وليد علي غالب - يعمل محمد السردحي في قسم المطبخ بمستشفى دار السلام للأمراض النفسية والعصبية بالحديدة حيث يسكن مع زوجته التي تعرّف عليها في المستشفى.. الاثنان قدما إليه للعلاج من مرضهما النفسي قبل عدة سنوات..واليوم صارا عاقلين ولكن.
هذه الاسرة الصغيرة تكونت بنظر ادارة المستشفى التي اشرفت على اجراءات ارتباطهما الشرعي ووفرت لهما مسكناً مناسباً والآن يعملان في خدمة الشريحة التي كانا في يوم من الايام جزءاً منها وظلا كذلك ربما باختيارهما وربما اجبرتهما المجتمع والنظرة القاصرة تجاه المرض النفسي واعتبار أصحابه عالة وخطراً يهددهم ويتطلب عزلهم خلف اسوار اسمنتية عالية ذات اسلاك شائكة مكهربة وحراسة مشددة .. السردحي وزوجته ليسا حالة التشافي الوحيدة وليسا ايضاًَ الشاهدين اللذين يثبتان »ادانة« المجتمع بتهمة التخلي عن هذه النوعية من المرضى وعدم الاقتناع بامكانية شفائهم والاسهام في تفاقم حالاتهم وزيادة معاناتهم. قد تكون هذه المادة أعدت من محافظة واحدة ولكنها تتناول قضية موجودة في كل مكان، كما ان مستشفى دار السلام للامراض النفسية والعصبية لايخص الحديدة وحدها فهو يستقبل حالات من اربع محافظات اخرى (حجة، المحويت، ذمار، ريمة) يشكل عبئاً كبيراً يفوق امكاناته وطاقته الاستيعابية.
حجر صحي
في العام 1997م تسلمت رسمياً الجمعية الشعبية الخيرية هذا المستشفى من مكتب الشئون الاجتماعية لتتولى ادارته والاشراف عليه، كان حينها عبارة عن مبنى حجر صحي لعزل المجانين داخل غرف وعنابر تشبه زنازين السجون.. وماتزال عالقة في الاذهان الى حد الآن تلك المشاهد المؤلمة التي بثها الزميل محمد الذهباني في برنامجه التلفزيوني الشهير »صورة« قبل حوالى 12 عاماً في الحلقة التي خصصها عن »دار السلام« وكل من تابع الحلقة يتذكر تلك المناظر المأساوية..!!
جمعيات وجمعيات
وهي تجربة ناجحة في العمل الخيري تتطلب الوقوف امامها كأنموذج يجب ان تحتذي به الجمعيات الخيرية الاخرى التي تقوم فقط بجمع الأموال من المواطنين والتجار، فقد تبنت الجمعية الشعبية الخيرية دار السلام كمشروع خيري إنساني وخلال عشر سنوات من تسلمه وتشكيل مجلس ادارة خاص برئاسة عبدالرحيم ردمان تمكنت من تحويله الى مستشفى نموذجي متخصص في علاج الامراض النفسية والعصبية بمختلف الحالات المعقدة التي تتطلب الابقاء على المريض للاشراف عليه ومتابعة العلاج او الحالات البسيطة المتوسطة التي تسمى المترددين.وعلى مدى عقد من الزمان انفق على هذا المشروع مايزيد عن 800 مليون ريال ساهم فيها رجال الاعمال الى جانب مساهمة الجمعية والاسهامات الحكومية ولاننكر ان ماتحقق من اشياء ملموسة هو انجاز لايترك مجالاً للمقارنة بين »الدار« السابقة والمستشفى الحالي إلاّ اننا في نفس الوقت نعود لنقر ان كل ذلك ليس كافياً مقارنة بما هو مطلوب ان يقدمه من خدمات صحية لمرضى في خمس محافظات مع وجود صعوبات اخرى كثيرة.
أسر تتنصل من مرضاها
يقول عبدالرحيم ردمان رئيس مجلس المستشفى: اننا نعاني كثيراً من عدم تفهم بعض اهالي المرضى بامكانية علاج هؤلاء المرضى الذين يأتون بهم كمن يريد التخلص منهم ومن متاعبهم معتقدين انهم بتسليم المريض الينا قد اخلوا مسئوليتهم وانه سيبقى في المستشفى الى ان يموت وهذا غير صحيح وعلى هذه الاسر التي تتنصل من مرضاها النفسيين ان تتقي الله فيهم.
ويستطرد قائلاً : وللاسف ايضاً نواجه معضلة اخرى هي أن الاسر التي تقبل ان يعود المريض للعيش وسطها عند تحسن حالته لاتهتم به ولاتساهم في علاجه واعطائه الجرعة الدوائية بانتظام والالتزام بالتعليمات الطبية مما يؤدي الى عدم اكتمال الشفاء واحياناً إنتكاس الحالة وحدوث مضاعفات خطيرة مع العلم اننا نوفر لهم غالبية العقاقير الطبية مجاناً.
حملات عشوائية!!
ويضيف رئيس مجلس الادارة ردمان:
هناك مشكلة أخرى تتمثل في اجراء حملات عشوائية تحمل من في الشوارع إلينا دون اية خطة مدروسة ودون التنسيق معنا والضغط علينا للابقاء على من يتم جمعهم عشوائياً من الشوارع.
ويستطردقائلاً: ان ذلك يعيد وضع المستشفى الى السابق عندما كان مجرد موقع لتجميع وحجز المجانين والمتشردين وغيرهم وقال منوهاً في حديثه لمن يدعو لمثل هذه الحملات العشوائية »عفواً مهمتنا طبية وليست أمنية«!
وذكر رئيس مجلس ادارة المستشفى في سياق حديثه ان هناك تنسيقاً مشتركاً في هذا الشأن مع السلطات المحلية بالمحافظة.
مكرمة رئاسية
ويشرح ردمان تجاوز المستشفى لقدراته الاستيعابية قائلاً: عندنا اكثر من 230 نزيلاً ونزيلة بينما الطاقة الاستيعابية للمستشفى لاتتجاوز الــ150 شخصاً بما في ذلك المباني الجديدة التي تندرج ضمن المبنى الاضافي الذي سيتم تنفيذه بكلفة اكثر من ٥ ملايين ريال كهدية غالية ومكرمة من فخامة المناضل علي عبدالله صالح -حفظه الله-.
اخفاء المرض
اما الدكتور عبدالمجيد علوان - احد الاطباء العاملين بالمستشفى فانه يتطرق الى نقطة مهمة تسهم في زيادة اعداد المرضى النفسيين وسوء حالتهم.
حيث يقول : ان خوف الكثير من عرض انفسهم على اطباء نفسانيين وعدم الرغبة في العلاج عند ملاحظتهم لظهور اعراض بعض الامراض النفسية العادية كالاكتئاب مثلاً يجعلهم عرضة لحدوث مضاعفات اخرى وازدياد حالتهم سواء وخطورة مما قد يصعب عملية علاجها مستقبلاً.
وينصح د. علوان بعدم التردد في الذهاب للطبيب النفسي عند الشعور بالمرض والبوح له بكل شيء فذلك ليس عيباً او مشيناً بل ان عدم فعل ذلك تحت مبرر الخوف من معرفة المرض سيجعل الجميع يعرف ويسخر منه عندما تسوء الامور وتتدهور اوضاعه.مضيفاً أنه ليس صحيحاً ان من قدم مصحة او عيادة نفسية هو مجنون ينبغي ان نتحرر من هذه العقدة التي باعتقادي اسهمت بشكل او بآخر في تزايد المرضى النفسيين والمختلين عقلياً لأنه كان هناك من يمكن علاجهم وتفادي وصولهم الى هذه المرحلة المتأخرة من المرض.
بوابة سرية!!
ويشير د. علوان الى قيام ادارة المستشفى بانشاء بوابة جديدة خاصة بالعيادات الخارجية غير تلك البوابة القديمة والرئيسية للمستشفى والتي يعرفها الجميع واعتادوا عليها وان البوابة الجديدة الواقعة على شارع خلفي صممت كذلك من أجل كسر الوصمة والحاجز النفسي لدى الناس وخشيتهم الاقتراب من هذا المبنى والحكم على من شوهد وهو يدخله بانه مجنون، هذه البوابة شبه السرية هي لتشجيع المرضى على المجيئ للعلاج وخاصة اولئك الذين يخشون ان يراهم احد او يكشف أمر مرضهم..
|