محمد انعم -
ها هو خيار العنف يلفظ أنفاسه الأخيرة لتتنفس اليمن مدنها.. قراها.. وشوارعها وتتحرر من مخالب وأنياب ورصاصات قلة ممن لايزالون يعتقدون أن قانون الغاب وأساليب الكائنات المتوحشة يمكن أن تفرض لهم امتيازات جديدة بالسلطة ليهيمنوا على الشعب اليمني من جديد ويصادروا ثرواته ويسلبوا حقوقه ولقمة عيشه.. وان لم يكن لهم ذلك فسيطلقون ميلشيات الموت لتصفية أو ارهاب من يقول «أُفّ».. أو يتحدث عن المواطنة المتساوية.
بالتأكيد اليمنيون وهم يستعدون للجلوس على طاولة الحوار الوطني يؤمنون إيماناً مطلقاً أنهم يدلفون الى مرحلة جديدة من تاريخ تطور مجتمعنا، وليس من الممكن بل ومن المستحيل أن يشاركوا في حوار وطني شامل يعتقد البعض أنه سيجعله أشبه بصفقة مناقصة فساد لتعزيز نفوذهم ومكاسبهم غير الشرعية عبر ترديد شعارات أو من خلال تقمصهم أدواراً بطولية للحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم وسطوتهم ويعاودون ثانيةً سوء استغلال السلطة والثروة والتي بسببهم أوصلوا البلاد الى هذه الأزمة الكارثة.
وحري بنا هنا التأكيد على أن الحديث عن اليمن الجديد لا يمكن أن يكون ذا معنى اذا ظلت تلك القوى هي المحركة للأحداث، فلابد من ازاحتها.. صحيح أن عملية تجاوزها أصبحت مؤلمة وقاسية ومكلفة أيضاً لكنها صارت استحقاقاً لابد منه، خاصة وأن محاولة مقاومة هذا التطور والتغيير باستخدام اساليب القوة قد فشلت، وحتماً ستفشل فشلاً ذريعاً على طاولة مؤتمر الحوار الوطني.. لذا فإن اليمن الجديد والدولة المدنية الحديثة التي يتطلع اليها اليمنيون قاطبة ويراهن الجميع على المؤتمر الشعبي العام لتحقيقها، تعني بالدرجة الأولى تحرير أكثر من عشرة ملايين يمني من الموت جوعاً وانقاذ ملايين الأطفال اليمنيين من بشاعة سوء التغذية التي تعكس فظاعة وجشع قلة ممن استأثروا بالسلطة والدين والتجارة ولا يكترثون لأبناء شعب عريق صار اطفاله يباعون في سوق النخاسة، وبناته يتاجر بهن الى دول الجوار.. فهذا الإذلال والتجويع والاستعباد كان بسبب متنفذين سخّروا الدولة وثروات الشعب وبأساليب الخداع والغدر لتحقيق مصالحهم، وبعد أن ضاق الشعب ذرعاً هرولوا من جديد ليسرقوا أحلام الشباب وتطلعات شعب يتضور اليوم جوعاً..
إن الشعب اليمني يعرف تماماً أبناءه البارين وأعداءه، ولابد أن يختار بشجاعة مستقبله، وأن يكون الحديث عن اليمن الجديد يعبر عن إرادة شعب ينشد الحياة الحرةالشريفة، في وطن يكفل لأبنائه حقوقهم التي أكد عليها ديننا الاسلامي الحنيف بالمقاصد الشرعية في ظل دولة مدنية حقيقية.. نجزم أنه لا مناص من تحقيق ذلك شاء من شاء أو أبى من أبى.. لأن ارادة الشعب توجب على الجميع اليوم الخضوع لذلك وأية مقاومة لن تكون إلاّ انتحاراً غبياً لا أكثر..
سيما وأن استخدام القوة خلال أزمة عام 2011م قد قدمت لنا دروساً وعبراً كثيرة يجب أن يستوعبها الجميع جيداً، خصوصاً وقد شاهدنا المعارك التي تخاض دفاعاً عن المصالح الخاصة لم تتعدَ شوارع في صنعاء العاصمة، وأعمال التقطع في الطرق لم تجاوز حدود محافظتين وربما في مناطق معينة، فيما ظلت الدولة جيشاً وأمناً حاضرة في ربوع الوطن اليمني.