محمد علي عناش -
الفاشلون والفاسدون واللاهثون وراء غنائم وفيد السلطة هم فقط من يبحثون عن تمديد في هذه الفترة المتبقية من مؤتمر الحوار الوطني، هو في حقيقته تمديد لترفهم وشقائنا.. لفسادهم وأوجاعنا.. لكذبهم ولا مبالاتهم وحسراتنا، بل أيضاً لخيانتهم العظمى لهذا الشعب والوطن، تمديد لأسوأ فترة تاريخية عاشها اليمنيون من فشل المتحاورين وفشل حكومة الوفاق وفشل بنعمر والزياني وكل دعاة المبادرة الخليجية، الجميع فشلوا في إخراج اليمن من أزمتها ولم يكونوا عند مستوى المسؤولية الوطنية والتاريخية، أو أن يكونوا رجال المرحلة الوطنية الحساسة هذه، ولو كانوا بحجم هذه المسؤولية لكانت الأجيال القادمة سوف تكتب أسماءهم بحروف من نور، وتخلد مواقفهم العظيمة في أنصع صفحات التاريخ السياسي والوطني لليمن.
لكنهم أرادوا أن يكونوا على العكس من ذلك تماماً، ويريدون منا أن ندفع الثمن مرة أخرى، وأن نستلب أكثر، ويريدون أن يقايضوا فشلهم وفسادهم وفقدانهم للمقومات الوطنية والأخلاقية للنهوض بالمرحلة، بمزيد من المعاناة والتدهور وبمزيد من القبول والرضا بتهريجهم السياسي، أي بالتمديد لاخفاقاتهم ونزعاتهم السلطوية ولكراهيتهم للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وبغضهم لإرادتنا الحرة المتطلعة الى بناء المجتمع الديمقراطي والدولة المدنية الحديثة.طوال عامين من حكومة الوفاق وطوال ستة أشهر من مؤتمر الحوار الوطني لم يكن الوطن ووحدته والسلم الاجتماعي اليمني حاضراً طوال هذه الفترة، فالجميع عملوا ضد بناء الدولة الوطنية، ولهثوا وراء تنفيذ أجنداتهم الخاصة والحزبية، ولم يكونوا على وفاق وطني أو متكئين على قواعد أخلاقية في اللعبة السياسية أو في إدارة المرحلة الوفاقية المقيدة بشروط وأهداف ومبادرات وإنما ظهروا طوال هذه الفترة كمتربصين ليس فقط بالآخر المختلف، وإنما أيضاً بالثروة والسلطة، كما ظهروا كعصبويين وقادة حرب في ساحة معركة متخذين وضعية التأهب والاستعداد لساعة الصفر التي سوف ينتفض فيها كل طرف على الآخر، أي أن هناك في اليمن معركة مؤجلة سوف يشعل فتيلها استمرار الفشل وسياسة تصفية الحسابات، والإقدام على التمديد لمرحلة انتقالية ثانية، في ظل استمرار الخروقات والتجاوزات وعدم تنفيذ ما تبقى من نصوص المبادرة الخليجية، واستمرار الاغتيالات والفساد المنظم الذي يديره ويرعاه رئيس الحكومة محمد سالم باسندوة.
الأدهى من ذلك أن جمال بن عمر هو نفسه من يرعى خلف الكواليس مخطط التمديد لمرحلة انتقالية ثانية، وبما يشبه عقد الصفقات تنفيذاً لأجندات أطراف معينة وإرضاءً لرغباتها وطموحاتها ذات الطبيعة الشخصية والمناطقية.
صحيح أن خيار اليمنيين الأول هو الدولة الموحدة والإقليم الواحد، الا أن خيار الاقاليم في إطار الدولة الواحدة سيكون خياراً ثانوياً وحلاً موضوعياً ومقبولاً في ظل استمرار التجاذبات السياسية التي أخذت منحى تشطيري وانفصالي.
في هذا الصدد بدأت الكواليس تشتغل مع قرب انتهاء مؤتمر الحوار الوطني، ومنذ أن بدأت تطرح بقوة فكرة الأقاليم والتفاعل الجماهيري الكبير مع الفكرة كما حدث مع بدء فعاليات تدشين الاقليم الغربي (الحديدة - حجة- المحويت - ريمة) والاقليم الشرقي (المهرة - ارخبيل سقطرى، حضرموت، شبوة) إلا أن هناك من اشتغل من خلف الكواليس لمناهضة وإفشال مشروع الاقاليم عبر تعطيل انتظام جلسات مؤتمر الحوار الوطني، الانسحاب المفاجئ لمكون الحراك الجنوبي وتبنيه مرة أخرى لمطالب وشروط المربع الأول من الأزمة، كمطلب حق تقرير المصير أو دولة من اقليمين والندية في الحوار كدولة لدولة، ناسفاً بذلك جهود ستة أشهر من الحوار، خاصة فيما يتعلق بالقضية الجنوبية وبشكل الدولة ونظام الحكم، ثم عودته في الوقت الضائع بعد اجتماعات وحوارات مع المبعوث الاممي جمال بنعمر، وما تمخض عنه ما يسمى بحوار (8+8)، ليصبح معه التمديد لمرحلة انتقالية ثانية أمراً حتمياً من وجهة نظر البعض وبالتحديد بنعمر والمشترك ومكون الحراك الجنوبي فصيل محمد علي أحمد، وبطريقة فرض التمديد كأمر واقع، وهو التمديد الذي سيدفع ثمنه الشعب اليمني على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
من المؤسف أن يكون الوطن لدى هؤلاء بهذا الحجم الضئيل وأن يصل الاستنهاض بالشعب وإرادته الحرة الى هذا المستوى من الانتهاك والتحدي الصارخ، ومن المخجل أيضاً أن يصل مستوى التفكير الى هذا الحد من السقوط، وأن تدار أزمة البلد بعقلية التربص والمساومة الرخيصة.
عقد مؤتمر الحوار الوطني على أرضية ملغومة ومفخخة لم يتم منذ البداية تسويتها وتهيئتها لنجاح الحوار، من قبل الرئيس هادي وعقلاء الأحزاب ورعاة المبادرة الخليجية، مع الاستثناء هنا الجهود الطيبة والمشرفة لبعض الأعضاء من المستقلين ومكون المرأة، ومكون المؤتمر الشعبي العام والذين حاولوا قدر المستطاع تقريب المسائل ووجهات النظر وتقديم التنازلات لإضفاء بعض اللمسات من النجاح الجزئي للمؤتمر في ظل التمترس الشديد وراء الأجندات والأهداف الخاصة، ومع ذلك انتهى المؤتمر بمزيد من الألغام والعراقيل وبمزيد من التفخيخ لإفشاله والعودة بالأزمة الى المربع الأول وبشرطية إما.. وإما..
حقيقة لم يعد هناك ما يستحق التمديد أو يوجبه، وإنما هناك ما يدعو كل الأحرار والشرفاء في هذا الوطن، أن يقفوا بصرامة ضد مخطط التمديد واسقاطه شعبياً وسياسياً، وإسقاط الأقنعة المزيفة، والعقلية التي أدمنت إدارة البلد وإدارة أزمته من خلف الكواليس وعقد الصفقات ونسج التحالفات العصبوية، والإخلال بموازين القوى العسكرية والمدنية لصالح طرف بعينه أو أطراف بعينها، وضد أطراف بعينها وبطريقة تصفية الحسابات.
الأسباب والدواعي الوطنية كثيرة لإسقاط خطة التمديد لمرحلة انتقالية ثانية، يمكن إجمالها فيما يلي:
1- التمديد في ظل عدم تنفيذ كامل نصوص المبادرة الخليجية، وعدم تنفيذ القرارات الرئاسية المتعلقة بهيكلة الجيش وخاصة ما يتعلق بالفرقة المنحلة سيفتح الباب على مصراعيه لإنتاج المزيد من الأزمات.
2- التمديد يكرس ويرسخ وعي المحاصصة والإقصاء واستمرار الإخلال بموازين القوى لصالح أطراف بعينها.
3- التمديد يصادر حق الشعب اليمني وإرادته الحرة في اختيار حكامه وممثليه.
4- التمديد نزوع شمولي يعيد إنتاج دولة الفرد ومراكز القوى والنفوذ العسكري والحزبي والعشائري ويقتل لدى أبناء الشعب حلم التغيير وبناء الدولة الديمقراطية.
5- التمديد سيتيح فرصة أخرى لمنظومة الفشل والفساد المالي والسياسي أن تلعب دوراً خطيراً في تدمير الدولة ونهب الثروة، على حساب التنمية وبناء الدولة الوطنية وإنجاز منظومة الإصلاحات الشاملة.
6- التمديد يكرس ويرسخ وعي الفوضى ومنطق القوة والإنفلات الأمني وزعزعة الأمن والاستقرار.
7- التمديد يمثل تهديداً حقيقياً وخطيراً للوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي اليمني.
من هنا ندعو كل الشعب اليمني وقواه الحية والديمقراطية أن تقف في وجه مخطط التمديد وأن تكون سداً منيعاً يحول دون إمرار هذا المخطط باسقاطه شعبياً وسياسياً، لأن التمديد في ظل الظروف الراهنة لا يمثل حلاً وطنياً بقدر ما يمثل كارثة وطنية، كما أن مشكلتنا ليست مع التمديد في حد ذاته، ولكن مع منظومة متكاملة من الفشل والفساد والتسلط ومراكز القوى وسياسات الإقصاء وتصفية الحسابات والتدمير الممنهج لمقومات الدولة والتي تم خلف الكواليس التمديد لها كي تدفع ثمن هذه الأزمة مرة أخرى والثمن هذه المرة ليس بسيطاً بل كارثياً.