة الزمان وتموجات المكان، أما الثبات، فهو فناء مؤجل، إذ أن كل حركة
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:49 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-31105.htm