إعداد/ عبدالفتاح الأزهري -
لم تكن زيارة الزعيم علي عبدالله صالح إلى عدن يوم 29 نوفمبر 1989م، إلاّ تواصلاً لنضاله الوحدوي الطويل، مثلما كانت كلماته وأحاديثه التي أكدت على حتمية تحقيق الوحدة اليمنية أثناء تلك الزيارة، امتداداً لصرخته المدوية في بيانه السياسي يوم توليه مهام الحكم في 17 يوليو 1978م: «إننا عازمون على تحقيق حلم الشعب.. حلمنا جميعاً في الوحدة اليمنية المباركة..»:
- مع وصول الزعيم علي عبدالله صالح إلى سدة الحكم، وانتخابه رئيساً للجمهورية من قبل مجلس الشعب التأسيسي في 17 يوليو 1978م، أظهر القائد دهاءً سياسياً وتماشياً عقلانياً ورؤية ثاقبة وواقعية في معالجة القضايا الوطنية الكبرى.. فهو الذي أخرج قضية الوحدة اليمنية من دوامة الصراعات والمزايدات والأبراج العاجية للأنظمة السابقة الى السياق العملي، وتميز بالقدرة على إحياء الاتفاقيات الوحدوية وإخراجها الى النور بتجسيد مضامينها في الواقع العملي. وبرهن القائد الوطني علي عبدالله صالح أنه من القادة الاستثنائيين في تاريخ اليمن الذين يراهم المتفرسون والمتوسمون مجللين بتاج الزعامة.. وتأكد الايمان باستحقاقه لمنزلة الزعامة الوحدوية التاريخية، عندما استطاع بعبقريته الفذة وعمق فكره المستنير أن يوظف عناصر الوحدة الوطنية في مصهر منهجيته الوحدوية يستلهم منها طرائق عمله ويجسد مضامينها وإرادتها بقوة إيمانه العميق بها، فكان بحق رمزاً وحدوياً لم يعهد تاريخ اليمن مثله، ولم نعهد أن بلغ أحد من الذين تولوا الحكم قبله، هذه المرتبة العليا للزعامة التاريخية التي تبوأها. عبقرية الزعيم علي عبدالله صالح تتجلى في مرونته وعقليته المتماهية مع المستجدات والمعطيات التي تحملها المراحل المتعاقبة، فلم يكن من المتشددين أصحاب المواقف الماضوية المتحجرة.. بل ظل يعمل مواكباً لكل التطورات والمتغيرات التي طرأت على الداخل والخارج وعلى الشعوب والأوطان.. فكان الزعيم يرى مع كل مرحلة جديدة من التطور، ضرورة الحاجة لإعادة تحديد الأولويات في التفكير الوطني الوحدوي ومناهج العمل، ومن هنا عمل على غربلة حصيلة تجارب السنوات الماضية وتقييم المواقف والتجارب السابقة التي أثبتت استحالة إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بالقوة المسلحة أو بفرض الأفكار والرؤى لطرف على الطرف الآخر، والانطلاق في توجهه الوحدوي المتأصل في فكره وفلسفته من حيث انتهت الجهود والاتفاقات السابقة بابتكار صيغ وأولويات العمل الوحدوي للمراحل اللاحقة.
ثقة وإرادة
وبإصرار المؤمن بقضية شعبه خاض الرئيس علي عبدالله صالح معمعة النضال الوحدوي ليحقق نجاحات كبيرة ويقطع أشواطاً طويلة نحو إنجاز الحلم الوحدوي التاريخي العظيم.. وبعزيمة القائد المقدام امتطى صهوة السِفر النضالي الوحدوي.. حيث توجه الزعيم الى عدن عام 1981م، أي في سنواته الأولى في الحكم، حاملاً همه الوطني الكبير، وسط ظروف عصيبة ومخاطر كبيرة، ومؤامرات داخلية وخارجية تستهدف الإبقاء على الوطن ممزقاً والإيغال في تمزيقه.. لكنه لم يأبه لشيء، وكأنما تلاشت كل تلك المخاطر المهولة.. قياساً بالهدف العظيم الذي يسعى لعناقه.. وكانت ثمة قوى مافتئت تعلن تصريحاً وتلميحاً بأن الثمن سيكون كبيراً وفادحاً يصل الى استهداف حياته إذا ما تمادى في نضاله يمخر عباب التحديات ويتقدم بقوة وثقة الى تحقيق حلم شعبه المتمثل بإعادة تحقيق الوحدة. وواصل القائد الوحدوي التاريخي علي عبدالله صالح نضاله الدؤوب الى جانب قيادات الشطر الجنوبي وفي مقدمتهم عبدالفتاح اسماعيل، وعلي ناصر محمد، وعلي سالم البيض، في تحقيق الخطوات الوحدوية المتواصلة وتقدم بشموخ ليعقد لقاءه بقيادة الشطر الجنوبي في مدينة تعز في 16 ابريل 1988م، حيث تم الاتفاق على تكليف سكرتارية المجلس اليمني الأعلى بإعداد البرنامج الوطني لمشروع دستور دولة الوحدة وإحالته الى مجلسي الشعب والشورى في شطري الوطن.. كما تم الاتفاق ايضاً على إحياء لجنة التنظيم السياسي الموحد المنصوص عليها في المادة (9) من بيان طرابلس .. وبعد عدة زيارات ولقاءات بين قيادتي الشطرين، وصل الزعيم التاريخي علي عبدالله صالح الى المحطة الأهم في عدن في 29 نوفمبر 1989م، وبعد محادثات ومشاورات اتسمت بالسخونة حيناً والليونة حيناً آخر، تم التوقيع ليلة 30 نوفمبر 1989م، على اتفاق عدن الوحدوي التاريخي.. الذي كان بمثابة الأساس للبناء الوحدوي المتكامل، والذي اكتمل فعلاً عندما توجه الزعيم بزيارة عدن، ومن هناك أعلن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.. الحلم العظيم الذي طالما راود شعبنا وأصبح حقيقة يعانقها ويستظل تحت رايتها.. راية الجمهورية اليمنية الوليدة التي ارتفعت ترفرف عالية في الآفاق يوم الـ22 من مايو 1990م المجيد والخالد أبداً في ذاكرة الشعب والأجيال المتعاقبة..
فلسفة واقعية
نعم لقد كانت الوحدة اليمنية هاجس الزعيم علي عبدالله صالح وهمه اليومي منذ بواكير تسلمه للسلطة، لكن أيضاً بدخوله وانضمامه للمؤسسة الوطنية العسكرية بدأ يتبلور عنده هذا الوعي الوطني أكثر وأكثر وبدأ يتعرف على الرعيل الأول من المناضلين. وهنا في المؤسسة الوطنية تكونت في وعي موحد اليمن ثلاثية «الثورة والجمهورية والوحدة». وبالوقوف سريعاً عند مفهوم الوحدة في فكر الزعيم نجد أنه يتمحور حول مفاهيم أساسية وفلسفة وطنية تعبر عن رؤى موضوعية لفكر الزعيم بعيداً عن المزايدات وتستجيب للواقع وتغييراته دون المساس بجوهر القضية الوحدوية.. منها على سبيل المثال: - الوحدة قضية شعب ولا تخص زعامة بعينها. - لا سبيل للوحدة إلا بمزيد من الحوار ولن تتحقق الوحدة إلا بالاندماج الكامل والسلمي - الوحدة هدف ثوري وثمرة من ثمار نضال الشعب اليمني - قيمة الوحدة في التطور السياسي في الديمقراطية والمشاركة الشعبية الواسعة في الحكم. لقد ظل الزعيم علي عبدالله صالح ومنذ بدايات توليه الحكم وإدارة الدولة ملتزماً بالحوار والحوار وحده نهجاً للتعامل مع كل قضايا الوطن الكبرى.. وبالحوار استطاع مع رفقائه في الشطر الجنوبي تحقيق حلم الشعب بإعادة وحدته العظيمة.. وبذات النهج استطاع الزعيم تعميق الممارسة الديمقراطية وترسيخ آلياتها بعد قيام الوحدة في 22مايو 1990م، وجعلها سلوكاً عاماً وأكد عليها الدستور والقوانين المنبثقة عنه.. وبالحوار أمكن للزعيم إدارة شؤون الدولة والأزمات بحكمة وتبصر وجنب اليمن الكثير من المشاكل.. وقد ظهر ذلك في مواجهة أزمة محاولة الانفصال وتعزيز الجبهة الداخلية.. وتجاوز تبعات الحرب الأهلية.. وإصدار قرار العفو العام.. وبالحوار أزاح الزعيم حالة العزلة التي نأت باليمن عن محيطيه العربي والدولي قبل وبعد إعادة تحقيق الوحدة الخالدة وبالحوار حل مشكلة جزر حنيش وأغلق ملف الحدود مع الأشقاء.. لقد كان الزعيم علي عبدالله صالح على قدر ومستوى تطلعات وآمال الجماهير في تحقيق الوحدة، والتي توافقت ضمن أفق ورؤى يدركها أكثر من غيره ممن حكموا اليمن في الشطرين التي كانت تخلط بين رؤيتها الخاصة وبين التعبير عن مصالح جماهير الشعب.. هكذا وعندما ظهرت قرون الشيطان في أزمة 2011م مثل نهج الزعيم قارب النجاة للحفاظ على الوحدة وإخراج اليمن من الأزمة وسيظل الحوار هدفاً استراتيجياً نبيلاً عبره حقق الزعيم لشعبنا مكاسب تاريخية ستظل خالدة في ذاكرة الأجيال وفي أنصع صفحات تاريخ اليمن