الإثنين, 22-أبريل-2013
الميثاق نت -    محمد علي عناش -
< معلوم أن جميع شعوب العالم مرت بمراحل متعددة من مراحل تطوراتها الاجتماعية والاقتصادية حيث انتقلت من المجتمع الصغير الى مجتمع العشيرة ثم الى مجتمع القبيلة ثم الى مجتمع الدولة أو دولة المجتمع.
إن الانتقال الى مجتمع الدولة يعتبر أهم حدث وتطور اجتماعي في تاريخ أي شعب من الشعوب، ويتم هذا الانتقال بموجب عقد اجتماعي بين السلطة المختارة أو المنتخبة وبين المحكومين، وأهم مبادئ وبنود هذا العقد الاجتماعي هو توفير الامن والاستقرار للرعية والمحافظة على حقوقهم وحرياتهم وممتلكاتهم مقابل امتثال الرعية للسلطة الحاكمة وللقوانين والتشريعات التي تنظم حياتهم وعلاقاتهم وحقوقهم وتكفل أمنهم واستقرارهم الجمعي.
لأن مرحلة ما قبل الدولة والقانون والعلاقات الاجتماعية المؤسسية هي مرحلة الفوضى التي يسميها الكثير من الفلاسفة وعلى رأسهم الفيلسوف الانجليزي «هوبز» بمرحلة حرب الكل ضد الكل، وهي المرحلة التي تسود فيها الصراعات والحروب وثقافة العصبية ووعي الغلبة والقهر والإذلال للآخر.
من هنا فالعقد الاجتماعي والأمن والاستقرار وقيم التعايش المشترك هي مبادئ أخلاقية وحضارية يجب أن يلتزم بها الحاكم والرعية كمبادئ وقيم مشتركة بينهم، والإخلال بها من أي طرف معناه الخروج من الدائرة الاخلاقية للتعايش في الوعي والسلوك، الى الدائرة الفوضوية القائمة على العصبية وحكم القوة والغلبة.
والكثير من المجتمعات عاشت تجارب مريرة وسقطت فيها الدولة وأنهارت بفعل تجاوز الدائرة الاخلاقية لقيم التعايش وثقافة المؤسسة، أي بفعل الاختلالات الامنية والصراعات المسلحة وبفعل سيادة ثقافة العصبية والقوة والغلبة أو ما يسمى بالهويات القاتلة (القبلية ، الطبقية، الطائفية، الدينية»، فتعود هذه المجتمعات التي تسقط فيها الدولة والنظام العام مرة أخرى الى مرحلة ما قبل الدولة أي مرحلة الفوضى كما حصل في الصومال ويحصل في أفغانستان، وهناك دول عربية مرشحة لهذا السقوط والانحدار بفعل أحداث ما يسمى الربيع العربي مثل سوريا وليبيا وربما اليمن في حال تجاوز الدائرة الاخلاقية لقيم التعايش السلمي في مداولات وفعاليات مؤتمر الحوار الوطني.
إذاً فالوظيفة الأولى والجوهرية للدولة هي تحقيق الأمن والاستقرار بمفهومه الشامل، وفي مقدمة ذلك أمن وسلامة المجتمع من الحروب والصراعات والجرائم والانفلات الأمني والاجتماعي الى غير ذلك من الجرائم والصراعات العبثية والفوضوية التي تهدد حياة وحقوق المجتمع وتدمر مقومات وحدته وتماسكه الاجتماعي.
وإذا كانت القضية الأمنية هي القضية والوظيفة الاولى للدولة، فإنها أيضاً قضية كل أبناء المجتمع بمختلف فئاته وأحزابه ومنظماته المدنية الحقوقية والثقافية والاعلامية، التي يجب أن تلعب دوراً رئيسياً ومساعداً في تحقيق الامن والاستقرار وفي ترسيخ قيم وثقافة التعايش السلمي المشترك وثقافة الدولة والنظام والقانون والحقوق والواجبات وكذا طرق وأدوات تحقيقها وكفالتها.
أهمية هذه المسألة تكمن في الحفاظ على النظام العام من الانهيار ومن أجل توفير المناخ الآمن للاستثمار وتحقيق التنمية والمواطنة المتساوية والدفاع عن حقوق الأفراد وحرياتهم وصون كرامتهم من الانتهاك والتسلط والتطاول والاعتداء.
فبعد صدور القرارات الرئاسية المتعلقة بإعادة توحيد الجيش، نحن اليوم أمام فرصة تاريخية حقيقية كي نصنع معجزة التغيير وبناء الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون والمؤسسات، فلم يعد هناك أي مجال للمراوغة والمزايدة أو للتهرب من استحقاقات اللحظة الوطنية، وليس هناك أي ادعٍ لاستمرار التحالفات النفعية التي تسعى الى تحقيق مزيدٍ من المكاسب والمصالح على حساب الوطن وعلى حساب الفرصة التاريخية السانحة لإنجاز وتحقيق حلم التغيير والبناء الوطني والديمقراطي، وإنما المطلوب تحالفات القوى الوطنية المتحررة من مرجعيات ثقافة الإلغاء والضيق والتطرف والغلبة لأن هذه القوى هي الحامل الرئيسي للدولة المدنية ولثقافة التعايش السلمي والنظام والقانون والحامل الرئيسي للمشروع الوطني الناهض، كما أنها الجبهة التي ستفشل محاولات القوى التقليدية والانقلابية التي تهدف الى السيطرة على الحكم وعودة عقارب الساعة الى الوراء وإيقاف عجلة التغيير التي تحركت الى الأمام، لأن هذه القوى تتعارض مصالحها مع مشروع التغيير ومع دولة المؤسسات والنظام والقانون، وتجربتها في حكومة الوفاق الوطني كشفت توجهاتها وأهدافها الحقيقية، كما أن أداءها في مؤتمر الحوار الوطني كشف ايضاً أنها كيف تفكر وما تهدف اليه.
هذه المرحلة بطبيعتها وما ستحمله في طياتها من إجراءات وقرارات ومهام تضع الجميع في حالة اختبار حقيقي أمام قضية التغيير واستحقاقاته المستقبلية، ومؤتمر الحوار الوطني بمخرجاته الوطنية التي تستلهم جميع أبعاد واتجاهات المشروع الوطني ليمن جديد ومستقبل مزدهر، هو الذي سيتوج انتصار تطلعات وأحلام الغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني، وهو الذي سيرتقي بلحظة التغيير من حالتها الضبابية الى حالتها الواضحة والجلية.
لذا فالذين تبدأ أجندتهم الضيقة داخل مؤتمر الحوار، ويبدأ خوف شديد ينتابهم من مخرجاته الوطنية التي ستفضي الى دولة المؤسسة والقانون، سيحاولون إرباك المشهد ليس فقط بخطابهم السياسي والاعلامي الذي أخذ يتهاوى أمام الواقع وحقائقه الواضحة، وأمام الاستحقاقات الوطنية الراهنة، وإنما أيضاً بالممارسات التأزيمية هنا وهناك، والإخلال بالأمن والاستقرار، كما حدث في حجة باحتلال قلعة القاهرة الأثرية وبعض المواقع العسكرية كحصن ظفر، والاستهداف المكثف لأبراج الكهرباء في أكثر من منطقة، وما يحدث في محافظة تعز تجاه المحافظ الاستاذ شوقي أحمد هائل الى غير ذلك من الممارسات وماسيستجد في هذا الإطار.
إذاً مطلوب من الجميع وفي المقدمة الرئيس عبدربه منصور هادي والقوى السياسية والثقافية ومؤسسات المجتمع المدني التعاطي مع المرحلة بجدية وبتفاعل ناهض، وعدم الغموض أو الترحيل للقضايا، مطلوب مواقف وطنية واضحة وخطاب سياسي وإعلامي جديد ينطلق من القاسم المشترك للحظة التغيير التي أصبح يؤمن بها الغالبية العظمى.


تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:27 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-31805.htm