عبدالرحمن مراد -
< قيل إن فريق بناء الدولة قدّم تقريره محملاً برؤى الأحزاب والقوى السياسية دون أن يتفق الفريق على رؤية واضحة أو يتمكن من التوافق على توصيات، وتناقلت الأنباء أن وزير الشؤون القانونية قدم مشروع دستور يتضمن رؤية لبناء الدولة القادمة لم يصوّت في جلسة المجلس اعضاء الحكومة من التجمع اليمني للإصلاح، وثمة أزمات سياسية جانبية تهدف الى إشغال الأطراف السياسية عن القضايا الجوهرية أو التفكير فيها.
ما يثير الانتباه في الموضوع أن اليدومي يتحدث عن اشتغال حزبه على بناء الدولة ويقول إن هناك فرقاً بين من يريد أن يحكم ومن يريد أن يبني دولة، في حين أن حزبه يعارض مشروع الحكومة في بناء الدولة ويقف حجر عثرة في فريق بناء الدولة أمام التوافق أو الوصول الى صيغة توافقية للتوصيات ويقوم بخلق أزمة في البرلمان ويحاول توسيع الهوّة بين الرئيس وحزبه، ويجهد كل الجهد في تحقيق أكبر قدر من المناصب ويحاول أن يتغلغل في المفاصل المهمة للدولة.. والمرء يدرك أن تعيينات المالية الأخيرة كان للإصلاح فيها نصيب الأسد وغاب شركاؤه في اللقاء المشترك، وقيل إن ثمة صفقة حدثت بين الرئيس والإصلاح تمّ من خلالها تمرير قرارات التغلغل في مفاصل الدولة مقابل سعي الإصلاح مع بقية الأطراف في اللقاء المشترك في مشروع التمديد، والأدهى هو ما تناقلته وسائل الإعلام من نبأ حول التزام اليدومي بضمان موقف الحزب الاشتراكي لصالح مشروع التمديد، وهو الأمر الذي أثار سخرية كثير من قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي، وأمام جل الحقائق والمعطيات التي ينبض الواقع بكل تفاصيلها نجد اليدومي يتحدث عن بناء الدولة، في حين أن حزبه لم يتقدم برؤية حتى هذه اللحظة يحدد فيها فلسفته ورؤيته لبناء الدولة الحديثة والقادمة والتي هتف في الساحات مع جل الهاتفين من الشباب والاحزاب الاخرى بالحلم بها وصدحت حناجر أتباعه بالشعارات المدنية البرّاقة، وحين ارتفعت بيارق نصرهم وأصبحوا حكاماً تركوا مواقعهم وشعاراتهم وهبّوا الى السلطة كغنيمة، هبة رجل واحد نابذين الشعارات والالتزامات الاخلاقية والتحالفات السياسية ظهرانيهم.
ومع أن الواقع السياسي في اليمن لا يوحي في دلائله الأولى بأي حال من حالات الانتقال الحقيقي، وكل تموجات اللحظة التي نمر بها تتحدث عن تكريس الماضي وسعي بعض القوى بكل ما في وسعها من جهد إلى استمرار حضوره في صميم التجربة الحديثة، ومثل ذلك تدل عليه تلك التوجهات الرافضة للتعبير الحقيقي في البنية العامة للدولة وفي ذلك التهافت على التحكم في مفاصلها وفي التكتيكات السياسية الهادفة الى التوحد والإقصاء ونفي الآخر، ولا أظن أن تلك الضغوط التي تمارس باسم العدالة الانتقالية تهدف الى التأسيس لقيم الحق والعدل والخير والسلام.
وحين أتأمل خطاب العدالة الانتقالية ولا أرى وجهاً واضحاً للحق أو قيمة لآدمية الانسان أو حرمة لدمه وعرضه وماله، أتصور أن الدين الذي يتحدث البعض باسمه ليس أكثر من هدف سياسي وغاية في التمكين في الأرض، لأن ضروراته القيمية تؤكد على المساواة والاعتراف بالآخر وبقيمته وبحقه في الحياة وبحرمة دمه وعرضه، ولا أكاد أرى مثل تلك الضرورات ظاهرة في القول أو في الممارسة، فالقضية الدينية حين تتحول الى نظرية مغتربة عن واقعها تصبح تهويماً وفساداً، وتجعل الآخر يشك في قدرتها وصلاحيتها في معالجة قضايا الإنسان، وهذا هو الخطاب الذي نسمعه في الآونة الأخيرة عند عامة الناس قبل خاصتهم.