د.علي العثربي -
< عندما يتحدث القياديون وكافة أعضاء المؤتمر الشعبي العام عن الحوار فإنهم يتحدثون عن منهج الحياة الذي تأسس المؤتمر الشعبي العام من أجله، ولا أكون مبالغاً إن قلت أن المؤتمر الشعبي العام هو الحوار، لأن الفترة التي سبقت قيام المؤتمر الشعبي العام الذي تأسس في 24 غسطس 1982م قد قدمت لنا أنموذجاً غير سليم ولا يمت بصلة للموضوعية والديمقراطية التي جاءت ثورة 26سبتمبر و14 اكتوبر عامي 62 ، 1963م من أجل استعادة الشعب لحقه في امتلاك السلطة وممارستها، وقد أشرت في أكثر من دراسة علمية، الى ان الصراع الذي حدث عقب الثورة اليمنية المباركة سبتمبر واكتوبر لم يكن صراعاً من أجل الديمقراطية التي يمتلك فيها الشعب حقه في امتلاك السلطة، لأن ذلك قد بنته الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر، ولا يستطيع أحد أن ينقلب عليه مطلقاً، ولكن كان الصراع خلال الفترة من 62 - 1978م على كيفية ممارسة الديمقراطية وأدواتها وآلياتها حتى جاء السابع عشر من يوليو 1978م الذي وضع اليمنيين على أبواب التداول السلمي للسلطة وحدد طريقاً واحداً للوصول الى السلطة وهو الانتخاب الحر والمباشر.
إن شباب اليوم وهم شباب الثاني والعشرين من مايو 1990م لم يدركوا ما الذي حدث قبل 17 يوليو 1978م ولم يلمسوا المعاناة التي عانى منها الشعب خلال تلك الفترة من ديمقراطية التآمر والانقلابات الدموية، ولم يدركوا خطورة أن يُقتل ثلاثة رؤساء في اليمن خلال أشهر قليلة، ولم يدركوا أن الحوار الذي كان سائداً قبل 17 يوليو 1978م هو حوار البنادق والمدافع من أجل الوصول الى السلطة، وهذا يتطلب منّا جميعاً نحن الذين عشنا مرارة تلك الفترات العصيبة أن نذكّر الشباب بذلك النموذج السيئ ليدركوا ما معني المؤتمر الشعبي العام الذي جاء من أجل الحوار الوطني، وما هو الحوار الذي جاء بعد ذلك وما هي نتائجه؟ وليدرك كذلك كل الشباب الذين تعرضوا لغسيل دماغ من خلال منعهم من معرفة الحقيقة وإرغامهم على منهج تربوي يرفضه التاريخ ويسعى الى تزويره ليكون هو بطل الفوضى العارمة التي اجتاحت البلاد في 2011م.
إن الذي حدث قبل سبعة عشر يوليو 1978م من التآمر والاقتتال والانقلابات الدموية التي خلفت المآسي والجروح العميقة في المجتمع اليمني، ومنعته من أن يذوق طعم الأمن والاستقرار ويمارس حقه في امتلاك السلطة وممارستها قد أثقل كاهل الشعب وجعل من اليمن مضرب المثل في عدم الاستقرار السياسي، فعقب الثورة اليمنية تعاقب الرؤساء على اليمن في شماله وجنوبه وتداولوا السلطة ولكن ذلك التداول لم يكن سلمياً ولم يحقق الأمن والاستقرار بل كان يخلق الازمات والحروب والانقلابات المستمرة، ورغم ذلك كله الا أن الإرادة الكلية للشعب لم تيأس من اكتمال ثورة الوطن المباركة سبتمبر واكتوبر وكانت بداية اكتمال الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر في 17 يوليو 1978م عندما صعد الى كرسي رئاسة الدولة اليمنية أول رئيس عبر الانتخاب الحر المباشر من خلال ممثلي الشعب في مجلس الشعب التأسيسي في ذلك التاريخ وعبر صناديق الاقتراع.
إن العودة الى الوضع الطبيعي لليمن في امتلاك الشعب للسلطة وممارستها عبر الانتخابات المختلفة ابتداءً من 17 يوليو 1978م كان الفاتحة التي نقلت اليمن الى مفهوم الحوار الحضاري والانساني الذي خلق الشرعية السياسية والشعبية والدستورية من خلال مفهوم الرضا والقبول الذي اشرنا اليه في مواضيع عدة باعتباره اساس الشرعية الدستورية ومفتاح الاستقرار السياسي وبوابة التنمية المستديمة والتعددية الحزبية والسياسية، وهذا يتطلب منا إعطاء لمحة موجزة عن مفهوم الحوار الذي ظهر عقب 1978م وما الذي تحقق من خلاله، وإلى أين وصلت اليمن في مجال الاستقرار السياسي والتنمية المستديمة والوحدة؟
في الأعداد القادمة سأتناول مراحل الحوار الوطني الذي جاء عقب 17 يوليو 1978م ونتائجه ليتعرف الشباب على أحداث الماضي وإنجازاته وليدركوا أهمية الحفاظ على المؤتمر الشعبي العام باعتباره صمام أمان مستقبل أجيال اليمن بإذن الله.