عبدالفتاح علي البنوس -
< مما لاشك فيه بأن التسوية السياسية التي انبثقت عن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية مثلّت المخرج الآمن لليمن واليمنيين من شبح الحرب الأهلية وأوصلت رسالة لأطراف الأزمة والقوى الفاعلة في الساحة والدول الراعية للمبادرة بأنه لا غالب معها ولا مغلوب، ولا امتيازات فيها لأي طرف، ولا يوجد هناك أي تجيير لها أو توظيف سياسي، فالكل توافق عليها، وقبل بها، ووقع عليها، ودخل الجميع في مرحلة وفاق سياسي من أجل العبور بالسفينة اليمانية الى بر الأمان، ولم يعد هناك أي قبول بالخروج عن مضامينها على اعتبار أن ذلك سيترتب عليه فتح ثغرات عدة للتدخل في مضامين المبادرة وهو ما قد يقود الى التباين الأمر الذي يمثل تهديداً للتسوية السياسية بمنظومتها المتكاملة.
وإن المتتبع اليوم لسير التسوية السياسية وفق الجدول الزمني الذي تضمنته المبادرة الخليجية يلمس بأن هناك رغبة غير مباشرة من قبل بعض الأطراف السياسية والحزبية والقوى القبلية والعسكرية من أجل تمديد المرحلة الانتقالية والقفز على بنود المبادرة وذلك انطلاقاً من حرص هذه القوى على مصالحها الحزبية والخاصة والتي تتعارض مع المصلحة الوطنية العليا، ولعل المضحك في الأمر أن تجد هذه الأطراف التي باتت تدعم وبقوة خيار التمديد، تدعي بأنه ضرورة وطنية ولا ترى فيه أي ضرر على سير التسوية، رغم أنها تدرك جيداً أن خيار التمديد سيشكل ضربة قاضية للتسوية وعقبة جديدة تحول دون العبور الآمن نحو الدولة المدنية الحديثة.
أعتقد أن صوت العقل والحكمة يقتضي بأن يصر الجميع على استكمال ما تبقى من بنود المبادرة الخليجية وآليتها دونما تقاعس، بحيث تتحمل كافة الأطراف مسؤولياتها الوطنية لإنجاز المهام الموكلة إليها وعدم الإتكال على خيار التمديد، لأننا لا نريد العودة الى مربع التأزيم والصراعات، يكفينا ما تجرعناه طيلة فترة الأزمة، فكل ما نخشاه هو أن يكون خيار التمديد فخاً الهدف منه جر البلاد نحو الحرب الأهلية التي تجاوزها شعبنا خلال الفترة الماضية بالتوافق على الصيغة الراهنة للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة.
هناك نفي رسمي لأية رغبة في تمديد الفترة الانتقالية ونحن هنا إذ ندعم هذا التوجه الذي يعزز ثقة المواطنين في أدوات بناء الدولة المدنية المنتظرة، ويمنحها المزيد من الثقة لاستكمال كافة التحضيرات وتهيئة الأجواء أمام هذا التحول الديمقراطي من خلال الانتخابات والتي ستؤسس لبداية عصر جديد في تاريخ الدولة اليمنية، فإننا في الوقت ذاته نلمس خلال هذه الفترة تحركات مكثفة وترتيبات واستدعاءً ممنهجاً لبعض الأحداث من أجل تعطيل مسار التسوية السياسية لإيجاد ذريعة تشرعن للتمديد وكل ذلك من أجل مصالح أحزاب وأفراد لا ترى في الأوضاع الراهنة والمستجدات القائمة على الساحتين المحلية والعربية أية مؤشرات إيجابية تقودها نحو تحقيق النجاح الذي تنشده من الانتخابات المقبلة، حيث ترى في التمديد فرصة لإعادة ترتيب أوضاعها والتعاطي مع المعطيات في الميدان بصورة جديدة تمكنها من تحقيق النجاح المنشود.
ولذا نطالب الرئيس عبدربه منصور هادي بأن يقف ضد خيار التمديد ويعمل على الوفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه خلال مراسيم نقل السلطة مع سلفه الزعيم علي عبدالله صالح ويرفض أي إغراءات من أي طرف كان، ليسير على نهج سلفه في تجسيد التبادل السلمي والديمقراطي للسلطة، فنحن نريده مشرفاً على عملية التحول نحو الدولة المدنية كما نصت على ذلك المبادرة الخليجية، نريده أكثر الناس حرصاً على طي صفحة المرحلة الانتقالية وفتح صفحة جديدة في رحاب اليمن الجديد، لقد آن الأوان بأن نتنفس الصعداء ونرتاح من بؤس وشقاء وعجز وفساد حكومة الوفاق التي لم نلمس للوفاق والتوافق أي أثر فيها، سئمنا من بكائيات باسندوة، وتنظيرات صخر الوجيه، وبقية أعضاء الحكومة، نريد حكومةً وطنية، تنتصر لهموم وقضايا وحقوق المواطن اليمني من حوف في أقصى الجنوب الشرقي الى تخوم صعدة والجوف في أقصى الشمال الغربي.
ونطالب رئاسة وأعضاء مؤتمر الحوار الوطني بأن لا يجعلوا من أنفسهم مطية من أجل تمديد المرحلة الانتقالية ونحملهم المسؤولية أمام الله وأمام الشعب في إنجاز ما أوكل اليهم من مهام وفي الموعد المحدد تعزيزاً لقيم المصداقية والحرص على المصلحة الوطنية وتغليبها على ما دونها من المصالح، لا نريد أن يكون مؤتمر الحوار الوطني المدخل الذي يمكن أن يتسلل من خلاله دعاة وأنصار التمديد للوصول الى غايتهم ومبتغاهم، نقول ذلك ونحن على ثقة تامة بأن نسبة كبيرة من أعضاء مؤتمر الحوار يقفون ضد التمديد ومع تنفيذ بنود ومضامين المبادرة الخليجية وفق الآلية التنفيذية المزمنة.
والمؤمَّل من الأشقاء والأصدقاء الداعمين للمبادرة الخليجية الدفع في هذا الاتجاه وعدم إتاحة الفرصة لأي طرف سياسي تخريب وتدمير ما تم إنجازه وتنفيذه من خطوات في مسار التسوية السياسية، ولكي يؤكدوا بأنهم أكثر حرصاً على تجاوز اليمن أوضاعها الراهنة وعدم العودة الى ما قبل المبادرة الخليجية، لا نريد منهم إبرام صفقات أو الدخول في تحالفات مع هذا الطرف أو ذاك، نريدهم مع الإرادة اليمنية التي توافقت على التغيير والتحول الديمقراطي والانتقال الحضاري للسلطة وترسيخ النهج الديمقراطي الذي يأخذ بأيدي الجميع نحو اليمن الجديد والدولة المدنية الحديثة والتي نرى بأنها لن تتحقق الا إذا وقف الجميع وقفة وطنية رافعين شعار «لا للتمديد من أجل اليمن الجديد».. ودمتم سالمين..