عبدالرحمن مراد -
< حالة من حالات الهستيريا وفقدان التوازن أصابت «الأخوان» فهم لم يكونوا على دراية بالمفارقات العجيبة التي سوف تحدث وتغير من كل المدركات والتصورات التي ترسخت في أذهانهم، فالقضية الثورية في أذهانهم لا تتجاوز أن يكونوا هم في صدارة الفعل الثوري، فإن تصدره أحد غيرهم تصبح القضية الثورية أشبه بالدم الحرام، وقد تحدث مرشد الاخوان محمد بديع أن خروج مرسي من السلطة في مصر أشد على الله من هدم الكعبة حجراً حجراً، وقيادي آخر قال إن يوم السبت سيحدث فيه أمر جلل ويوم الأحد سيكون مرسي على مكتبه حاكماً آمراً، وسينتقم من عشاق البيادات العسكرية.. وسمعت أن القرضاوي تحدث خلال ما مضى من أيام بعدم جواز الخروج على مرسي باعتبار أن الخروج على الحاكم فيه من المفاسد على الناس الشيء الكثير الذي يكون ضرره أكثر من ضرر البقاء في السلطان، ولذلك فالصبر على الحاكم الظالم ولو جلد ظهرك بالسياط من محامد الشريعة وسلامة المنهج لما يترتب على الخروج من المفاسد.. والقرضاوي نفسه من دعا الى الخروج وحرّض الشعوب في عام 2011م على حكامها ولو سفكت الدماء وانتهكت الأعراض واستبيحت الاموال، وتحدث هو والزنداني عن تخريجات تبيح مثل تلك الانتفاضات وذلك الخروج، وسندهم وقياسهم حادثة حدثت في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام حين أمر أحد الناس من سكان المدينة كان يشكو أذى جارٍ له بالخروج، وكان كلما مرّ أحد من الناس وعرف القصة لعن المؤذي الى أن عرف مقدار ما أحدثه من خطأ فتراجع عما كان عليه من الأذى، وأذكر أنني كتبت (حالة) على صفحتي في الفيس بوك، فتداعى أولئك الذين أصابهم الله بالهوس بالنقد والتجريح وكأن الموضوع سهام مصوبة الى صدورهم وليس مجرد رأي يفترض تقبله واحترام قائله.
ومثلما أخذ الاخوان الوهم في عام 2011م الى مربعات الغرور والاستعلاء وإقصاء الآخر ومارسوا كل أنواع الزيف والتضليل، ها هم الآن يقعون تحت تأثير الهوس وفقدان التوازن، فكم سمعنا أن جبريل زارهم في مرابضهم وفي خيام اعتصاماتهم وكم رأينا فيهم من العجائب والغرائب وكم تفيهقوا وكم تقوّلوا وكم تأوّلوا النصوص والاحداث والقرائن، ولا أراهم بعنادهم وإصرارهم على سفك الدماء المحرمة إلا يطرقون آخر مسمار على نعشهم المتشظي، فالشارع العربي سبر غورهم وعرف دواخل أنفسهم وسرائرها وعلانيتها وقد أصبحوا كتاباً مقروءاً، حتى سيناريوهات عام 2011م الاستعطافية أصبحت لا تجدي الآن شيئاً، فقد عرف الناس كيف أداروا أزماتهم وكيف يديرونها الآن، وكاد فريق من الناس يتوقع ماذا ستكون ردود أفعالهم.
كثيراً ما تحدثنا عن غباء الاخوان السياسي، ومشكلتهم مع الآخر أنهم لا يعترفون بوجوده ويرون في أنفسهم مركزية مفرطة، ومثل ذلك هو الخطأ الكبير وهو ذاته من يجعل الفشل يتوالى عليهم منذ النشأة الاولى وحتى اللحظة، فالتكامل لا يكون الا من خلال ترميم النقص الذي يراه الآخر واستشعار المسؤولية وقبول النقد هو من يجعل الجماعة تتكامل في ذاتها وتعي ضرورات المرحلة ومتطلباتها.
أغرب ما مرّ في التاريخ قديمه وحديثه أن حاكماً يأتي القصر من بوابة السجن ويغادر القصر الى بوابة السجن في متوالية تثير الدهشة والاستغراب، وعلى الاخوان أن يتعظوا فالعبرة تحدث فيهم وبين ظهرانيهم، ولكني لا أراهم يعتبرون قط ولا أرى لهم صحوة قط.. تظل مصر هي البلد الذي نحب وتظل قلوبنا ضارعة بالابتهال حتى تخرج من محنتها.