عبدالفتاح علي البنوس -
< في رمضان تُصفّد شياطين الجن وتتوقف عن العمل وهذه من الفضائل التي خص بها الخالق عز وجل شهر رمضان المبارك، إلا أن الملاحظ اليوم أن تصفيد شياطين الجن يأتي في الوقت الذي يطلق شياطين الإنس العنان لأنفسهم لممارسة أدوار ومهام الإغواء والإفساد في الأرض والقيام بما كان يقوم به شياطين الجن باحترافية غير مسبوقة لدرجة أن شياطين الجن أنفسهم يستنكرون هذه الأعمال ويعبرون عن دهشتهم واستغرابهم لمثل هذه الاعمال التي لم تخطر على بالهم يوماً ما، وهناك من يُسلم الراية لشياطين الإنس ويعترف بإعتلائهم عرش الشيطنة والأبلسة دون أي منافس.
في رمضان شياطين الإنس عكرت علينا أجواء الصوم وروحانيته بتصرفاتهم ووسوساتهم الجهنمية، وتتعدد الصور والمسميات التي يظهر بها هؤلاء فتجدهم في صورة العالم والخطيب والواعظ الذي يرتدي عباءة الدين في الوقت الذي يمارس على أرض الواقع سلوكيات لا تمس للإسلام بصلة ومن ذلك الفتاوى الشيطانية التي يصدرها شياطين الإنس والتي تستبيح الدماء وتنتهك الحرمات وتشرعن للمحرمات والمنكرات وتوجد لها مبررات وأعذاراً واهية ما أنزل الله بها من سلطان، كل ذلك يصاغ في قالب ديني من أجل استغفال الشعوب والحصول على المكاسب المادية والسياسية الرخيصة، وقد شكلت موجة الربيع العربي «الاسم» الصهيوني الفعل والتخطيط المحطة التي أظهرت العديد من الشياطين الذين يظهرون في صورة العالم أو رجل الدين حيث افتضح أمرهم وظهروا على حقيقتهم البشعة.
وقد يظهر شياطين الانس في صورة ناشطين حقوقيين وسياسيين يدعّون التحلي بالقيم والمثل الوطنية في الوقت الذي نجد أن أعمالهم وتحركاتهم مسخرة لخدمة هذا الحزب أو ذلك، أو هذه الجماعة أو تلك، أو لهذا الشيخ أو القائد أو النافذ أو المسؤول، حيث تصب أعمالهم وأفكارهم في خدمتهم حتى ولو كانت ضد مصلحة الوطن، المهم هو الحصول على الرضا والقبول من قبل أرباب نعمتهم في الداخل والخارج، وواقعنا الراهن أظهر أصحاب هذا التوجه والفكر الشيطاني الذين أغرقوا في غيهم وإجرامهم ومتاجرتهم بالقضايا الحقوقية والسياسية وحتى السيادية وكل ذلك من أجل الكسب الرخيص والولاء والتعصب الحزبي الأعمى الذي يرى أصحابه بأنهم يسيرون على الصراط المستقيم، وأنهم يمثلون الحقيقة التي لا جدال فيها، وتجدهم يدافعون عن الباطل باستماتة مخيفة للغاية ويروجون بأن ذلك هو عين الصواب.
وقد يظهر شياطين الإنس في صورة إعلاميين يدعّون بأنهم يمثلون السلطة الرابعة وأنهم لسان حال الشعب، وقلبه النابض، ويرفعون شعارات الوطنية في حين أنهم ألّد أعداء الوطن، فأعمالهم ضد الوطن، وكل كتاباتهم تنضح بالتحريض على إذكاء الصراعات السياسية وإشعال الفتن المذهبية والطائفية وتفكيك النسيج الاجتماعي وإقلاق الأمن والسكينة العامة، والارتهان للخارج والمتاجرة بالقضايا الوطنية وتصوير الاشياء على غير حقيقتها، وتزييف الوعي الجمعي للمواطنين وكلها ممارسات شيطانية نعوذ بالله منها ومن أصحابها.
وقد يظهر شياطين الانس في صورة الوزير أو المسؤول الذي كان قبل توليه المنصب يهاجم الفساد والفاسدين، ويحارب التوريث ويدعّي النزاهة، والوطنية وما إن تولى المنصب حتى «حد شريمه» ودشن مشروعه الشيطاني في الفساد والعبث بالمال العام وتحويل الوظيفة العامة الى ميراث شخصي يتوارثه الأبناء عن الآباء ولا يتردد في «الهبر والهبر الآخر» غير مكترث بما سيقوله الناس الذين صدّقوا كلامه السابق وتأثروا به، فالغاية عنده تبرر الوسيلة.
وتتعدد الصور التي يظهر فيها شياطين الإنس فتظهر في صورة الشيخ المتسلط الذي يمارس جرائم قطع الطرقات والاختطافات والاعتداء على الخدمات العامة وفي صورة القائد العسكري الفاسد الذي يتاجر بأسلحة الجيش ويمتهن تجارة الحروب، ودعم عناصر التخريب وعصابات النهب والفيد، ويرتهن لأعداء الوطن وينفذ أجندتهم التي تتعارض مع المصلحة الوطنية، وتظهر في صورة رجل الاعمال الاستغلالي الذي صنع ثروته من مال الشعب والمتاجرة بلقمة عيشه وعمليات النصب والاحتيال والصفقات المشبوهة ومن أعمال التهريب والغش والاحتكار وغيرها من الممارسات الشيطانية، وتظهر في صورة الاكاديمي الذي سقط في وحل الحزبية المقيتة وباع قيمه ومبادئه ومكانته العلمية من أجل حزبه أو تنظيمه أو جماعته، وتظهر في صورة الدبلوماسي الذي تحول الى مستثمر في البلد الذي تعيّن فيها ولم يقدم أي خدمات تذكر لأبناء الجالية اليمنية وكأنه في منحة استثمارية وتظهر في صورة المدرس الذي تخلى عن حياديته ومهامه التنويرية وأقحم العملية التعليمية في معمعة السياسة والحزبية والطائفية والمذهبية ومن أجل ذلك لا يرى أي حرج في غيابه عن مدرسته وطلابه لمدة عام أو عامين نزولاً عند طلب الحزب، وتظهر في صورة الطبيب الفاشل والمهندس الغشاش والموظف «المكار» والعامل الخائن، والكثير الكثير من شياطين الإنس الذي يمتلكون الحصانة ضد التصفيد الرباني الرمضاني ونجدهم في رمضان يقومون بدور شياطين الجن وزيادة وهم يحسبون أنفسهم من الاتقياء الاصفياء ومن الذين يحسنون صنعاً، رمضان كريم بدون شياطين وأباليس.. ودمتم سالمين.