د. عبدالعزيز المقالح -
الوطن هو الوطن العربي، وأهله هم هؤلاء الذين وقعوا فريسة الشعار المعروف “فرق تسد” الذي كان، ولا يزال، بالنسبة لأعداء الشعوب والأمم يختزل أنجع الوسائل وأهم الأساليب في إضعافها وتمزيق وشائج القربى بين أبنائها والتمكين لأعدائها من الهيمنة والتغلغل في أخص شؤونها الأمنية والاقتصادية. وما يحدث من احتراب عراقي عراقي في أرض الرافدين هو الذي أطال زمن المحنة ومكن الاحتلال الأجنبي من البقاء كل هذه السنوات. ولو أن العراقيين لم يستسلموا لشعار “فرق تسد” لما دخل الاحتلال إلى العراق، ولما استطاع أن يبقى فيه شهوراً لا أعواماً، ذلك ما يقوله الواقع وتؤكده الحقائق على الارض، بل ما يقوله قادة الاحتلال أنفسهم ويرددونه.
وليس ما يحدث في فلسطين من اختلاف واقتتال بين أبناء المأساة إلا النتيجة الحتمية ل “فرق تسد”. وهذا الشعار الذهبي لأعداء الأمة العربية هو المسؤول أولاً عن الوضع البائس والتمكين للكيان الصهيوني من مواصلة عدوانه وفرض شروطه والانتظار لما سوف يسفر عنه الصراع الفلسطيني الفلسطيني من حقائق جديدة ومفيدة له. كما أن ما يحدث في لبنان ليس بعيداً من ذلك الذي يحدث في العراق وفي فلسطين من خضوع مطلق لشعار “فرق تسد”، فالانقسام بين أكثرية ومعارضة فتح الطريق للأعداء ليدخلوا لبنان من أوسع الأبواب ومكّنهم من أن يشغلوا هذا البلد عن معركة الحقيقة. وأسوأ ما أوقعوا فيه لبنان أن خلقوا حرباً من ذرع الهواء بين الجيش وما يسمى “فتح الإسلام” التي ما كان لها أن تتم في مناخ الوحدة والوفاق.
وهل يمكن لنا أو لغيرنا ان يرى ما يحدث في السودان من منظور آخر غير منظور “فرق تسد”؟ وهل كان أعداء الأمة قادرين على الدخول إلى هذا البلد العربي والعمل على تدمير وحدته بين شمال وجنوب ثم بين شرق وغرب والوثوب عليه، لولا الانقسام الحاد بين أبنائه وقبولهم الدخول في معارك ثانوية لا معنى لها ولا هدف وراءها سوى إتاحة الفرصة للعدو لكي يتدخل في الشأن السوداني ويبدأ فرض حلوله من منطلق تعميق الخلافات بين أبناء البلد الواحد، تلك الخلافات التي وصلت للأسف الشديد إلى درجة تبدو معها العودة إلى الوحدة ضرباً من المستحيل. وكل ذلك حدث ويحدث بفضل النجاح الكبير الذي حققه الأعداء في استخدامهم لشعارهم الذهبي “فرق تسد” وما يتبعه من انقسامات وانهيارات.
وفي الصومال هذا الجار الأقرب، هل كان في مقدور الأعداء أن يتحكموا في مصيره ويدمروا كيانه الواحد، لو لم يتشرذم أبناؤه ويستسلموا لشعار الأعداء “فرق تسد” الذي جاء متوافقاً مع غباء القيادات الصومالية وطموحها الشاذ المشبوه الذي يأتي على حساب وحدة الوطن واستجابة لما يخطط له الأعداء من تمزيق كيان البلد الواحد انطلاقاً من أهدافهم البعيدة والقريبة. وما يبيتون له ليس للصومال وحده وإنما له ولجيرانه الأقربين، وهذا ما ظهر واضحاً في منطقة القرن الإفريقي من اشتباكات وإغراء كل جار ضد جاره لكي تمتد آثار ما يسمى في اللغة السياسية الحديثة “الصوملة” وهي الحصيلة العجيبة لشعار “فرق تسد”.
نقلاً عن الخليج الإماراتية