الإثنين, 04-يونيو-2007
تحقيق‮/ ‬نجيب‮ ‬شجاع‮ ‬الدين -
بين المؤجر والمستأجر.. علاقة واضحة تحكمها مفارقات مزعجة ومظاهر قدرة ظلم الإنسان القوي لأخيه الإنسان الضعيف.. وبعيداً عن قوانين مجلس النواب أو أي شيء آخر يمكن الاعتماد عليه في تحقيق التوازن العادل.. يبدو أنها ستظل- أي العلاقة- الأمر الواقع بين الطرفين..
المؤجر‮ ‬والمستأجر‮.. ‬الأول‮ ‬له‮ ‬زيارات‮ ‬ترحيب،‮ ‬تهديد‮ ‬ووعيد،‮ ‬ومشروعية‮ ‬شروط‮ ‬وزيادات‮ ‬استثنائىة‮..‬
أما‮ ‬الأخير‮ »‬المستأجر‮« ‬فله‮ ‬أساليب‮ ‬مداراة‮ ‬وهروب‮ ‬ووعود‮ ‬لآخر‮ ‬الشهر‮ ‬الذي‮ ‬ليس‮ ‬له‮ ‬آخر‮.. ‬قوانين‮ ‬شخصية‮ ‬هي‮ ‬المعمول‮ ‬بها‮.. ‬فيما‮ ‬من‮ ‬الغرابة‮ ‬وكوميدية‮ ‬المأساة‮ ‬الكثير‮ ‬وبعيداً‮ ‬عن‮ ‬أي‮ ‬قانون‮.‬
لتزايد الطلب على بيت للإيجار.. يتمكن المالك من الانفراد بوضع قائمة الشروط التي يريد إملاءها على المؤجر المغلوب على أمره.. خاصة ان العملية لاتخضع في الغالب لعقود موقعة يمكن الرجوع إليها في حال حدث أي خلاف أو اختلاف في وجهات النظر نحو بوابة الخروج أو أقفال المؤجر‮ ‬على‮ ‬الباب‮..‬
من أغرب ما وجدناه في هذا التحقيق عن العلاقة بين المؤجر والمستأجر قول الأخ عبدالقادر الكحلاني: أنه وبعد خروجه السريع من منزل وضع له المؤجر مهلة أسبوعين مع تقديم دعوة حضور زفاف نجليه ودخولهما منزله- سابقاً- اضطر سريعاً لاستئجار منزل مجاور أغلى وليس أحلى ومع هذا يشكو عبدالقادر: لم يمضِ سوى أسبوع حتى حُرم منزله الجديد من نعمة الضوء ودخول الشمس كل صباح.. بحجة ان لديه أبناء شباباً، وهذا يحد من حرية عائلة المؤجر في الخروج كل صباح إلى حوش المنزل الممر الرئىسي للدخول والخروج.. لهذا السبب فقط أصبح عبدالقادر يعيش على ضوء‮ ‬القنديل‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬وقت‮.‬
عبث
^ ثمة مؤجر آخر توحي تصرفاته بأنه من أنصار حماية البيئة والشعارات التوعوية المتعلقة بضرورة ترشيد استخدام المياه والكهرباء.. وأكثر.. عندما تدق الساعة الثانية عشرة ليلاً.. يقوم بإطفاء الكهرباء عن الشقق الأربع المؤجرة.. وفي حال السؤال عن السبب.. يرد عليهم بصراخه‮ ‬التوعوي‮ (‬يكفي‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬هذا‮ ‬عبث‮)..‬
الحال نفسه ينطبق على الماء.. حيث يقوم المالك بتعبئة خزان صغير للأربع الشقق من أنبوبة المشروع وشرطه المعروف الاقتصاد واستهلاك هذا الخزان حتى نهاية الشهر وإلاَّ فإنهم يتحملون مسئولية البحث عن مصادر الحصول على (وايت).
بين‮ ‬الهجري‮ ‬والميلادي
‮^ ‬أما‮ ‬أحدهم‮ ‬فقام‮ ‬بدون‮ ‬سابق‮ ‬انذار‮ ‬بفرض‮ ‬ألف‮ ‬ريال‮ ‬شهرياً‮ ‬على‮ ‬المنازل‮ ‬المؤجرة‮ ‬التي‮ ‬يملكها‮ ‬وذلك‮ ‬لأن‮ ‬الحارة‮ ‬ابتداءً‮ ‬من‮ ‬نفس‮ ‬الفترة‮ ‬أصبح‮ ‬فيها‮ ‬شبكة‮ ‬مجاري‮..‬
بينما يروي الأخ حبيب مشكلته مع أحد المؤجرين قائلاً: رغم طيبته وتعاونه فإنه لايستطيع حساب الأيام والشهور إلاَّ بالهجري وليس بالميلادي وفي كل مرة نخوض معمعة لابد أن يسمع بها الجميع.. يا حاج اليوم 24 في الشهر باقي 6 أيام للمعاشات.. فيقول: لا بل اليوم واحد ربيع‮ ‬ثاني‮ ‬أول‮ ‬الشهر‮ ‬حاسبني‮.. ‬وهكذا‮..‬
للبيوت‮ ‬حرمات‮.. ‬ماعدا‮ ‬المؤجرة
^ في الساعة السابعة صباحاً.. فوجئ الأخ سليم بأحدهم يناديه متهماً إياه بالهروب وقد فتح باب الشقة بمفتاح صائحاً بغضب: »أين أنت!! الدعممة ما تعجبنيش سلم الايجار«.. فما كان منه إلاَّ أن خرج إلى هذا الشخص وطرده (عيب استحي على نفسك.. اخرج من بيتي).
المؤجر بدوره استغرب من تصرف سليم الهمجي تجاهه فرد عليه (هذا بيتي.. مش بيت....... اليوم تنقل من بيتي« مستأجرين »آخر زمن« لازم نحرق جرس الباب حتى يسلموا الايجار.. هكذا يقول سليم: سواءً أكان هناك قانون أم لم يوجد فالمعروف شرعاً وعادةً وتقاليد أن للبيوت حرمات لايحق‮ ‬لأحد‮ ‬دخولها‮ ‬دون‮ ‬استئذان‮ ‬فما‮ ‬بالك‮ ‬إذا‮ ‬كان‮ ‬هذا‮ ‬الشخص‮ ‬غريباً‮ ‬ويمتلك‮ ‬مفاتيح‮ ‬منزلك‮.. ‬إنه‮ ‬صاحب‮ ‬البيت‮ »‬المؤجر‮«.‬
بلا‮ ‬أولاد
^ وفي ظل غياب القانون تنعدم الإنسانية عند كثير من المؤجرين حيث تكون تصرفاتهم وفقاً للرغبة وتلبية للأهواء.. ومنها اخراج مستأجر من السكن الذي لم يدخله بعد.. حيث اشترط المؤجر على المستأجر ان يكون بدون أولاد وعندما سمع المستأجر الشرط أخذه من باب تشدد المؤجر أو »الزبجة« وحينها أتى بزوجته من القرية وطفلته التي لم تتجاوز السنتين.. فوجئ صبيحة إغفاءة تعب الرحلة بالقرع الشديد على الباب.. فتح وإذا بوابل الكلمات »هه قلت ماعندك أولاد وهذي البنية ماهي.. ياتزيد ألفين فوق الايجار يا تخرج من بيتي«؟!!.. وهكذا تتجسد المأساة والمعاناة لمن كتب عليه »الاستئجار« في حياته وهم الأغلبية ومن طبقة محدودي الدخل إنْ لم يكن معدوميه تماماً، فهذا صالح الذي قدم إلى الأمانة مع أسرته المكونة من ثلاثة أفراد.. فقر شديد إلاَّ ما تيسر من درئه عن طريق العمل على عربية يد »صالح«.. استأجر بدروماً بمبلغ‮ ‬يسير‮ ‬لاتسكنه‮ ‬المواشي‮..‬
ولأن عداد الماء والكهرباء مرتبط بالست الشقق التي تقبع فوق رؤوس أسرة صالح الذي فوجئ بحساب الماء والكهرباء تقارب المبلغ الذي استأجر به.. صاح وناح وهو يستجدي صاحب البيت أن يعفيه.. »أنا مابش معي ثلاجة ولا سخان ولا عصارة ولا تلفزيون ولا غسالة ولا.. ولا..« كل هذا‮ ‬التوسل‮ ‬والمؤجر‮ ‬معصوب‮ ‬الضمير‮.‬
اعرفه‮ ‬صورة
^ ليس المؤجرون جميعهم بهذه الصورة وإنما قد يكون العكس.. يقول الأخ علي الغيل: نحن نتعامل مع المؤجرين بكل طيبة واحترام طالما يحافظون على المنزل ويدفعون الايجار شهرياً دون مماطلة أو تراكم متأخرات الفواتير..
وأضاف: من الصعب تأجيل تسليم الايجار إلى الشهر القادم لأننا نعلم برداءة الأحوال المادية للموظفين المستأجرين.. فتأخير الايجار يعني أنه لن يدفع.. ومع هذا فإننا نتسامح مع البعض إذا كان لديه ظروف مثل تعرضه لحادث أو أحد ابنائه.. وذلك يحدث نادراً، وعن أغرب موقف صادفه في حياة الايجار قال: كان ذلك منذ خمس سنوات إذ استغل المؤجر فرصة غيابي لأداء فريضة الحج وقام بالهرب آخذاً معه أبواب غرف الشقة ونزع المغاسل ومفاتيح المياه ومربعات الكهرباء حتى الجيران لم يشعروا به ولم يكن بيننا أي عقد (اعرفه صورة).
مستثمر‮..‬
^ أما الحاج ناصر فيبرر تعامله بلا رحمة مع المستأجر موضحاً »أنا مستثمر وليس رعاية اجتماعية« هناك ألف شخص يتمنى السكن في هذا البيت، ويعرض عليَّ مبلغاً أكبر.. وبخصوص الايجار هناك ناس تدفع بدون كلام وفي ناس أعوذ بالله بعضهم يموت أبوه واخوه وأمه كل شهر يعني مستعد‮ ‬يدفن‮ ‬كل‮ ‬افراد‮ ‬عائلته‮ ‬مرة‮ ‬واحدة‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬مسامحته‮ ‬عن‮ ‬دفع‮ ‬الايجار‮.‬
عقود‮ ‬صورية
^ منذ اقرار مجلس النواب لقانون ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر لم تتغير المشكلة، فهل يعود السبب للقانون نفسه.. يوضح الأخ سنان العجي مقرر اللجنة الدستورية بمجلس النواب ان القانون جيد ومنصف للطرفين وقد راعى المؤجر والمستأجر في الوقت نفسه، فإذا ما طُبّق بالشكل‮ ‬الصحيح‮ ‬سيحل‮ ‬كثيراً‮ ‬من‮ ‬الاشكالات‮.‬
ونصح‮ ‬العجي‮ ‬بضرورة‮ ‬ان‮ ‬يكون‮ ‬هناك‮ ‬عقد‮ ‬بين‮ ‬المؤجر‮ ‬والمستأجر‮ ‬يكتب‮ ‬عبر‮ ‬المكاتب‮ ‬العقارية‮ ‬حتى‮ ‬يعرف‮ ‬الطرفان‮ ‬مالهما‮ ‬وما‮ ‬عليهما‮ ‬ويبتعدا‮ ‬عن‮ ‬العقود‮ ‬الصورية‮.‬
أما إذا لم يطبق القانون فسنظل في الاشكالية ذاتها وحينها سنجد أننا متعودون على العرف القانوني وليس القانون وطبعاً قد يكون في القانون بعض الصعوبات أو العيوب- والكمال لله- وهذا ممكن أن يخضع في أي وقت للتعديل إذا استدعت الضرورة وفرضت الحاجة.
مؤكداً‮ ‬على‮ ‬ضرورة‮ ‬تنفيذ‮ ‬القانون‮ ‬على‮ ‬الواقع‮ ‬واخراجه‮ ‬إلى‮ ‬النور‮..‬
وأضاف‮: ‬اعتقد‮ ‬جازماً‮ ‬أنه‮ ‬سيحل‮ ‬كثيراً‮ ‬من‮ ‬القضايا‮ ‬والاشكاليات‮ ‬وسيسد‮ ‬كثيراً‮ ‬من‮ ‬النوافذ‮ ‬والثغرات‮ ‬التي‮ ‬يتخذها‮ ‬الآن‮ ‬أحد‮ ‬الطرفين‮ ‬ضد‮ ‬الآخر‮.‬
القانون‮ ‬والاقتصاد‮ ‬الحر
^ أما المحامي القانوني أحمد الأبيض فيقول إنه غير صحيح أن قانون الايجارات جاء لمصلحة مالكي العقارات.. مؤكداً ان هذا القانون قد جاء متوازناً في رسم العلاقة بين طرفي عقد الايجار لكنه أشار إلى ملاحظات أو نقاط لم يتضمنها القانون منها: كان على المشرع أن يضع كثيراً من المميزات للمستثمرين في المجال العقاري خاصة أولئك المستثمرين الذين يقومون ببناء المدن السكنية سواءً لبيعها أو لتأجيرها حتى يقبل المستثمرون على الاستثمار في المجال العقاري وبلادنا في حاجة ماسة إلى ذلك النوع من الاستثمار.. لافتاً في الوقت نفسه إلى أن القانون الحالي نظر إلى مالكي العقارات المعدة للايجار بنظرة ضيقة وكأنه خاص بأصحاب البيوت والعمارات المحدودة ولم ينظر إلى الأمر بشكل مستقبلي أشمل وأوسع كما أنه لم يكن من الضروري إصدار قانون لتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر لأن القانون المدني هو قانون شامل لجميع العقود والمعاملات ومن ضمنها عقد الاجارة وهي أنواع، وعوضاً عن إصدار القانون كان بالإمكان تعديل الفصل الخاص بأحكام الايجارات في القانون المدني. وعند سؤالنا لماذا لم ينظم القانون أسعار الايجارات أوضح أنه من الصعب ان ينظم القانون ذلك كون الأمر يخضع للاقتصاد‮ ‬الحر‮ ‬ومبدأ‮ ‬العرض‮ ‬والطلب‮..‬
وفي‮ ‬الأخير‮ ‬إذا‮ ‬كان‮ ‬هناك‮ ‬من‮ ‬يعتقد‮ ‬أن‮ ‬قانون‮ ‬الايجارات‮ ‬لمجلس‮ ‬النواب‮ ‬قد‮ ‬جاء‮ ‬لمصلحة‮ ‬مالكي‮ ‬العقارات‮ ‬فإن‮ ‬احكام‮ ‬الاجارة‮ ‬في‮ ‬القانون‮ ‬تظل‮ ‬هي‮ ‬المهيمنة‮ ‬والمرجعية‮ ‬للقانون‮ ‬الجديد‮.‬
تعليق‮ ‬حول‮ ‬قانون‮ ‬تنظيم‮ ‬العلاقة‮ ‬بين‮ ‬المؤجر‮ ‬والمستأجر
^ المحامي علي أحمد العاصمي: القانون لم ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر بصفة كاملة بل ظل قاصراً إضافة إلى وجود التعارض بين قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وأحكام الايجار في القانون المدني وجعل الاستناد معلقاً بينهما، ونذكر من ذلك القصور عدم تقنين أحقية المؤجر في طلب إخلاء العين المؤجرة للاستغلال الشخصي، فلم يتطرق لذلك قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ولا في القانون المدني، ونضيف إلى ذلك أنه وبالرغم من أن القضايا الايجارية قضايا مستعجلة إلاَّ أن القانون أغفل ذلك وقضايا الايجار أمام المحاكم تطول لسنوات واقترح إنشاء قسم خاص بقضايا الايجار وقاضٍ مختص بذلك في كل محكمة. ولا ننسى مسألة التعويض للمتضرر سواءً المؤجر أو المستأجر فلم يتطرق إليها القانون وجعل ذلك تقديراً اختيارياً للقاضي.. ذلك جزء يسير مما لاحظناه في القانون ومن خلال التطبيق العملي لقضايا‮ ‬الايجار‮ ‬في‮ ‬المحاكم،‮ ‬وهناك‮ ‬ملاحظات‮ ‬كثيرة‮ ‬لايتسع‮ ‬المقام‮ ‬لذكرها‮ ‬وتحتاج‮ ‬إلى‮ ‬كتاب‮ ‬شرح‮ ‬للقانون‮ ‬ولتعارضه‮ ‬مع‮ ‬القوانين‮ ‬الأخرى‮ ‬والنقاط‮ ‬الايجابية‮ ‬والسلبية‮ ‬فيه‮.‬

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:37 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-3354.htm