الإثنين, 11-مارس-2013
الميثاق نت -   محمد علي عناش -
< لم تعد تفصلنا إلاّ أيام معدودات قليلة على بدء تدشين عقد مؤتمر الحوار الوطني والمزمع انعقاده في 18مارس الجاري، وبقدر ما يملؤنا التفاؤل في نجاح هذا المؤتمر، بقدر ما تتملكنا المخاوف من فشله، خاصة وأن هناك أطرافاً تعد العدة لإفشاله في حالة اذا لم تتمكن من فرض شروطها وأجندتها على مؤتمر الحوار الوطني، والتأثير على مقرراته ومخرجاته بما يتوافق مع مشروعها ويلبي طموحاتها الخاصة.
كنا قد تطرقنا في مواضيع سابقة الى أهمية وضرورة الحوار الوطني كخيار وحيد للخروج من هذه الأزمة وتجاوز هذا المنعطف الخطير الذي تمر به بلادنا، وهذا يتطلب من جميع الأطراف أن تؤمن بذلك وأن تسعى جاهدة من أجل إنجاح مؤتمر الحوار الوطني والوصول الى مخرجات جادة تلبي طموحات كل أبناء الشعب اليمني في التغيير، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة.
فقضية صعدة والقضية الجنوبية مثلاً هما من القضايا الجوهرية والرئيسية، إلاّ أنهما ليستا كل قضيتنا الوطنية، وليس من المنطق أن نجعل منهما مدخلاً لحوارنا وحلولنا ومعالجاتنا الوطنية، لأن هناك أطرافاً تهدف الى ذلك سعياً منها الى فرض شروط وأجندة معينة ذات طابع مصلحي والتفافي، الأمر الذي قد يدفع بالمؤتمر الى التأجيل أو باتجاه الفشل والتعثر منذ البداية.
بينما غياب وفقدان دولة النظام والقانون، وعدم وضوح هوية نظام الحكم وشكله السياسي، هو القضية المحورية والمشكلة الرئيسية في الوقت الراهن في البلاد، الأمر الذي يتطلب من الجميع الايمان بهذه المشكلة وتحدياتها واستيعاب أولوية بناء الدولة كون الدولة هي بمثابة القطب من الرحى أو محور الارتكاز الذي يتم النهوض عليه بشكل متوازن.
اذاً فالمشكلة الرئيسية التي تواجه بلادنا في المقام الأول لا يمكن أن نختزلها في مشكلة بنائها، وإنما في مسألة بناء وتنظيم الدولة، دولة المؤسسات والنظام والقانون والقضاء المستقل والنظام الديمقراطي العادل والنزيه والمؤسسة العسكرية والأمنية التي تحمي الوطن والشعب وتدافع عن منجزاته وحقوقه وسيادته، لا المؤسسة التي تتبع أفراداً وجماعات وأحزاباً.
لماذا بناء الدولة وإقرار شكل النظام السياسي؟
بكل بساطة، لأن مشاكل البلاد المعقدة والمتعددة لا يمكن أن تعالج من ذات نفسها، وإنما تتطلب من حيث الأساس وجود دولة وطنية مؤسسية عادلة وكفؤة هذا من جانب، ومن جانب آخر، أن برامج التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وما يتواكب معها من تشريعات وتعديلات دستورية مرتبط بشكل رئيسي بشكل الدولة والنظام السياسي ارتباطاً وثيقاً وجوهرياً..
ولإعطاء اجابة واسعة وشاملة لأهمية الدولة وبناء الدولة كوظيفة سياسية واجتماعية واقتصادية وادارية وكعقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، تعالوا نقرأ هنا المسألة ونستوعبها جيداً، من تعريف الدولة للمفكر المغربي «عبدالله العروي» في كتابه «مفهوم الدولة» بقوله: «الدولة هي مجموع أدوات عقلنة المجتمع».
يختزل هذا التعريف المكثف لمفهوم الدولة، منظومة كاملة من الأدوات السياسية والأمنية والتنموية والحقوق والحريات وإشباع الحاجات الأساسية المادية والمعنوية لأفراد المجتمع، هذه الأدوات التي ستؤدي في مجموعها المتحقق والمتناغم الى عقلنة المجتمع، والى الأمن والاستقرار بمفهومه الشامل والواسع.. فالديمقراطية لا يمكن لوحدها أن تؤدي الى الأمن والاستقرار والى عقلنة المجتمع، في ظل غياب الأدوات الأخرى، كما أن الإفراط في عسكرة الدولة لا يمكن لوحده أن يحقق هذه الغاية في ظل غياب الحاجات الأساسية الأخرى.
وعليه فإن مسألة بناء الدولة وصولاً الى اقامة الدولة المدنية الحديثة، ليست كلاماً في الهواء أو مجالاً للمزايدات السياسية، وإنما عملية تراكمية منظمة مرتبطة بما يتحقق عملياً من اصلاحات جذرية وبنيوية في جميع المجالات وعلى أساس الأولويات الجوهرية المتعلقة بتثبيت أركان الدولة وشكل نظام الحكم.
وانطلاقاً من ايماننا المطلق بحتمية بناء الدولة أولاً واستيعابنا المنهجي والعلمي لأهمية وضرورة هذه المسألة وما تمثله من عمق في حلولنا ومعالجاتنا الشاملة الأمر الذي يجعل منها هدفاً استراتيجياً أولياً في مؤتمر الحوار الوطني.
ومن وجهة نظري أن الاجراءات الضرورية العاجلة في الوقت الراهن في اطار مشروع تثبيت محددات النظام السياسي وتثبيت أركان الدولة وبنائها، تتمثل في ثلاثة أركان رئيسية هي بحسب الترتيب كما يلي:
الاصلاحات السياسية.. استكمال هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية وتوحيدها.. إحداث الاصلاحات الجوهرية في الجهاز الاداري للدولة.
هذه الأركان ستحقق مجموعة من الغايات والأهداف المنشودة هي:
1- تثبيت وإقرار الهوية السياسية لنظام الحكم في اليمن كنظام ديمقراطي برلماني أو رئاسي مع اختيار أفضل الطرق الانتخابية التي تكفل لمختلف القوى حق التمثيل بما يتناسب مع حجمها.
2- تحقيق أكبر قدر من الممارسة الديمقراطية النزيهة والتداول السلمي للسلطة.
3- ايجاد مؤسسة عسكرية وأمنية تنتمي للوطن والشعب وتحمي حقوقه ومنجزاته.. وتصون سيادته.. لا مؤسسة تتبع أفراداً وأحزاباً وكيانات ومراكز قوى.
4- تفعيل الدور الرقابي في الجهاز الاداري للدولة وتطوير مستوى أدائه وفقاً للقانون.
5- تطوير وتحديث المؤسسات الحكومية ورفدها بالكوادر المؤهلة والكفؤة والنزيهة.
6- تقليص حجم المركزية الشديدة عبر منح مزيد من الصلاحيات للسلطات المحلية والأجهزة التنفيذية.
7- تقليص عدد الوزارات والهيئات وبما يتناسب ويتناغم مع خطط وبرامج التنمية الشاملة.
8- القضاء على الفساد والمحسوبية عبر تفعيل القانون والضغط على بؤر الفساد ومراكزه الشائعة.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 01:51 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-31119.htm