الإثنين, 11-يونيو-2007
بقلم‮: ‬سارة‮ ‬فيليبس‮ -
منذ قيام الجمهورية اليمنية في 1990 بتوحيد الشطرين اليمنيين الشمالي والجنوبي، شكّل النظام اليمني بتأنٍ شديد سياساته بلغة الديمقراطية، لكنه وفي نفس الوقت يكبت المبادرات التي ربما تساعد في تسهيل الاندماج مع الديمقراطية.. لقد أصبحت هناك زيادة واضحة في مستوى النشاط‮ ‬السياسي‮ ‬الشعبي،‮ ‬بل‮ ‬أن‮ ‬بنية‮ ‬السلطة‮ ‬في‮ ‬البلاد‮ ‬قد‮ ‬أثبتت‮ ‬مرونة‮ ‬في‮ ‬الإصلاح‮ ‬السياسي‮. ‬
فعلى الرغم من أن رئيس البلاد علي عبدالله صالح هو نفسه منذ ما قبل تحقيق الوحدة، لكن غالبا يُنظر إلى اليمن بأنها قد خطت خطوات حقيقية نحو الديمقراطية. ففي العام الماضي، كانت البلاد تحت دائرة الأضواء الدولية بإجراء الانتخابات الرئاسية التي حصل فيها رسميا منافس‮ ‬حقيقي‮ ‬للرئيس‮ ‬صالح‮ ‬على‮ ‬نسبة‮ ‬22٪‮ ‬من‮ ‬مجموع‮ ‬المصوتين‮. ‬
مدير برنامج الشرق الأوسط التابع للمعهد الوطني الديمقراطي قال: "لقد شهدنا تطورات ديمقراطية في الشرق الأوسط خلال العشر السنوات، وربما أن هذه الانتخابات (اليمنية) هي الأبرز". في اليمن هناك أيضاً نقاشات برلمانية وسياسية عامة نشطة، حيث ينتقد فيها المواطنون وعناصر‮ ‬المعارضة‮ ‬الحكومة‮ ‬بشكل‮ ‬متكرر‮.‬
وزادت عدد المقاعد البرلمانية لحزب المعارضة الرئيسي أربعة أضعاف بين 1993 و2003 وبشكل عام هناك مشاركة حماسية في العملية الانتخابية. وغالبا ما يطلق الرئيس صالح تصريحات حول أهمية العمل بمبادئ الديمقراطية.
وبالفعل، فقد أصبحت فكرة الانتقال التدريجي إلى الديمقراطية منبراً مهماً للحكومة اليمنية لكسب الشرعية داخلياً ودولياً. ولكن بالممارسة فإن الوضع مازال يبدو أكثر تعقيداً. فإلى جانب بعض التغييرات المتقدمة، فالحكومة يشوبها الفساد بشكل متزايد، والمعارضة السياسية منقسمة‮ ‬جدا‮ ‬وأصبحت‮ ‬غير‮ ‬قادرة‮ ‬على‮ ‬انتزاع‮ ‬امتيازات‮ ‬حقيقية‮ ‬من‮ ‬النظام‮. ‬
وأصبحت هناك زيادة مقلقة في مضايقة الصحفيين في السنوات الأخيرة، حتى أن الصحف التي تديرها الحكومة تنشر أحيانا مقالات تنتقد فيها التضييق على حريات الصحافة. بمعنى أن اليمن تمارس بعض مظاهر الديمقراطية، لكن ليس مقبولا أن تقيدها في الواقع.
التغييرات التي شهدتها اليمن منذ 1990 لاتمثل تحولاً ديمقراطيا جوهريا لكنها تحتوي على عناصر لعدة أشكال عامة للتغيير السياسي في العالم العربي، حيث تعد الانفتاحات المقيدة بحدود والتعددية المسيطر عليها عمليات مترابطة مع بعضها.
تعددية‮ ‬مركزية
التوحد هو الأساس الذي حققه دمج النظامين السابقين في ما كان نظريا إلى حد معقول أنه اقتسام للسلطة، حيث يمتطي النظام السياسي الحالي على مجتمع يتمتع ببنية قبلية قوية غالبا ما يتمتع باستقلالية فعلية عن الدولة، وإلى جانب القبيلة يعايش النظام اختلافات إقليمية كبيرة‮ ‬وفقر‮ ‬مدقع‮ ‬في‮ ‬البلاد‮.‬
تجربة‮ ‬اليمن‮ ‬في‮ ‬الأساليب‮ ‬الديمقراطية‮ ‬وإقامة‮ ‬المؤسسات‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬واضحة‮ ‬على‮ ‬خلفية‮ ‬هذه‮ ‬التركيبة‮ ‬القبلية‮ ‬والوحدة،‮ ‬وهي‮ ‬المهمة‮ ‬التي‮ ‬صارت‮ ‬تمثل‮ ‬قلقا‮ ‬مهيمناً‮ ‬للنظام‮ ‬منذ‮ ‬1990م‮.‬
كما أن الشطر الشمالي سابقا كان نظاما محافظا بسوق حر اعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية من الغرب، في حين حدد الشطر الجنوبي هويته بالدولة الماركسية التي كانت مسنودة من الإتحاد السوفيتي. لكن إجراءات التوحد كانت تبرز أولى مظاهر الديمقراطية في البلاد واستعداد‮ ‬مكثف‮ ‬لتنافس‮ ‬سياسي‮ ‬يقوّض‮ ‬أي‮ ‬تدخلات‮ ‬خارجية‮.‬
هناك نقاش كبير حول الأسباب الكامنة وراء الركض بشكل مفاجئ إلى الوحدة، لكن من الواضح أن كلا الجانبين كانا مجذوبين إلى مكاسب سياسية واقتصادية قصيرة المدى وربما أن كل طرف اعتقد أن بإمكانه خداع نظيره لتوسيع نفوذه. فكانت أجواء انعدام الثقة بين القيادات نابعة من الطريقة‮ ‬التي‮ ‬تم‮ ‬بها‮ ‬إدارة‮ ‬الوحدة‮. ‬وبالرغم‮ ‬من‮ ‬البداية‮ ‬المبكرة‮ ‬للرغبة‮ ‬في‮ ‬انتهاج‮ ‬الديمقراطية،‮ ‬إلا‮ ‬أنه‮ ‬كان‮ ‬هناك‮ ‬صراع‮ ‬داخلي‮ ‬وإقليمي‮ ‬شديد‮ ‬لشق‮ ‬تلك‮ ‬الرغبة‮. ‬
‮ ‬تعزيز‮ ‬حكم‮ ‬القانون
إذا تم إحداث إصلاح سياسي متقدم، فإن قدرة دولة المؤسسات ستعزز فرض قوة القانون في البلاد. فعلى الرغم من أن الكثير من قوانين اليمن تواكب المعايير الدولية على الورق فقط، فالمواطنون اليمنيون سواسية نظريا أمام القانون لكن في الواقع فإن تطبيق العقوبات يتم بشكل متفاوت‮. ‬
فالتدخل في إجراءات القضاء واستمرارية تولي القضاة لمناصبهم بتعيين سياسي، يحدث اختلالاً في ميزان القضاء بشكل كبير منحازا لمن هم في السلطة. ومن المستحيل البحث عن إصلاح قضائي يشكل نظام حماية للعلاقات الشخصية. فمازال ارتباط اليمنيين بالمؤسسات القضائية الرسمية متدنياً‮ ‬بعكس‮ ‬ما‮ ‬هو‮ ‬حاصل‮ ‬في‮ ‬دول‮ ‬عربية‮ ‬مثل‮ ‬مصر‮. ‬
وبما‮ ‬أن‮ ‬معظم‮ ‬اليمنيين‮ ‬يعانون‮ ‬من‮ ‬انعدام‮ ‬الثقة‮ ‬بالأنظمة‮ ‬القضائية‮ ‬في‮ ‬بلادهم‮ ‬ويرون‮ ‬عدم‮ ‬أهليتها،‮ ‬فمن‮ ‬المحتمل‮ ‬أن‮ ‬يجد‮ ‬الإصلاح‮ ‬الحقيقي‮ ‬تجاوبا‮ ‬بمستوى‮ ‬متدنٍ‮. ‬
‮ ‬تعزيز‮ ‬الإدارة‮ ‬المحلية
يعيش تقريبا ثلاثة أرباع اليمنيين في المناطق الريفية، والسلطة متمركزة بشكل كبير في العاصمة صنعاء. المدافعون عن الديمقراطية متحمسون لتعزيز تجربة المجالس المحلية في اليمن، لكن تلك المجالس مازالت بحاجة إلى سلطة واستقلالية حقيقية عن المؤسسات المركزية التي مازالت‮ ‬هي‮ ‬أيضا‮ ‬تواصل‮ ‬إعاقة‮ ‬تقدمها‮. ‬
وبالرغم من أن المجالس المحلية التي تأسست في 2001 لم يكن لديها الخبرة الكافية والقدرة الكاملة لتنفيذ المهام المناط بها، فقد أصبحت قادرة على توسيع دورها وتأثيرها الفاعل مستقبلا. وهناك توجه لانتخاب رؤساء المجالس المحلية، الذين مازال تعيينهم من قبل رئيس البلاد‮.‬
‮ ‬دعم‮ ‬المانحين‮ ‬لليمن
على الدول المانحة أن تحاول التأكيد على أهمية إيجاد حلول قابلة للتنفيذ لمشاكل اليمن. فقد مول الكثير من المانحين الغربيين برامج التعددية السياسية والمجتمع المدني وتدريب الصحفيين وكل تلك البرامج لاقت استحسانا من المشاركين، لكن نجاح البرامج مازال محدود الفائدة‮ ‬بسبب‮ ‬المركزية‮ ‬المكثفة‮ ‬في‮ ‬اليمن‮. ‬
يمكن‮ ‬لتلك‮ ‬البرامج‮ ‬أن‮ ‬تساعد‮ ‬في‮ ‬توفير‮ ‬المعلومات‮ ‬وبناء‮ ‬القدرة‮ ‬الذاتية‮ ‬لتلك‮ ‬الجماعات‮ ‬المستهدفة‮ ‬لتركز‮ ‬عليها،‮ ‬لكن‮ ‬تلك‮ ‬الجماعات‮ ‬لاتستطيع‮ ‬أيضا‮ ‬تقديم‮ ‬الكثير‮ ‬بسبب‮ ‬الانقسام‮ ‬السياسي‮ ‬في‮ ‬أوساطها‮. ‬


❊ (أستاذة السياسات العربية في الجامعة الوطنية الاسترالية وهي خبيرة في سياسات الاستقرار الإقليمي والإصلاح السياسي.. متخصصة أيضا في شؤون السياسة اليمنية والمشاركة السياسية والديمقراطية والإصلاحات في العالم
‮ ‬العربي‮ ‬ودور‮ ‬الإسلاميين‮ ‬في‮ ‬تلك‮ ‬الإصلاحات‮).‬
‮- ‬واشنطن‮- ‬منظمة‮ ‬هبة‮ ‬كارنيجي‮ ‬للسلام‮ ‬الدولي
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 06:46 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-3445.htm