الإثنين, 28-مايو-2007
يحيى‮ ‬علي‮ ‬نوري -
روتين إداري عقيم مازال يخيم على الجهات الرسمية بلا استثناء لم تتمكن بعد من القيام بتنظيم العلاقة بينها وبين مرتاديها من أصحاب المصالح ولم تحرك ساكناً باتجاه ازالة كافة العوائق التي تقف حائلاً دون إنجاز الأعمال من خلال إصلاح بيئتها الادارية، وأن تعمل على تقديم‮ ‬نفسها‮ ‬كجهات‮ ‬قادرة‮ ‬على‮ ‬المواكبة‮ ‬وتحسين‮ ‬الاداء‮ ‬الاداري‮ ‬وعلى‮ ‬مستوى‮ ‬كافة‮ ‬جوانب‮ ‬منظومتها‮ ‬الادارية‮.‬
»الميثاق نت» كان لها أن رصدت مشاهد معاناة العديد من المواطنين الذين يعانون من الاجراءات المطولة التي فرضها عليهم الروتين الممل ومدى ما يتكبدونه جراء ذلك من تضييع للوقت والجهد في إنجاز مراجعات قد لا يستغرق انجازها ساعة أو ساعتين من الوقت وليس أسبوعاً أو أكثر- كما‮ ‬أكد‮ ‬لـ‮«‬الميثاق نت» ‬بعض‮ ‬مرتادي‮ ‬عدد‮ ‬من‮ ‬الجهات‮ ‬الغارقة‮ ‬في‮ ‬مستنقع‮ ‬الروتين‮ ‬الاداري‮.‬

مشاهد
أبرز المشاهد التي يلمسها الزائر لأول وهلة أن كل جهة لا تتمتع بنظام اداري ينظم العلاقة بينها وبين مرتاديها على سبيل المثال عدم وجود مكتب استعلامات يرشد الزائر الى الكيفية التي تمكنه من انجاز ما جاء لأجله، كذلك عدم وجود اشارات أو ما يمكن أن نسميه هنا بالأدلة التي تعرف الزائر بكافة المكونات الادارية ومسمياتها المختلفة من قطاعات وادارات واقسام ووحدات.. الخ من الأسماء وعلى مستوى كافة طوابق المبنى والذي قد يزيد لدى بعض الجهات عن ستة طوابق أو أكثر.. كما يلاحظ عدم وجود الارشادات في واجهة العديد من الادارات الأكثر جذباً لأصحاب المصالح كأن يتم خلال ذلك تحديد الاجراءات التي ينبغي على صاحب المصلحة القيام بها لانجاز معاملته، اضافة الى ذلك العشوائية في توزيع الادارات والأقسام، وبصورة جعلت هناك ادارات متقاربة جداً تختلف في طبيعة مهامها ومسئولياتها الأمر الذي يضع الزائر أمام‮ ‬حالة‮ ‬من‮ ‬التخبط‮..‬
أيضاً‮ ‬عدم‮ ‬وجود‮ ‬ادارات‮ ‬محددة‮ ‬تعنى‮ ‬بمهمة‮ ‬المتابعة‮ ‬المستمرة‮ ‬لانجاز‮ ‬الطلبات‮ ‬المقدمة‮ ‬الى‮ ‬هذه‮ ‬الجهات‮ ‬وخاصة‮ ‬ما‮ ‬يتصل‮ ‬فيه‮ ‬بالمكاتبات‮ ‬والتي‮ ‬لا‮ ‬يتطلب‮ ‬التعامل‮ ‬معها‮ ‬باليد‮.‬
حديث‮ ‬الطوابير
كنا نحاول الاقتراب من أي طابور للمرتادين أمام احد الشبابيك، أو الابواب التي اسندت مهمة فتحها او اغلاقها لعساكر الحراسة في هذه الجهة والذين وجدوا انفسهم وسط هذه المعمعة الادارية وخارج نطاق المهمة التي ارسلوا من أجلها الى هذه الجهات وهي مهمة الحراسة وضبط الأمن‮ ‬كلما‮ ‬استدعى‮ ‬ذلك‮.‬
بطء‮ ‬شديد
وقد‮ ‬نلاحظ‮ ‬مدى‮ ‬حالة‮ ‬البطء‮ ‬التي‮ ‬يتم‮ ‬بها‮ ‬انجاز‮ ‬معاملات‮ ‬المواطنين‮ ‬المشكلين‮ ‬للطابور‮ ‬وهو‮ ‬ايجاز‮ ‬لإجراء‮ ‬واحد‮ ‬من‮ ‬مجموعة‮ ‬اجراءات‮.‬
وهو ما يعني أن استكمال جميع هذه الاجراءات ووفقاً للحركة البطيئة في انجاز الاجراء الواحد يتطلب أكثر من ثلاثة أيام على أقل تقدير.. هذا اذا كان الموظفون المختصون يتمتعون بحالة من الانضباط العالي في التواجد على مكاتبهم في الساعات الأولى للدوام الرسمي.
وفي الطابور الذي يستمر امتداده من ساعة لأخرى.. سألنا أحد الواقفين عن غرضه، فقال: إنه يريد استمارة أو نموذجاً يتطلب من الموظف المختص تملئة العديد من بياناته وكذا تحصيل الرسم المحدد له.. وبفضولنا الصحفي نظرنا الى أحد هذه النماذج لدى أحدالأفراد الذين انجزوا هذا‮ ‬الاجراء‮ ‬فوجدنا‮ ‬أنها‮ ‬استمارة‮ ‬قد‮ ‬ملئت‮ ‬بالعديد‮ ‬من‮ ‬المعلومات‮ ‬المتعددة،‮ ‬والتوقيعات‮ ‬المتعددة‮ ‬أيضاً‮ ‬والتي‮ ‬تستلزم‮ ‬على‮ ‬صاحب‮ ‬المعاملة‮ ‬المرور‮ ‬الى‮ ‬مختلف‮ ‬الادارات‮ ‬المعنية‮.‬
»ناصر« أحد المراجعين يقول وهو يقوم باستكمال اجراءات تسجيل إحدى وثائقه الرسمية أنه قد أضاع الكثير من الوقت نتيجة للوقوف في الطابور ونتيجة لتباعد الادارات وعدم معرفته لأماكن تواجدها في مبنى الجهة التي يرتادها وقال بحرارة: كي أصل الى الادارة المعنية أظل أركض باحثاً عنها في هذا الممر أو ذاك أو أظل في حالة صعود وهبوط من دور لآخر، علاوة على ذلك عدم انضباط الموظف المختص بالتواجد الأمر الذي يؤخر كثيراً في انجازي لعملي، ناهيك عن ما أضيعه من وقت نتيجة لحالة الازدحام المرورية الشديدة والتي تؤخرني أكثر من ساعة ونصف الساعة‮ ‬في‮ ‬سبيل‮ ‬الوصول‮ ‬الى‮ ‬الجهة‮.‬
أرشيف‮ ‬متعدد
ومن جهة أخرى نلاحظ مدى حالة الازدحام حول محلات التصوير التي أقيمت على القرب من مقار هذه الجهات حيث حدثنا محمود -والذي يصطحب والده معه في انجاز معاملة متصلة به- عن كمية الأوراق التي يقوم بتصويرها حيث يقوم بتصوير أكثر من نسختين لكل أوراق المعاملة التي وصلت أعدادها‮ ‬الى‮ ‬عشر‮ ‬ورق‮.. ‬وذلك‮ ‬تلبية‮ ‬لطلب‮ ‬الادارات‮ ‬المختصة‮ ‬بالرغم‮ ‬من‮ ‬وجود‮ ‬ارشيف‮ ‬واحد‮ ‬لهذه‮ ‬الجهة‮.‬
وفي إحدى الادارات التي استكملت انجاز مراجعة الواقفين في طابور أمامها بوقت متأخر تجاوز الساعة الواحدة ظهراً سألنا المختص عن سبب عدم انجازه المعاملات بالسرعة المطلوبة، فأجابنا: »يحمدوا الله أني قد كملت لهم اليوم عملهم«.. ثم يتساءل غاضباً: ألا ترون أنني وحدي الذي‮ ‬أقوم‮ ‬بهذا‮ ‬العمل،‮ ‬ثم‮ ‬نجده‮ ‬يقدم‮ ‬المعالجات‮ ‬لإنجاز‮ ‬الأعمال‮ ‬بقوله‮: ‬اذا‮ ‬كانوا‮ ‬يريدون‮ ‬انجاز‮ ‬الاعمال‮ ‬بالسرعة‮ ‬فعليهم‮ ‬إحضار‮ ‬موظفين‮ ‬الى‮ ‬جانبي‮ ‬وإلا‮ ‬ما‮ ‬معاكم‮ ‬إلاّ‮ ‬الحاصل‮ ‬والانسان‮ ‬ما‮ ‬يدي‮ ‬ألاّ‮ ‬جهده‮.‬
ومن مؤسسة لأخرى نلاحظ مدى ما يعانيه اصحاب المعاملات وخاصة الرجال والنساء الأميين حيث يؤدي عدم قدرتهم على قراءة ما بين أيديهم من اوراق وتوجيهات الى التخبط من مكان الى آخر في البحث اولاً عمن يقرأ لهم ما تحمله ومن ثم البحث المضني عن القسم أو الادارة المختصة.. وتلك حالات ينبغي أن يكون لها تعامل خاص تقديراً لظروفها، ناهيكم عن أصحاب الاحتياجات الخاصة من المعوقين أو المكفوفين.. الخ من المعوقات التي يستحيل بسببها على صاحبها انجاز مهامه بسرعة، وعلاوة على ذلك ما تتطلبه بعض الجهات من اجراءات ادارية تستدعي صاحبها الانتقال‮ ‬من‮ ‬مرفق‮ ‬لآخر‮ ‬تابع‮ ‬لهذه‮ ‬الجهة‮ ‬والذي‮ ‬عادة‮ ‬ما‮ ‬يكون‮ ‬مقره‮ ‬في‮ ‬مكان‮ ‬بعيد‮ ‬عن‮ ‬الجهة‮ ‬الأم‮.‬
تذمُّر‮ ‬شديد
وفي ظل امتداد سلسلة الاجراءات الادارية المطولة، فإن حالة التذمر من قبل المواطن صاحب المصلحة في تنامٍ، في الوقت الذي لا يجد تذمره هذا من يرصده أو يعمل باتجاه ايجاد المعالجات الناجعة لكثير من مواطن الضعف والاهتزازات التي تعتور عجلة الاجراءات الادارية وتحريرها من الروتين الاداري المعقد والذي لم يعد يستجيب لمعطيات الراهن، خاصة مع التحولات المتسارعة التي تشهدها الادارة العلمية اليوم وما ابتكرته من نظم وأسس وقواعد لتنظيم العلاقات الادارية بين اصحاب العمل والمستفيدين منه.. ولاشك أن هذا يتطلب منا مواصلة تسليط الضوء على هذه المشكلة بكل أبعادها وجوانبها حتى نستطيع تحديد الاسباب الكامنة وراء هذه الاجراءات الروتينية وكذا التعرف على ما اذا كان سببها القوانين واللوائح والنظم المنظمة للعلاقات بين الجهات ومرتاديها وكذا التعرف أيضاً عما اذا كانت هذه المشكلة ناتجة بفعل قصور التدريب والتأهيل للموظف المختص أو كان مبعثها عدم قدرة القيادات الادارية في هذه الجهات على القيام بعملية التطوير المستمرة لأساليبهم وطرقهم الادارية أو عدم اكتراثهم بتجارب الآخرين الناجحة.. الخ من الأسباب التي سوف نحاول الوقوف أمامها في الحلقة الثانية من هذا الموضوع والتي سوف نكرسها للالتقاء بالعديد من المختصين والمهتمين بالعلوم الادارية حتى نقدم الصورة الكاملة للمشكلة وما تحتاجه في نظر هؤلاء من معالجات وخطط وبرامج.. وما يتعين على الجهات المعنية بشئون الادارة والاصلاح الاداري القيام به حتى يتم وضع حد للروتين المعقد وإحــــلال بدلاً عنه مبادئ وأسس وقواعد تبسيـــــط الاجراءات كحاجة تتطلبها معطــــيات الراهن.. الخ من التساؤلات التي سنحاول الحصول على اجابات شافية لها والتي نأمل أن تحظى بمتابعتكم لكل ما سيعرضه هؤلاء المختصون من آراء وتحليلات لهذه المشكلة التي هي مشكلتنا‮ ‬جميعاً‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 13-نوفمبر-2024 الساعة: 10:32 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-3274.htm