د.علوي عبدالله طاهر -
إن الانسان اجتماعي بطبعه، فلا يستطيع أي شخص أن يعيش لوحده فكل فرد لا يحيا إلاّ في جماعة، هكذا شاءت إرادة الله حين خلق الانسان، فقد جعل الخالق عز وجل من خصائص الانسان أن يعيش في جماعة، ومن طبيعة الجماعة الانسانية أن يرتبط أفرادها بعلاقات متنوعة تربط بعضهم بعضاً، على شكل دوائر متداخلة، تبدأ بالدائرة الأولى، وهي الأسرة، ثم تتسع هذه الدوائر حتى تشمل المجتمع كله، الذي ينتمي إليه الفرد، وقد تتسع لتشمل الانسانية كلها.
ومن طبيعة الجماعة الانسانية احتياجها لحاكم يقيم نظامها الاجتماعي، ويمنع عدوان بعض أفرادها على بعض، من أجل ذلك ظهرت الحاجة في المجتمعات المتحضرة الى الحكومة، ومن أجل ذلك أيضاً صارت الحكومة عاملاً أساسياً لتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع، لأن المجتمع بحاجة الى سلطة تضبط فيه النظام وترعى شئون الأمن، وتحقق العدالة بين الناس، وتحمي البيئة من التلوث وتقاوم الأوبئة وتكافح الأمراض المعدية، وغيرها من المسئوليات.
وتنشأ بين الحكومة وأفراد المجتمع التزامات في صور حقوق وواجبات، حتى تكون المسئولية مشتركة، أي أن المسئولية مسئولية اجتماعية، فإذا قام كل فرد في المجتمع بمسئوليته فمعنى ذلك أن المجتمع قام بما عليه من مسئوليات وأدى ما عليه من واجبات.
فإذا كانت الحكومة مثلاً مسئولة عن ضمان صحة أفراد المجتمع فإنها ممثلة بهيئاتها مسئولة عن اتخاذ الاجراءات الوقائية لحماية الناس من الأمراض الوبائية، فهي مسئولة عن توفير اللقاحات اللازمة لإكساب الجسم المناعة ضد الأمراض الشائعة، ومسئولة كذلك عن عزل المرضى المصابين بالأمراض المعدية، حتى لا يختلطوا بالأصحاء فينقلون المرض الى المخالطين لهم، ومسئولة أيضاً عن إصحاح البيئة بتوفير المياه النظيفة الصالحة للشرب، ومسئولة عن تنظيم أعمال المجاري والتخلص من الفضلات وجمع القمامة ومراقبة الأغذية الفاسدة وفحص الحيوانات المذبوحة للتأكد من خلوها من الأمراض التي قد تصيب الإنسان، ومسئولة عن اجراءات الحجر الصحي في الموانئ البحرية والجوية للتأكد من سلامة الداخلين الى البلد من المسافرين وخلوهم من الأمراض المعدية، ومسئولة عن تنظيف الشوارع والحارات وردم البرك والمستنقعات للقضاء على البعوض وغيره من الحشرات.. غير أن مسئولية الحكومة لا تنفصل عن مسئولية أفراد المجتمع، فالمسئولية جماعية.
إن المواطن الصالح هو الذي يلتزم بواجباته تجاه أفراد المجتمع، ولا يتخلى عنهم عندما يكونون بحاجة الى مساعدته.
والمواطن الصالح هو الذي يتعاون مع أفراد مجتمعه في السراء والضراء، ولا يتخلى عنهم وقتما يكونون بحاجة الى مساعدته، وهو الذي يبادر دوماً لعمل الخير، ويتصدى باستمرار لأعمال الشر.
والمواطن الصالح هو الذي يبارك كل بادرة طيبة يقوم بها بعض أفراد المجتمع، ويساند كل جهد مثمر لصالح المجتمع، ويتعاون مع كل شخص لخدمة المجتمع، وهو الذي يساهم في الأعمال الخيرية التي يستفيد منها المجتمع.
والمواطن الصالح هو الذي يتعامل مع بقية المواطنين تعامل الأخ لأخيه، باعتبار ذلك واجباً دينياً يحثه عليه ديننا الاسلامي الحنيف، واستجابة لقوله تعالى: »إنما المؤمنون اخوة« »الحجرات:٠١« وبمقتضى الأخوة الاسلامية ينبغي على كل فرد أن يراعي مصالح الناس ويحافظ على حقوقهم وأموالهم وأعراضهم، لأنهم بالمقابل سيحافظون على حقوقه وأمواله وعرضه.. وبمقتضى الأخوة الاسلامية ينبغي على كل فرد في المجتمع أن يتحمل مسئوليته الملقاة على عاتقه تجاه الآخرين بأمانة ونزاهة واخلاص وتجرد من المصلحة الخاصة، بل وتغليب المصالح العامة.