الإثنين, 16-سبتمبر-2013
الميثاق نت -  عبدالفتاح علي البنوس -

< منذ إندلاع شرارتها في فبراير العام 2011م انقسم اليمنيون بشأنها واختلفوا حول توصيفهم لها، فمنهم من ذهب الى الزعم بأنها ثورة شبابية، ومنهم من ذهب الى وصفها بالأزمة السياسية، وبعيداً عن الكذب والتدليس وقلب الحقائق، فقد كان حجم القوى التي تعاملت مع ما جرى على أنها أزمة سياسية مفتعلة للوصول الى السلطة أكبر بكثير من القوى التي تعاملت على أنها ثورة، رغم محاولاتهم تصوير طبيعة الأوضاع بخلاف ذلك، ومع ذلك جاءت المبادرة كحل مقنع للجميع ومعها لم يعد هناك أي مجال للحديث عن ثورة، حيث صار الهم الوطني هو الخروج بالبلاد من دوامة العنف والصراع والاقتتال الى أجواء مفعمة بالسلام والأمن والاستقرار، وذلك بعد أن تجرع الشعب من وراء هذه - الأزمة الغصص والآلام والمتاعب وعاش الجميع في ظل ظروف في غاية الصعوبة لا يمكن أن يتحملها أي شعب آخر.
حيث كان أول نتاج لها هو غياب الأمن والاستقرار وسريان الفوضى والإنفلات الأمني وسقوط البلاد في مستنقع الفساد ذات الصبغة الثورية، وانهيار الاقتصاد الوطني وتردي مستوى الخدمات الى أدنى مستوى، فلا كهرباء، ولا نفط ولا غاز، في ظل أوضاع معيشية صعبة للغاية، وفوق كل ذلك استمرار الاعتداءات التي نفذتها مليشيات الإصلاح وعلي محسن وأولاد الأحمر على المعسكرات في أرحب ونهم وتعز وإشعال الحرب في الحصبة وصوفان، وتأزيم الأوضاع في المحافظات بالمسيرات والاعتصامات الفوضوية ومحاولتهم تعطيل الحياة العامة من خلال الاعتداء على المكاتب والدوائر الحكومية والتحريض على الفوضى والعصيان المدني وتحريض المواطنين على عدم تسديد فواتير استهلاك خدمات المياه والكهرباء التي كانت موفرة لهم رغم صعوبة الأوضاع، ولا غرابة أن يصل بنا الحال في ظل هذه الثورة المزعومة الى ذلكم التراجع المخيف الذي أعاد البلاد الى العصور المتخلفة بعد أن دمروا كل ما هو جميل فيها من أجل السلطة ومغرياتها.
على العموم جاءت المبادرة وكنا نأمل أن يتحلى أولئك الذين تدثروا بعباءة الثورة وقالوا للشعب في الفضائيات والصحف والمواقع الالكترونية وفي ساحات الاعتصام بأنهم ينشدون رفاهية وسعادة ورخاء كل أبناء الشعب، وليس لهم أي مطامع سياسية أو حزبية أو شخصية، بنوع من المصداقية والحرص على المصلحة الوطنية ولو لمرة واحدة، لكي يلمس الشعب ثمار التغيير ويحصد زرعه الوفير الذي وعد به، ولكن للأسف الشديد- أصرّ هؤلاء على عنادهم وتسلطهم، ولم يعوا جيداً ماذا تعني المبادرة الخليجية وماذا يعني الوفاق الوطني؟ فظلوا يتعاملون وفق منظورهم ولم يستوعبوا أن المبادرة أغلقت ملف ثورتهم المزعومة، وأغلقت معها ملفات الماضي غير المرتبطة بمضامينها المنصوص عليها، وتعمدوا استفزاز الطرف الآخر بأعمال وممارسات - للأسف الشديد- تورط معهم فيها النظام الجديد حكومة الوفاق التي تحولت الى حكومة خاصة بالطرف الذي يدعي الثورية، فسرعان ما تم تدشين مسلسل الإقصاء والتهميش وبدأت القرارات تتجه لترجيح كفة ذلك الطرف رغم أن ذلك يتعارض مع متطلبات مرحلة الوفاق الوطني، وكأنّ هذا الطرف هو من قدّم التنازلات وهو من جنّب البلاد والعباد ويلات الصراعات الدموية ومخاطر الحرب الأهلية، لدرجة أن النظام الجديد بكل أركانه تحول الى مجرد أداة بيد هؤلاء، يعمل على خدمة مصالحهم وتحقيق أهدافهم، باسلوب أرعن، لا يقدر مخاطر وتداعيات ذلك.
لقد تعامل ولايزال النظام الجديد مع أصحاب الثورة المزعومة على أنهم الشعب اليمني وأنهم يمثلون الإرادة اليمنية وتجاهلوا بقية الأطراف التي كانت شريكة في تحقيق المصالحة والمصادقة على المبادرة الخليجية وتعاملوا معهم على أنهم بقايا نظام وبلاطجة، ولا يجد الكثير منهم حرجاً في التصريح بضرورة إقالة كل من وقف في صف النظام السابق الذي كان يمثل الشرعية الدستورية التي انقلبوا عليها ورفعوا شعار الشرعية الثورية، وهي ذات الشرعية التي رفضوها في مصر ووقفوا خلف الشرعية الدستورية لأنها شرعية اخوانية، ولأنها التي أوصلتهم الى الحكم، ولأنها التي ستوفر لهم الغطاء من أجل إقامة الإمارة الاخوانية في المنطقة.
من المؤسف أن يموت العشرات من جرحى القوات المسلحة والأمن خلال الأحداث التي شهدها الوطن دون أن يحصلوا على حقهم في العلاج لمجرد أنهم كانوا في صف النظام في الوقت الذي يسافر جرحى مليشيات الاصلاح وحميد وعلي محسن ومنصور الحنق للعلاج في الخارج على نفقة الدولة بحجة أنهم من الثوار.
بالله عليكم أي منطق هذا؟! وأية عنصرية هذه؟َ وأية سياسة تلك التي تؤسس لثقافة الحقد والكراهية وتصفية الحسابات؟! وأي نظام سياسي يقبل بهذا الاسلوب اللامسؤول في التعامل مع إدارة شؤون البلاد خلال هذه المرحلة الحرجة؟!!
هذا كلام غير مقبول ولا يتماشى مع مضامين المبادرة الخليجية وسيقود الى تفجير الأوضاع من جديد ونسف التسوية عن بكرة أبيها، للصبر حدود وكنا نأمل أن يكون الرئيس هادي عنصر توازن في مسار التسوية السياسية وإذا به يتحول إلى خصم من خلال الرضوخ لضغوطات الطرف الذي يُنصّب نفسه الوصي على اليمن واليمنيين، وبدا وكأنّه يعاقب الطرف الآخر على تنازلاته وصبره وحرصه على مصلحة الوطن، فيصدر قراراً بتشكيل صندوق لرعاية ودعم شهداء وجرحى الثورة الشبابية السلمية والحراك الجنوبي السلمي متجاهلاً شهداء وجرحى القوات المسلحة والأمن والمواطنين الذين كانوا الى صف النظام، رغم أنه كان من المفترض أن تكون المعالجة شاملة للجميع دون استثناء دعماً للوفاق بعيداً عن الاقصاء والاستبعاد، ولكنه أظهر انحيازه لقوى وتحامله على الأطراف الأخرى والتي كان ولايزال محسوباً عليها.
ولعل الشيء الذي لابد من التأكيد عليه في ظل كل المعطيات السالفة الذكر هو أن اليمنيين الذين يمثلون الأغلبية باتوا على يقين بأن ما حصل في فبراير 2011م وحتى غداة انتخاب الرئيس هادي رئيساً للبلاد لم يكن ثورة، وإنما كان أزمة، وهذه الأزمة ولدّت أزمات لانزال نتجرع منغصاتها حتى اليوم، وأن الحديث عن ثورة هو مجرد مؤامرة تقودها القوى النفعية والاستغلالية من أجل تمرير أجندتها والوصول الى غاياتها وتحقيق أهدافها وهو ما يهدد بتحريك نوازع الفتنة وبواعث الصراع السياسي داخل البلاد، هو ما يجب أن يدركه الرئيس هادي أولاً، والقوى المأزومة ثانياً، فيكفي الوطن ويكفينا ما لحق بالشعب، نريد شراكة وطنية تصنعها إرادة يمنية تنتصر خلالها للمصلحة العامة، نريد مواطنة متساوية دونما تفضيل أو تمييز أو درجات أو مستويات لها، نريد وطناً يتسع للجميع، نريد يمناً جديداً نطوي معه صفحات الماضي ونفتح صفحات جديدة، نريد مبادلة الوفاء بالوفاء لا بالجحود والنكران، لا نريد مراهقات سياسية وممارسات صبيانية والاتكاء على رهانات خاسرة، لا نريد أوصياء علينا من الداخل أو الخارج، فنحن أصحاب الإرادة الوطنية المدعومة بإرادة الخالق عز وجل ولا قبول بسواها، وعلى الجميع إدراك وفهم ذلك وبعدها «من طلب الجن ركضوه»..
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 08:00 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-34631.htm