الإثنين, 27-مايو-2013
الميثاق نت -    عبدالرحمن مراد -
مرّ يوم (22مايو) باهتاً وفاقداً لقيمته ومعناه، حتى الاحتفاء به لم يكن بالمعنى والقيمة التي كان عليها في سالف عهده من سنينه الخوالي، الحال بطبيعتها تتغير وتتبدل، ولكل زمان دولة ورجال، هذا هو حال الدنيا بيد أن الاشياء تفقد قيمتها كلما أخذنا الزمن في حباله وكلما دارت عجلة التكنولوجيا. لقد وقفت ذلك اليوم على طلل (22مايو) وتخيلت نفسي كجدي امرئ القيس الكندي، أبكي وأستوقف كل المارين كي نندب حظ هذا الوطن العاثر الذي كلما توحّد حنّ حنين الإبل الى الانفصال، وكلما انفصل حنّ حنين العاشقين الى الوحدة، وهكذا هو دواليك منذ نشأة دولته التاريخية الى لحظته التاريخية المعاصرة، فالمكربيون - أي الملوك الذين وحدوا اليمن في الدولة القديمة - وفق إحصائية لأحد الباحثين، بلغوا أكثر من خمسين مكرباً - موحداً.. ومعنى ذلك أن اليمن عانت من الانقسام والتجزئة أكثر من خمسين مرة في تاريخها القديم ثم توالت عليها الأحداث بين الوحدة الجغرافية والسياسية وبين التعددية، الى عام 1914م حين قام العثمانيون والبريطانيون بترسيم الحدود وأطلق البريطانيون مسمى الجنوب العربي على الجزء الجنوبي الذي يقع في نطاق سيطرتهم وأصبح على الهيئة التي كان عليها قبل الوحدة، في حين أنه قبل الاستعمار كانت الانقسامات السياسية تأخذ أبعاداً متعددة ومتداخلة في الجغرافيا، فمخلاف المعافر مثلاً - في حقب التاريخ الاسلامي- كان يمتد جغرافياً من العدين الى عدن أو من عدن الى العدين، والدويلات التي نشأت كانت تمتد في الجغرافيا التي تستطيع الوصول اليها، كل دولة حسب قوتها وقوة نفوذها. ومع مرور أكثر من عقدين من التوحد المعاصر والذي قاده المكرب اليمني علي عبدالله صالح، مايزال شبح الانقسام يطل برأسه لكنه هذه المرة يختلف عن أي نموذج تاريخي سواءً من حيث التوحد أو من حيث الانفصال، فالجغرافيا التاريخية لم تكن تأخذ بعداً جهوياً أو محدداً ولكنها كانت تتداخل تداخلاً نسيجياً، لذلك لا يمكننا أن نصف ما حدث في حقب التاريخ بالانفصال، فالتعبيرات السياسية كانت تنزع نزعة تسلط وتقهرها القوة والنفوذ في بعض الأجزاء من الجغرافيا الوطنية، كما أنها كانت تعتز بالانتماء الحضاري وبالهوية التاريخية والثقافية، ولم تقل بنفي الهوية مطلقاً.. وجلّ الخوف أن تتمسك حركة الانفصال بالمحددات الموضوعية التي أطلقها الاستعمار مطلع القرن الماضي بقصد فصل المنطقة المستعمرة عن هويتها الحضارية والتاريخية، وهو ذات الشعار الذي يتفاعل معه الحراك حين يقول بنفي اليمنية عن الجنوب والقول بـ«الجنوب العربي»، ودلالة مثل تلك النفسية والاجتماعية قد لا تخفى، فشعب الجنوب يعاني من حالات قهرية جعلته يهرب الى نقاط يرى أنها كانت مضيئة في التاريخ من حيث الشعور بالقيمة والمعنى والشعور بالقوة الذي كانت تمثله الدولة، فالرمزية هنا دالة على الفراغ، فراغ الشعور بالقوة/ الدولة، والهروب الى تلك النقطة هو من أجل الشعور بالحضور وبالامتلاء.. والمشكلة التي تجعلنا في قلق وخوف هي تمكن الشعار من اللاوعي وتداخله مع التكوين النفسي والاجتماعي، وهو الأمر الذي ستكون نتائجه في المستقبل أكثر من حجم كثافته في الحاضر، وسواءً انفصل الجنوب أو ظل في إطار الدولة الواحدة فإن الشعارات السياسية التي يهرب إليها السياسي بوعي في حاضرة ستهدد الاستقرار والامن في غياب الوعي في المستقبل. ما نحبذ قوله ان حضور الذات في الفعل السياسي بتلك الكثافة سيعمل على تهديد المستقبل الوطني، وعلى أولئك - صناع التاريخ الدامي والمتصارع- أن يقفوا في نقطة محايدة ويتركوا اليمن يصنع تاريخه الحديث ويحدد معالم مستقبله.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 10:00 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-32350.htm